Pages

dimanche 14 avril 2013

1-3-2 : عفاريت الإنس


عفاريت الإنس :  1-3-2

إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم. و من الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون".                                                                                                             "البقرة: 6-9".                                                                                                         
الفصل الأول: شياطين الصلبان 1-3-2-1
"يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض. و من يتولهم منكم فانه منهم. ان الله لا يهدي القوم الظالمين".                                                                                                     »المائدة: «9  -  6 
في هذه الفقرة من البداية والنهاية سأكشف بعون الله تعالى عن جريمة، هي من أفظع وأعنف الجرائم التي اقترفها النصارى في حق الإنس جميعا، تسترت عليها كتب التاريخ المدرس، ووارى أحداثها الأليمة شياطين الفكر والحكم، أخرج تفاصيلها من رفوف المكتبات العتيقة أديب جزائري متخصص في دراسة الحضارة الأندلسية، مطلع على جميع المآسي والفواجع العنيفة التي روعت الأجيال الأخيرة من مسلمي الأندلس الشهيدة. عن كتاب: " الموريسكيون ومحاكم التفتيش في الأندلس" للدكتور الجزائري عبد الله حمادي، الخبير في الآداب الأندلسية والإسبانية والإفريقية أنقل بإيجاز وتصرف الحقائق التاريخية المأساوية التالية التي تبرهن بصفة قطعية عن ضخامة حقد النصارى على رسول الله سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- وعن شدة كرههم للمسلمين جميعا، وعن عمق عداوتهم لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، في كل زمان وبكل مكان من كوكب الأرض. فأعطي بذلك الدليل للمغفلين من أمة الإسلام على أن تأسيس الصليبيين لدولة اليهود في فلسطين المغتصبة سنة 1948 لم يكن وليد الصدفة أو نتيجة للحرب العالمية الثانية، أو إنقاذا للأمة اليهودية المشتتة من الإبادة الجماعية التي نسبوها لأدولف هتلر. وإنما أسست دولة اليهود بطلب ملح من كهنوت الكنائس :أولا للتخلص من اليهود و حشرهم في "قيتو عالمي موحد" وثانيا لتمزيق أوصال الأمة الإسلامية وتشتيت شعوبها وتبديد قواها في حروب مرهقة تشنها الدولة اليهودية وتمولها الدول النصرانية حتى ينصرف المسلمون عن الجهاد في سبيل الله، وكي يطول ويتجذر استعباد الكنيسة لأمة الإسلام فيسهل عليها تنصيرها واسترداد المواقع التي فتحتها سيوف الله المسلولة. بيد أني أعترف مسبقا عن عجز القلم واللسان والعقل – مهما اكتسبوا من البلاغة والفصاحة والغزارة عن إعطاء صورة متكاملة ووصف شامل للمعاناة الفظيعة والمأساة الدامية التين سلطهما أتباع الكنائس- على اختلاف طوائفها- على مسلمي غرناطة، وقرطبة، وقشتالة، وبلنسة، وحمص، ابتداء من سنة 1492م وانتهاء بسنة  1616م. قال الدكتور في كتابه الذي ذكرته آنفا –بأسلوب أدبي معتدل وهادئ:" … لقد أصيبت طائفة الموريسكيين بالذهول، أمام الواقع الجديد، … وهي عبارة عن بقايا شتات لثمانية قرون من الاندماج الكلي … ، إنهم حصيلة عصور طويلة أوجدتهم هناك. فأصبح شعورهم بالمواطنة تجاه الأرض أكثر من شعورهم بأي انتماء آخر. ولذا فإن محاولة إبعادهم منها تعني ببساطة محاولة اجتثاث لجذورهم من تربة واقع أوجدهم، … كما تعني محاولة إبادة، لأنه لا خيار أمامهم سوى التشبث بما ورثوه، وما بناه سالفهم وعاقبهم، … ،هناك أيضا من المفارقات الواضحة بين الفاتحين المسلمين للأندلس والإسترداديين من النصارى الإسبان ما يعتبر نقاطا جوهرية من حيث المضمون الفعلي المسجل على أرض الواقع …،فالمسلون بفضل التسامح استطاعوا التغلغل في قلوب من بقوا على دينهم من اليهود والنصارى، ممن فضلوا العيش في كنف المجتمع الإسلامي الأندلسي: يؤدون ما عليهم من واجبات ويجنون ما يستحقون في ظل عدالة اجتماعية إسلامية …، وكان من الممكن للمسلمين الفاتحين لما انتصروا على النصارى في إسبانيا إحلال العنف والقهر محل التسامح، نظرا لقوتهم وغلبتهم.