المملكة الملعونة......1-3-1-المفسدون في الارض
1-3-1- المفسدون في الأرض
"ظهر الفساد في البر و البحر بما
كسبت ايادي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون "
"الروم ,41"
وأكتفي بسبعة أقوام منهم اثبت القران العظيم
ضلالهم:
قوم نوح، وقوم عاد، وقوم ثمود،
وقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم فرعون، وقوم موسى. والحديث عن هذه الأقوام يفتح الباب
مباشرة على المملكة الملعونة، مملكة شياطين الإنس.
اللهم رب السماوات وما أضللن، ورب الأرضين
وما اقللن ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين: فإنا نعوذ بك من شر هذه
المملكة وشر أهلها وشر ما فيها. قال الحق عز و جل
"و لو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا
مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن الا باذن الله ,و يجعل الرجس على الذين لا يعقلون"
"يونس: 100-99 "
لما يبعث الله العزيز الجبار-تبارك وتعالى-
الجن والإنس ليوم الحساب يناديهم:
"يا معشر الجن والإنس: ألم يأتكم
رسل منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا ؟ قالوا: شهدنا على أنفسنا.
وغرتهم الحياة الدنيا، وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين. ذلك أن لم يكن ربك
مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون. ولكل درجات مما عملوا، وما ربك بغافل عما يعملون"
"الأنعام: 130-132".
وعندما يساق الكفار إلى جهنم،
يسألهم ملائكة التعذيب عن الرسل:
"وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا،
حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها: ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم
آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا ؟ قالوا بلى، ولكن حقت كلمة العذاب على
الكافرين. قيل: أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها، فبئس مثوى المتكبرين".
"الزمر: 71-72".
فلما تمتلئ جهنم بأحزاب الكفر والظلم
والفساد والشرك يصعد إبليس اللعين على منبر من نيران جهنم ويصدقهم للمرة الأولى
والأخيرة عندما يعلن تخليه عنهم ويتبرأ منهم ويعترف لهم أنه كان يكذب عليهم
ويكيدهم: " وقال الشيطان لما قضي الأمر: إن الله وعدكم وعد الحق، ووعدتكم
فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي. فلا تلوموني،
ولوموا أنفسكم. ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي، إني كفرت بما أشركتموني من
قبل"
"إبراهيم
عليه السلام: 22".
إنني في هذه المرحلة المتقدمة من البحث حول
البداية والنهاية سأكشف –بعون الله تعالى- عن أعنف الجبابرة وأفظعهم بطشا وأشدهم
قسوة من بين كل الذين تسلطوا على معشر الإنس، وأذاقوا البشر أصنافا من التعذيب
والتشريد والتقتيل. وأبدأ على بركة الله تعالى بجبابرة العصور الغابرة ثم سأتناول
الحديث –إن شاء الله تعالى- عن جبابرة العصور القديمة والحديثة قوم نوح
1-3-1-1
" لقد أرسلنا نوحا إلى قومه، فقال:
يا قوم اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، قال الملأ
من قومه: إنا نراك في ضلال مبين. قال: يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب
العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون. أو عجلتم أن
جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون. فكذبوه، فأنجيناه
والذين معه في الفلك، وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا، إنهم كانوا قوما
عمين".
"الأعراف:59-64".
وسنلخص-إن شاء الله تعالى- قصة نوح عليه
السلام مع قومه في فقرة أنبياء الله السبعة الذين سأتحدث عنهم لا حقا في كتاب
النهاية.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان
بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام حسب ما رواه البخاري. وقال ابن كثير: ثم
بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور وعبد أهل ذلك الزمان الأصنام، فلما انتشر الفساد
في الأرض وعم البلاء بعبادة الأصنام، بعث الله رسوله نوحا عليه السلام، يدعو إلى
عبادة الله وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة من سواه. لكنهم استمروا على الضلالة
والطغيان وعبادة الأصنام والأوثان، ونصبوا له العداوة وتوعدوا الذين آمنوا بنوح
بالرجم والطرد. فقال كبراء قومه وسادتهم: "إنا لنراك في ضلال مبين"،
وقالوا له: "ما نراك إلا بشرا مثلنا، وما نراك اتبعك إلا الذين هم آراذ لنا
بادي الرأي، وما نرى لكم علينا من فضل بل نضنكم كاذبين"
"هود
عليه السلام:27."