وفي اعتقادي أن عقدة الضعف الكبرى التي جعلت النصارى يكرهون محمداصلى الله عليه وسلم- والمسلمين جميعا هي انكشاف زورهم وبهتانهم وتأليههم عيسى وتحريفهم للإنجيل. فلقد بين القرآن العظيم بطلان مزاعمهم وأكاذيبهم في سور كثيرة سنذكرها عندما سنتكلم –إن شاء الله تعالى عن المسيح. كما اعترف الكثير من علماء الديانة المسيحية بأن الأناجيل المتداولة بين النصارى هي موضوعة بعد وفاة المسيح عيسى بن مريم، ولا علاقة لها بالوحي الإلهي المبين. في هذا المعنى يقول أحد كبار أساقفة النصارى" Kannenguesser "من علماء بيت المقدس من فلسطين المغتصبة:
« … Il ne faut plus prendre au pied de la lettre les faits rapportés au sujet de Jésus par les Evangiles, «écrit de circonstances » ou de «combat » dont les auteurs «consignent par écrit les traditions de leurs communautés sur Jésus ».
ويقول المفكر الفرنسي « Maurice Bucaille »  :
«…Ni Mathieu, ni Jean ne parlent de l’ascension de Jésus . Luc la situe le jour de la résurrection dans son Evangile et quarante jours plus tard dans les actes des Apôtres dont il serait l'auteur.
Quand a Marc, il la mentionne (sans préciser la date) dans un final actuellement considéré comme non authentique …
L’ascension n’a donc aucune base scriptuaire solide
Les commentateurs abordent cependant cette importante question avec une incroyable légèreté…. »
أما ذو الجلال والإكرام – عز وجل – فقد بين في الذكر الحكيم :
"و إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟قال : سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس  لي بحق .إن كنت قلته فقد علمته، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ، إنك أنت علام الغيوب .ما قلت لهم إلا ما أمرتني به : أن أعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد . إن تعذبهم فإنهم عبادك، و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم "                                                   " المائدة: 116-118
فدل هذا القرآن على أن الله –تعالى- قد توفى عيسى ابن مريم كما يتوفى كل يوم عددا مقدرا عنده في اللوح المحفوظ- من معشر الإنس. وإنما الصعود والرفع وقعا للروح فقط في انتظار يوم البعث، والله –تعالى- أدرى وأعلم بشؤون خلقه. أما عن عدم صحة الأناجيل فقد أكد « Maurice Bucaille »حرفيا:
«… De 70 à une période que l’on situe avant 110 vont être produits les Evangiles de Marc, Mathieu, Luc, et Jean. Ils ne constituent pas les premiers documents chrétiens fixés :
les apôtres de Paul leur sont bien antérieurs … »
« Selon O. Culman, Paul aurait rédigé en 50 son épître aux Thessaloniciens. Mais il avait disparu sans doute depuis quelques années lorsque l’Evangile de Marc fut achevé … »
«  …Les Evangiles forment un tout plus, d’un siècle après la fin de la mission de Jésus et non pas de très bonne heure … »
«  …La traduction œcuménique de la bible évalue aux alentours de 170 la date à laquelle les quatres Evangiles ont acquis le statut de littérature canonique … »
  أما ضلال وظلم وشرك السلطة الباباوية العليا فيبرز جليا من القرار الصادر عن مجامع الكنائس في مداولاتها بين 1962 و 1965 الذي أنقل منه ما يلي –وأعوذ بالله تعالى- من كفرهم وشركهم:
« …Notre sainte mère l’Eglise a tenu et tient finalement et avec la plus grande constance, que ces quatre  Evangiles dont elle affirme sans hésiter l’historicité, transmettent fidèlement ce que Jésus le fils de dieu (وأستغفر الله من كذبهم ) durant sa vie parmi les hommes a réellement fait et enseigné pour leur salut éternel, jusqu’au où il fut enlevé au ciel… ».   