وتطاول الزمان واشتدت المجادلة بينه وبينهم،
قال الله تعالى: "فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، فأخذهم الطوفان
وهم
ظالمون"
"العنكبوت
14".
ولم يؤمن به إلا القليل منهم، وكانوا كلما
انقرض جيل منهم وصوا من بعدهم بعدم الإيمان بنوح وتكذيب ما بعث به، " ولا
يلدوا إلا فاجرا كفارا". ولهذا: "قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت
جدالنا، فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين. قال: إنما يأتيكم به الله إن شاء وما
أنتم بمعجزين"
"هود
عليه السلام: 32-33".
"وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك
إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون، واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا
تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون. ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا
منه. قال: إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون، فسوف تعلمون من يأتيه عذاب
يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم. حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل
زوجين إثنين، وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن. وما آمن معه إلا قليل".
"هود
عليه السلام:36-40".
فقد تمرس قوم نوح على الكفر الغليظ والعناد
الدائم في حياتهم الدنيا، وسيجحدون –يوم القيامة- بعثة نوح: عن أبي سعيد رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجيء نوح عليه السلام
وأمته، فيقول الله عز وجل: هل بلغت ؟ فيقول: نعم أي ربّ. فيقول لأمته: هل بلّغكم ؟
فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي. فيقول لنوح: من يشهد لك ؟ فيقول محمد وأمته، فنشهد
أنه قد
بلغ".
-
صحيح البخاري-
ومصداق هذا من القرآن العظيم، قوله تعالى:
" وكذلك جعلناكم أمة وسطا
لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا"
.
"البقرة:143".
فلما حل موعد الطوفان أمر الله تعالى نوحا
عليه السلام بالحمد على النجاة من الظالمين: "فإذا استويت أنت ومن معك
على الفلك، فقل: الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين، وقل رب أنزلني منزلا
مباركا وأنت خير المنزلين"
"المؤمنون: 28-29".
فامتثل نوح عليه السلام هذه الوصية، فقال:
"اركبوا فيها بسم الله
مجراها و مرساها، إن ربي لغفور رحيم"
"هود
عليه السلام 41"
2-1-3 -1: قوم عاد
أرسل الله تعالى إلى عاد أخاهم هودا، قال:
"يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، أفلا تتقون ؟ قال الملأ الذين كفروا
من قومه: إنا لنراك في سفاهة وإنا لنضنك من الكاذبين. قال: يا قوم ليس بي سفاهة
ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين. أو عجبتم أن
جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ؟ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح،
وزادكم في الخلق بسطة، فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون. قالوا: أجئتنا لنعبد الله
وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا ؟ فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين. قال: قد وقع
عليكم من ربكم رجس وغضب، أتجاد لونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، ما نزل الله
بها من سلطان، فانتظروا إني معكم من المنتظرين. فأنجيناه والذين معه برحمة منا
وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين"
"الأعراف:45-72".
كان عاد عربا يسكنون في اليمن بأرض مطلة على
البحر. وفي صحيح ابن حبان: عن أبي ذر رضي الله عنه، في حديثه الطويل الذي ذكر فيه
الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة و السلام قال فيه: "منهم أربعة من
العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر". وقال الله عز وجل: "واذكر
أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف". "الأحقاف:21"
فقوم عاد هم أول من عبد الأصنام بعد كارثة
الطوفان، بعث الله فيهم هودا عليه السلام، فدعاهم إلى الله لكنهم اتبعوا أمر كل
جبار عنيد.
"وقال الملأ من قومه الذين كفروا
وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا: ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما
تأكلون منه ويشرب مما تشربون، ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون، أيعدكم
أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون! هيهات هيهات لما توعدون، إن هي إلا
حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين، إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا
وما نحن له بمؤمنين. قال: رب انصرني بما كذبون، قال: عما قليل ليصبحن نادمين.
فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء، فبعدا للقوم
الظالمين".
"المؤمنون:
33-41".
و قال تعالى: "فأما عاد فاستكبروا في
الأرض بغير الحق، وقالوا: من أشد منا قوة ؟ أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد
منهم قوة، وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم
عذاب أخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخرى وهم لا ينصرون" "فصلت:15-16"
كان قوم عاد جفاة، عتاة، كافرين، يعبدون
الأصنام، فلما دعاهم هود عليه السلام إلى عبادة الله وحده والإخلاص له، كذبوه
وقالوا له فيما قالوا: "يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك
وما نحن لك بمؤمنين. إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء" فقال لهم هود عليه
السلام: "إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن
ربي على صراط مستقيم". فلما حان أجل هلاكهم أرسل الله عز وجل عليهم الريح
العقيم: " سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما. فترى القوم فيها صرعى
كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية"
"الحاقة:
7-8".
كما قال الحق تبارك وتعالى: "وفي عاد
إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم".
"الذاريات:41-42".
وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله
عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد
بالدّ
بور".
"الشيخان".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "ما فتح الله على عاد من الريح التي هلكوا بها إلا
مثل موضع الخاتم، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم فجعلتهم بين السماء
والأرض، فلما رأى أهل الحاضرة من عاد، الريح وما فيها قالوا: هذا عارض ممطرنا،
فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة".
"رواه
ابن أبي حاتم".
فبادوا عن آخرهم ولم يجعل الله لهم خلفا
" فهل ترى لهم من باقية ؟ ". وكانت نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالريح في غزوة الأحزاب.
- 3- 1 -3 -1 قـوم ثمود:
"وإلى ثمود أخاهم صالح، قال: يا
قوم، اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، قد جاءتكم بينة من ربكم: هذه ناقة الله لكم
آية، فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم. واذكروا إذ
جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال
بيوتا، فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين. قال الملأ الذين استكبروا من
قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم: أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه ؟ قالوا: إنا بما
أرسل به مؤمنون. قال الذين استكبروا: إنا بالذي آمنتم به كافرون. فعقروا الناقة
وعتوا عن أمر ربهم وقالوا: يا صالح، ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين! فأخذتهم
الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين. فتولى عنهم، وقال: يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي،
ونصحت لكم، ولكن لا تحبون الناصحين".
"الأعراف: 73-79".
سميت ثمود باسم جدها ثمود بن عامر بن أرم بن
سام. وكانت مساكنهم بالحجر بين الحجاز والشام. وقال مدرس التاريخ بجامعة القاهرة
الشيخ عبد الوهاب النجار في كتابه: "قصص الأنبياء": إن مدائن صالح بقيت
ظاهرة إلى عهده في أوائل القرن العشرين، وقد زارها بعض أصحابه، ودخلوا بيت الملك
الذي يتألف من حجرات وردهة كبيرة ، وهو منقور في الصخر، ويعرف المكان الذي فيه
ديارهم ب: "فج الناقة"، وقال أيضا: كانت ثمود وبادت قبل زمن موسى. كان
قوم ثمود يعبدون الأصنام، وكانوا أهل خصب و ماشية كثيرة، وجنات ذات عيون جارية.
فبينما كانوا عاكفين على عبادة باطلة، أرسل الله إليهم صالحا نذيرا وبشيرا، فآمن
له المستضعفون من ثمود وكفر الملأ منهم فلما ألح عليهم صالح عليه السلام في ضرورة
اتباع الحق وترك الباطل قال جبابرة ثمود لأتباع صالح: أتعلمون أن صالحا مرسل من
ربه ؟ فقال الذين عرفوا الحق: إنا بما أرسل به مؤمنون". فقال الذين استكبروا
من ثمود: إنا بالذي آمنتم به كافرون. ثم طلبوا آية على صدقه، فأتاهم بالناقة وقال
لهم: "لها شرب ولكم شرب يوم معلوم".وأمر صالح قومه ألا يمسوا الناقة
بسوء وأن يتركوها تأكل في أرض الله. فكانت الناقة تعرف يوم شربها فلا تقرب الماء
في يوم شرب ثمود، كما قال تعالى: "ونبئهم أن الماء قسمة بينهم، كل شرب
محتضر". ومضمون آيات القرآن الكريم الواردة في شأن الناقة يمنع القوم أن
يتعرض أحد منهم بسوء لها في نفسها أو في أكلها أو في شربها من الماء الذي
كان قسمة بينهم وبينها. فاستكبر الملأ من ثمود عن طاعة صالح، وعقروا الناقة،
فأنذرهم نبي الله أن العذاب يحل بهم بعد ثلاث لما انتهكوا من حرمة الله وأنذرهم
بأنهم يصبحون وجوههم مصفرة، وفي اليوم الثاني تكون وجوههم محمرة، وفي اليوم الثالث
تكون وجوههم مسودة ثم يصبحهم العذاب. فدمرت ثمود بما عبر الله عنها تارة بالرجفة،
وتارة بالطاغية، وتارة بالصيحة، وتارة بالصاعقة، فما استطاعوا من قيام وما كانوا
منتصرين. كما قال الله عز وجل: "فانظر كيف كان عاقبة مكرهم، إنا دمرناهم
وقومهم أجمعين". ونجا صالح والذين آمنوا به مما نزل بثمود من العذاب الأليم
بعد مقتل الناقة بثلاثة أيام.