فكذب هؤلاء المشركون ودليل كذبهم هو قول الله تعالى من سورة الإخلاص: "قل هو الله أحد، الله الصمد،لم يلد ولم يولد ".
« … Les auteurs sacrés (Marc, Mathieu, Luc, Jean) composent donc les quatre Evangiles de manière à nous livrer toujours sur Jésus des choses vraies et sincères ».
توسعت عن قصد في الكشف عن ضلال الصليبيين وشركهم كي لا نتعجب مما سأذكره إن شاء الله تعالى- من شدة بطشهم وقسوة تسلطهم على المسلمين. فالنصارى الذين استردوا الأندلس وفتكوا بالمسلمين فتكا فظيعا وأبادوهم أفرادا وجماعات، لا يتصفون بشيء من القيم الخالدة التي سادات الأندلس في العهد الإسلامي. فقبل تشريد الأندلسيين سنّ شياطين الصليب تشاريع ظالمة وقوانين جائرة بالاتفاق مع ملوك البطش والعنف وبقيادة "فرسان الصليب المقدس". فرضوا الرقابة المستمرة من حول المسلمين وحاولوا تنصيرهم وإدماجهم قهرا باستعمال كل أساليب التعذيب والإرهاب والاضطهاد والإهانة من تجويع وحرق واستبداد واستعباد ودوس للأعراض وتعد على المحارم والحرمات، وتدنيس للمقدسات. واستمرت هذه الحملة الضارية الفظيعة ضد ما تبقى من مسلمي الأندلس أكثر من 120 سنة، وبالتدقيق من سنة 1492م إلى سنة 1616م. فإذا حولنا أنظارنا- في ذلك الزمان بالذات- إلى البلاد الإسلامية الأخرى، نلاحظ أن الجيوش البريطانية قد بدأت هي الأخرى هجومها العنيف على الشعوب الإسلامية المتاخمة للمحيط الهندي، و أن الجيوش القيصرية الروسية هاجمت البلاد الاسلامية  في أسيا و سيبيريا في أ قاسي الأرض و ضمها الى روسيا و من أغرب الغرائب أن الروس الذين فككوا الامبراطورية الشيوعية قد فرضوا على الشعوب الاسلامية التي ترزخ تحت سيطرتهم : رؤساء شيوعيين و معلوم بالضرورة أنهم فعلوا ذلك ليس حبا في الشيوعية (فقد مزقوها كل ممزق  ولكن للتصدي للعقيدة الاسلامية وضعافها في بلاد كانت معدنا من معادن عمالقة البشرية في شتى ميادين العلم و المعرفة).  وأن الجيوش البرتغالية قد فتكت بعد بالسواحل الإفريقية الغربية والجنوبية المتاخمة للمحيط الأطلسي، واختطفت أكثر من 60 مليون إفريقي مسلم، ثم باعتهم إلى شياطين البطش والتوحش الذين تهافتوا على نهب خزائن الذهب الجديدة التي اكتشفوها قي القارة الجديدة: قارة الشياطين. وأثبتت المدونات النادرة التي أمكن الإطلاع عليها أن محاكم التفتيش النصرانية التي انتصبت في الأندلس قد عاثت فسادا، فمنعت التحدث بالعربية لأنها أولا لغة القرآن العظيم، ولأنها ثانيا هي التي تقوي في الإنسان القيم البشرية الرفيعة من علو الهمة وحسن الأخلاق، وثبات على الحق، وتصد للباطل، وهي أيضا لغة القوة والشجاعة والحرية والعدل والتوحيد. كما حجروا على المسلمين ارتداء ملابسهم الأندلسية، وصدوهم عن امتلاك، أو الذهاب إلى الحمامات، ومنعوهم من إقامة الأعياد والاحتفال بالأفراح، وفرضوا عليهم إبقاء المنازل مفتوحة بالليل والنهار، كي يتمكنوا من تفتيشها ونهبها والاعتداء على الحرمات. و منعوهم من