قال الحق تبارك وتعالى: "وإلى ثمود
أخاهم صالحا قال: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، هو أنشأكم من الأرض
واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب. قالوا: يا صالح: قد كنت
فينا مرجوا قبل هذا، أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟ و إننا لفي شك مما تدعونا
إليه مريب ! قال: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة، فمن
ينصرني من الله إن عصيته ؟ فما تزيدونني غير تخسير. ويا قوم هذه ناقة الله، لكم
آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب. فعقروها، فقال:
تمتعوا في دياركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب. فلما جاء أمرنا نجينا صالحا
والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ، إن ربك هو القوي العزيز. وأخذ الذين
ظلموا الصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها، ألا إن ثمودا كفروا
ربهم، ألا بعدا لثمود".
"هود
عليه السلام: 61-68".
4-1-3 -1 -
قوم لوط:
كان عاد وثمود من أقوام العرب الذين ابتكروا
أنماطا عديدة من الكفر والشرك ، وأوجبت عليهما عذاب الله الغليظ، ونتكلم الآن عن
قوم لوط وما تركوه من الرذائل التي دنّست وما زالت تدنّس كثيرا من البشر إلى عهدنا
هذا. فلوط عليه السلام هو ابن هاران ابن آزر، وهو كذلك ابن أخي إبراهيم الخليل
عليه السلام، إذ أن إبراهيم وهاران وناحورهم اخوة من صلب آزر المذكور في القرآن
العظيم. نزل لوط بمدينة "سدوم" وكان أهلها من أفجر الناس وأكفرهم
وأسوئهم أخلاقا وأخبثهم سريرة وسلوكا. يقطعون السبيل، ويأتون في ناديهم المنكر،
ولا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون. وهم أول من ابتدع فاحشة:"
إتيان الذكران" من العالمين وتركوا ما خلق الله تعالى من النسوان، فمهدوا
بذلك لداء فقدان المناعة الذي استفحل أمره في أروبا وأمركا وآسيا وإفريقيا وصار من
أشد الأوبئة فتكا وضراوة في عصر الدعارة والفساد. قال الحق تبارك وتعالى:
"ولوطا إذ قال لقومه: أتأتون الفاحشة، ما سبقكم بها من أحد من العالمين ؟
إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم مسرفون. وما كان جواب قومه
إلا أن قالوا: أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون. فأنجيناه وأهله إلا امرأته
كانت من الغابرين. وأمطرنا عليهم مطرا، فانظر كيف كان عاقبة
المجرمين"
"الأعراف:
80-84".
وقال تعالى: "ولما جاءت رسلنا لوطا سيء
بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب. وجاء قومه يهرعون إليه، ومن قبل كانوا
يعملون السيئات. قال: يا قوم، هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، فاتقوا الله ولا تخزون في
ضيفي، أليس منكم رجل رشيد ؟ قالوا: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما
نريد قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد. قالوا: يا لوط، إنا رسل ربك لن
يصلوا إليك فاسر بأهلك بقطع من الليل، ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك،إنه مصيبها
ما أصابهم، إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب. فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها
وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين
ببعيد"
"هود
عليه السلام:77-83".
وقال الله عز وجل: "لعمرك إنهم
لفي سكرتهم يعمهون، فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم
حجارة من
سجيل".
"الحجر:
72-74"
كما قال تعالى: "ولوطا إذ قال
لقومه: أتأتون الفاحشة، و أنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون
النساء، بل أنتم قوم تجهلون. فما كان جواب قومه إلا أن قالوا: أخرجوا آل لوط من
قريتكم إنهم أناس يتطهرون. فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين. وأمطرنا
عليهم مطرا فساء مطر المنذرين".
"النمل:
54-58".
وملخص القصة ، أنهم لما دعاهم نبي الله لوط
عليه السلام إلى توحيد الله، ونهاهم عن تعاطي الفواحش لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا
به، وهمّوا بإخراج رسولهم من مدينتهم فقالوا: "أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم
أناس يتطهرون". فكان الطهر جريمة في أنظار المجرمين. والملائكة الكرام الذين
أرسلهم الله تعالى للفتك بقوم لوط هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام،
أقبلوا إلى مدينة "سدوم" على صور شبان يتمتعون بقسط وافر من الحسن
والجمال، إقامة من الله تعالى للحجة على قوم لوط، فنزلوا ضيوفا عند لوط عليه
السلام، عند غروب الشمس، فحسبهم من البشر "وسيء بهم وضاق بهم ذرعا، وقال: هذا
يوم عصيب".أي شديد البلاء، لما يجب عليه بذله للدفاع عن ضيفه من قومه، وكانوا
قد اشترطوا عليه ألا يضيف أحدا، حتى لا يحرموا من تعاطي فحشائهم وجرائمهم. فذكر
المفسرون أن نبي الله لوطا عليه السلام مانع قومه الدخول ودافعهم والباب مغلق، وهم
يحاولون بقوة خلع الباب وولوج الدار، فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال: " لو أن
لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد"، لأحللت بكم النكال، فقالت الملائكة:
"يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك". وذكر المفسرون أن جبرائيل عليه
السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة من جناحه فطمست أعينهم، فرجعوا يتحسسون مع
الحيطان ويتوعدون لوطا عليه السلام. وبشر الملائكة لوطا بهلاك القوم:" إن موعدهم
الصبح، أليس الصبح بقريب"؟
5-1-3-1: قوم شعيب:
بعد أن أخبرنا الله تعالى عن أقوام نوح وهود
وصالح ولوط في سورة الأعراف، قال عز وجل: "وإلى مدين أخاهم شعيبا، قال: يا
قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، قد جاءتكم بينة من ربكم، فأوفوا الكيل
والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ذلكم خير لكم
إن كنتم مؤمنين. ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به
وتبغونها عوجا، واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين. وإن
كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا، فاصبروا حتى يحكم
الله بيننا و هو خير الحاكمين. قال الملأ الذين استكبروا من قومه: لنخرجنك يا شعيب
والذي آمنوا معك من قريتنا، أو لتعودون في ملنتا. قال: أو لو كنا كارهين ؟ قد
افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتنا بعد إذ نجانا الله منها، وما يكون لنا أن
نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا. وسع ربنا كل شيء علما، على الله توكلنا، ربنا
افتح بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الفاتحين. وقال الملأ الذين كفروا من قومه:
لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون. فأخذتهم الرجفة، فأصبحوا في دارهم جاثمين
الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها، الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين. فتولى
عنهم وقال: يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم، فكيف آسى على قوم كافرين
"
"الأعراف:
93-85.
"
وقال الحق تبارك وتعالى بعد قصة قوم لوط في
سورة هود: " وإلى مدين أخاهم شعيبا، قال: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله
غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان،إني أراكم بخير، وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط.
ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في
الأرض مفسدين، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين، وما أنا عليكم بحفيظ. قالوا: يا
شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء، إنك
لأنت الحليم الرشيد ! قال: يا قوم، أرأيتم إن كنت على بينة من ربي
ورزقني منه رزقا حسنا، وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، إن أريد إلا
الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، يا قوم لا يجر
منكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح، أو قوم هود، أو قوم صالح، وما قوم لوط
منكم ببعيد، واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود. قالوا: يا
شعيب، ما نفقه كثيرا مما تقول، وإنا لنراك فينا ضعيفا، ولولا رهطك لرجمناك وما أنت
علينا بعزيز. قال: يا قوم، أرهطي أعز عليكم من الله، واتخذتموه وراءكم ظهريا، إن
ربي بما تعملون محيط. ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه
عذاب يخزيه ومن هو كاذب. وارتقبوا إني معكم رقيب. ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا و
الذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين،
كأن لم يغنوا فيها، ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود".
"هود
عليه السلام: 84-95".