إقامة الصلوات التي فرضها الله تعالى على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. و منعوهم من حمل أسمائهم العربية وفرضوا عليهم أسماء نصرانية، وكانوا قد حملوها كابر عن كابر مدة طويلة. غير أن تلك القوانين الجائرة والإجراءات الظالمة قد فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أهدافها. مما أجبر شياطين النصارى على المرور إلى درجات "سلم ريشتر" العنيفة المدمرة، فزلزل المسلمون زلزالا رهيبا، من أعنف و أفظع زلازل التاريخ كله. وخيّر الأندلسيون بين أمرين لا ثالث لهما: إما الحرق، وإما نهبهم وتشريدهم إلى إفريقيا من حيث أقدم  أجداد أجدادهم، منذ ما يزيد عن ثمانية قرون. واستبد بالأندلس البطش الرهيب والظلم الفظيع والرعب الشديد والحقد اللامحدود بين بني آدم. لكن إصرار النصارى على إبادة اللغة العربية أوقع الصليبيين في صراع مباشر مع شيوخ القرآن العظيم وعلماء الأندلس وشعرائها الأبطال، مما اضطر ملك إسبانيا إلى المكيدة والغدر ضد شيوخ الإسلام. فأعطاهم مهلة 10 أعوام لترك اللغة العربية والدين الإسلامي والتقاليد العربية بصفة نهائية، والدخول في دين النصارى. فسجل التاريخ بأحرف من نور صمود المسلمين وتصديهم القوي لنصارى أروبا. فسجلت محاضر محاكم التفتيش عينات رائعة من صلابة الإيمان ورباطة الجأش وشموخ الروح وسمو العقل. تجلى كل ذلك في ثبات المجاهد الأندلسي الجليل: "ميقال موسى"، « Muguel Muza » رحمه الله رحمة واسعة. فقد أصدرت في حقه محاكم الظلم النصرانية قرارا بالإعدام حرقا عام 1573م وكان البطل فقيها جليلا وشيخا فاضلا من شيوخ الإسلام بالأندلس، لا يتحدث ولا يكتب إلا بلغة القرآن العظيم، وكان له أبناء فرض عليهم- كغيرهم من أطفال الأندلسيين- الالتحاق الإجباري بمدارس النصارى، كي يتنصروا فيها ويعبدون الصليب من دون الله ظلما وبهتانا، ويتعلموا اللغة القشتالية، فأخرج شيخنا الجليل أبناءه من تلك المدارس الصليبية وانكب على تعليمهم اللغة العربية وتحفيظهم القرآن العظيم في بيته. وكان يجتمع إليه كثير من الرجال خلسة ليتعلموا منه الدين الإسلامي الحنيف. فأدرك الصليبيون خطورة القرآن ولغته على مقصدهم الذي يرمي إلى استرداد إسبانيا وتنصيرها بتمامها وكمالها، فأصدروا قرارهم: "… إن الذين اعتنقوا المسيحية عليهم أن يتخلوا عن اللغة العربية إجباريا وفوريا حتى لا يكونوا موضع شبهات وتشكك في عقيدتهم الجديدة، فاعتبروا أن اللغة العربية تشكل حاجزا قويا أمام تنصير المسلمين (ولقد أصابوا في هذا الاعتبار) ثم تتالت قرارات القهر والظلم والاضطهاد حتى اعتبرت محاكم التفتيش ما تبقى من شيوخ الإسلام وحفظة القرآن وعلماء العربية هم الأعداء الذين يجب الفتك بهم قبل إبادة عامة المسلمين.ثم تدرجت الأوامر الملكية –نحن الآن في عهد ملوك التوحش والجبروت- نحو المزيد من العنف والإجرام والإرهاب فاعتبروا مجرد كتابة أي وثيقة بالعربية هي جريمة في حق المملكة الإسبانية والكنيسة الفاسقة حتى ولو كانت هذه الوثيقة مجرد عقد ملكية، أو زواج، أو بيع، مما سمح لشياطين الكنيسة بانتزاع كل الكتب العربية من أصحابها، حتى ولو كانت كتبا أدبية، أو فلسفية، أو علمية، مما سمح للأعاجم بتقدمهم الصناعي والفكري فيما يسمى بعصور النهضة الأروبية" La renaissance "، فنهبوا العلوم والفلسفة والأدب، فاعتمد "كوبرنيك" على عالم طليطلة إبراهيم الزرقالي في أبحاثه الفلكية، واعتمد "قاليلي" على البيروني في دراسة الحركة الكونية، واعتمد "استيفنسن" على ابن طفيل في الفلسفة،   فقصة  Robinson crusoé  هي ترجمة حرفية لقصة يحيى بن يقظان، واعتمد "ديكارت" على الكندي في المنطق، واعتمد "موليار" على الجاحظ في المسرح الهزلي، واعتمد "لافنتين" على ابن المقفع في الحيوانات، واعتمد "كولومبس" على خرائط الشريف الإدريسي وكتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" في رحلته نحو أمريكا، واعتمد "درون" على ابن خلدون في النشوء والارتقاء، غير أن ابن خلدون لم يزعم ما زعمه "دارون" من أن أصل الإنسان قرد واختلس عالم الرياضيات الإيطالي « Fermat » المعادلة:
an + bn = cn  التي لا تتحقق إلا إذا كان:      ، ولكنه لم يفهم دليلها، فبقيت إلى يومنا هذا بدون دليل، لأن محاكم التفتيش أحرقت المخطوطات العربية في السبعيناث من القرن العشرين المسيحي، أقيم متحف للفلكي البولوني كو برنيك مؤسس علم الفلك فوجدوا من بين المراجع الثي اعتمدها في تأسيس نظريته مخطوطا لفلكي عربي يدعى  : ابن الشاطر، أسس فيها قبل كوبرثيك بمائة و خمسين عاما نظرية دوران و الكواكب في المنظومة الشمسية حول الشمس والقائمة طويلة وعريضة. وأحسن دليل على ذلك هو وفود المسيحيين من رجال الدين وغير رجال الدين من جميع أنحاء أوروبا المسيحية إلى قرطبة، أو طليطلة، أو إشبيلية، طلبا للعلم، وقد شكا أحد المسيحيين من نتيجة هذا الإغراء والانبهار بالعلوم الإسلامية فقال: "وا حسرتاه ! إن الشبان المسيحيين الذين اشتهروا بمواهبهم العقلية لا يعرفون علما ولا أدبا ولا لغة غير علوم العرب و آدابهم ولغتهم. فهم يقبلون في نهم على دراسة كتب العرب ويملؤون بها مكتباتهم وينفقون في سبيل جمعها أموالا طائلة، وهم أينما كانوا يتغنون بمدح علوم العرب". غير أننا في سنة 2000م لا يصح هذا القول إلا إذا وضعنا في مكان المسيحيين: المسلمين وأضفنا نقطة فوق حرف العين فتصير غينا في كلمة العرب. وفي مكان قرطبة واشنطن وأوروبا. ولو استيقظ الأندلسيون من مرقدهم البرزخي لاستنكروا إسلامنا وعروبتنا و اعتقدونا من الأعاجم. لأن المسلمين في عهدهم كانوا هم السادة وكان الأعاجم هم المستضعفين ومن القوانين التي أفرزتها الأزمنة الغابرة هي أن العنف يولد العنف. فاحتقر شيوخ الأندلس محاكم التفتيش، فاستشهدوا في سبيل الله تعالى، وتمسكوا بعقيدة الإسلام وتكلموا بالعربية، وحافظوا على تقاليدهم الإسلامية، وتفاخروا بإثبات التهمة من حولهم، فأرغموا محاكم النصارى على إصدار أمر الحرق في حقهم طلبا للشهادة وإيمانا راسخا بقول الله تعالى من سورة  آل عمران: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون".                                                                                                   " 169 : "
فما أن تقدم لهم التهمة للمصادقة عليها في ساحة الحرق، حتى يتلقفونها ويمضون عليها بلغة القرآن العظيم، ثم يهتفون في وجوه النصارى وحشود الرهبان وعامة الناس بمفتاح الجنة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله". فيزيد ذلك من حقد النصارى وغضبهم وبغضهم ويسارعون بإلقاء المسلمين أحياء وسط النيران المستعرة، فكانت محارقا أبشع وأفظع وأشد وطأة من محارق الألمان التي أحرقوا فيها جثث الموتى في الحرب العالمية الثانية خشية انتشار الأوبئة والجراثيم الخبيثة، والفرق كبير بين محارق النصارى التي يرمون فيها المسلمين أحياء وسط النيران الملتهبة وبين محارق الألمان التي أحرقوا فيها جثث البشر لكثرة الموتى وعدم اتساع الوقت لدفنها من شدة القصف الجوي الإنقليزي والأمريكي على جيوش ألمانيا. وهذا لا يعني أبدا أني أبرئ الألمان من جرائمهم ضد البشرية التي ارتكبوها في الحرب الكونية الثانية والتي سأتناولها –إن شاء الله تعالى- في فقرة لاحقة من هذا الكتاب. وإضافة للمسلمين، أحرق النصارى آلاف المصاحف والكتب والمخطوطات الإسلامية الثمينة والتي لا تقدر بثمن، ويكفيني القول بأن القليل منها الذي نجا من همجية النصارى ووحشيتهم قد كان سببا في نهضة أروبا وأمريكا وبلوغ ما هي عليه الآن من القوة والحداثة والتطور. وكان كل ذلك من أجل تكريس ظلمات الجهل والتعصب التي تخندق في سراديبها "فرسان  الصليب الملعون" منذ أقدم العصور. »والسماء ذات البروج و اليوم الموعود و شاهد و مشهود،قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود ،اذ هم عليها قعود ،وهم على ما يفعلون بالمؤمنون شهود ،وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ، الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيئ شهيد « .                                                   )البروج (9-1:
»قتل أصحاب الأخدود «  أي لعن أصحاب الأخدود وجمعه  : أخاديد وهي الحفر في الأرض٬ وهذا خبر من قوم من الكفار عمدوا إلى من عندهم من المؤمنين بالله عز وجل فقهروهم وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا عليهم، فحفروا لهم في الأرض أخدودا، وأججوا فيه نارا٬ وأعدوا لها وقودا يسعرونها به، ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم، فقذفوهم فيها، ولهذا قال تعالى :  » قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود ،اذ هم عليها قعود ،وهم على ما يفعلون بالمؤمنون شهود « .  أي مشاهدون لما يفعل بأولئك المؤمنين٠ قال تعالى  »:وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد «  أي وما كان لهم عندهم ذنب إلا إيمانهم بالله » العزيز «  الذي لا يضام من لاذ بجانبه، »الحميد  