كان أهل مدين عربا يسكنون "مدين"
في حدود الشام مع الحجاز، قريبا من بحيرة قوم لوط، وهم من بني مدين بن مديان بن
إبراهيم عليه السلام وكانوا كفارا يقطعون السبيل وينهبون المسافرين، ويعبدون
الأيكة، وهي شجرة من الأيك، ويسيئون معاملة الناس، ويبخسون المكيال والميزان،
يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص فبعث الله فيهم شعيبا يدعوهم إلى عبادة الله وحده
وينهاهم عن بخس الناس أشياءهم وترويعهم في أسفارهم ونهاهم عن الظلم وحثّهم على العدل
كي لا يمحق الله بركة ما في أيديهم من الأموال والأنعام والأرزاق، وأن القليل من
الحلال خير من الكثير من الحرام، فإن الحلال مبارك وإن قل، والحرام ممحوق
وإن كثر، " يمحق الله الربا ويربي الصدقات". كما قال سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم:
"البيعّان بالخيار ما لم يتفرقا،
فإن صدقا وبينّا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما".
"رواه البخاري"
ولهذا قال شعيب لقومه: "بقية الله خير
لكم إن كنتم مؤمنين"أدى نبي الله شعيب عليه السلام ما كان واجبا عليه من
البلاغ والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلما أهلكوا، لم يتأسف على
هلاكهم لأنهم رفضوا النصيحة ولم يخشوا يوم الفضيحة فعلى خطيب الأنبياء، ثالث
أنبياء العرب، شعيب صلاة الله وسلامه.
6-1-3 -1 : قوم فرعون:
محطة المفسدين السادسة هي مصر القديمة، مصر
الفراعنة: قال الحق تبارك وتعالى في سورة الأعراف بعد أن قص أخبار أقوام: نوح،
وهود، وصالح ولوط، وشعيب: " وقال موسى: يا فرعون إني رسول من رب
العالمين حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق، قد جئتكم ببينة من ربكم،
فأرسل معي بني إسرائيل. قال: إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين. فألقى
عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين. قال الملأ من
قوم فرعون: إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون ؟
قالوا : أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين، يأتوك بكل ساحر عليم. وجاء
السحرة فرعون، قالوا: إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين. قال: نعم وإنكم لمن
المقربين. قالوا: يا موسى، إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ! قال:
ألقوا. فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم. وأوحينا إلى
موسى: أن ألق عصاك، فإذا هي تلقف ما يأفكون. فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون.
فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وألقي السحرة ساجدين. قالوا: آمنا برب العالمين، رب
موسى وهارون. قال فرعون: ءآمنتم به قبل أن آذن لكم، إن هذا لمكر مكرتموه في
المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون، لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف، ثم
لأصلبنكم أجمعين. قالوا: إنا إلى ربنا منقلبون، وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات
ربنا لما جاءتنا، ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين. وقال الملأ من قوم فرعون:
أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك ؟ قال: سنقتل أبناءهم و نستحيي
نساءهم، وإنا فوقهم قاهرين.قال موسى لقومه: استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله
يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين. قالوا: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن
بعد ما جئتنا. قال: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون.
ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون. فإذا جاءتهم الحسنة
قالوا: لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه. ألا إنما طائرهم عند الله
ولكن أكثرهم لا يعلمون. وقالوا: مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك
بمؤمنين. فأرسلنا عليهم: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم آيات مفصلات،
فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين. ولما وقع عليهم الرجز قالوا: يا موسى، ادع لنا ربك
بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل. فلما كشفنا
عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه، إذا هم ينكثون. فانتقمنا منهم، فأغرقناهم في اليم
بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين. وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون
مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها. وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما
صبروا، ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون".
"الأعراف: 104 - 137".
وسأتمّم الكلام عن الفراعنة –إن شاء الله
تعالى- في بحث لاحق. و كلامنا عن المفسدين في الأرض لن يشفي العليل ولن يروي
الغليل إن لم نزح الأستار عن جرائم اليهود قديما مع الأنبياء وحديثا مع
الفلسطينيين. واليهود هم الذين استأثروا بنصيب الأسد في تكذيب الأنبياء وتحريف
الرسائل والكيد للشعوب، وهم الذين أشاعوا الفساد بين الأمم ونهبوا خزائن الأرض.
فمن أين أبدأ الكلام عن أعداء الله وأعداء جبرائيل و محمد صلى الله عليهما وسلم
ولنستمع إلى ما قصه القرآن العظيم عن المغضوب عليهم من بني إسرائيل. فمباشرة بعد
أن عبر بهم نبي الله موسى البحر الأحمر وخلصهم من بطش الفراعنة طلبوا منه أن يصنع
لهم إلها صنما من الذهب يعبدونه ويقدمون له القرابين.
7-1-3 -1قوم موسى:
قال الحق تبارك وتعالى: "وجاوزنا ببني
إسرائيل البحر،فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا: يا موسى اجعل لنا إلها كما
لهم آلهة. قال: إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبر ما هم فيه و باطل ما كانوا يعملون.
قال: أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين ؟ وإذ أنجيناكم من آل فرعون
يسومونكم سوء العذاب، يقتلون أبناءكم و يستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم
عظيم. وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر، فتم ميقات ربه أربعين ليلة. و قال
موسى لأخيه هارون: اخلفني في قومي، وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. ولما جاء موسى
لميقاتنا وكلمه ربه، قال: رب أرني أنظر إليك. قال: لن تراني، ولكن انظر إلى الجبل،
فإن استقر مكانه فسوف تراني. فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا. فلما
أفاق، قال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين. قال: يا موسى إني اصطفيتك على
الناس برسالتي وبكلامي، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. وكتبنا له في الألواح من كل
شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء. فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها
سأوريكم دار الفاسقين. سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق، وإن يروا
كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن يروا سبيل الغي
يتخذونه سبيلا، ذلك لأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين. والذين كذبوا بآياتنا
ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون. و اتخذ قوم موسى من بعده
من حليهم عجلا جسدا له خوار، ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، اتخذوه
وكانوا ظالمين. ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا، قالوا: لئن لم يرحمنا ربنا
ويغفر لنا، لنكو نن من الخاسرين. ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا، قال: بئسما
خلفتموني من بعدي، أعجلتم أمر ربكم ؟ وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه.
قال: ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني
مع القوم الظالمين. قال: رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك، وأنت أرحم الراحمين.
إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي
المفترين. والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور
رحيم. ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم
يرهبون. واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا، فلما أخذتهم الرجفة قال: رب لو شئت
أهلكتهم من قبل وإياي، أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ؟ إن هي إلا فتنتك تضل بها من
تشاء، وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. واكتب لنا في
هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة، إنا هدنا إليك قال: عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي
وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين
يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم
بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم
إصرهم والأغلال التي كانت عليهم. فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور
الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. قل يا أيها الناس: إني رسول الله إليكم جميعا،
الذي له ملك السماوات والأرض، لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي
الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته، واتبعوه لعلكم تهتدون. ومن قوم موسى أمة يهدون
بالحق وبه يعدلون. وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما. وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه
قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم،
وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما
ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. وإذ قيل لهم: اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث
شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم، سنزيد المحسنين. فبدل
الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم، فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا
يظلمون. واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر، إذ يعدون في السبت، إذ تأتيهم
حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم. كذلك نبلوهم بما كانوا
يفسقون" "الأعراف:
138-163".
في هذه الفقرة أرتكز على ابحاث شيوخ الإسلام
و على مفكرين عباقرة وأدلي أثناء ذلك بما شاهدت من تلاعب الشيطان بالأمة الغضبية.
قال الشيخ الجليل السمو أل بن يحي المغربي –وهو عالم يهودي هداه الله
للاسلام من علماء القرن السادس هجري:
قال الله في حق اليهود: "بئس ما اشتروا
به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من
عباده، فباءوا بغضب على غضب".
"البقرة:
90".
وقال تعالى: "قل: هل أنبئكم بشر من ذلك
مثوبة عند الله: من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت،
أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل، وإذا جاءوكم قالوا آمنا، وقد دخلوا بالكفر
وهم قد خرجوا به، والله أعلم بما كانوا يكتمون، وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم
والعدوان وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يعملون، لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن
قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا
يصنعون".
"المائدة:60-63".
وقد أمرنا الله سبحانه أن نسأله في صلواتنا
أن يهدينا صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون".
"رواه أحمد والترمذي".
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire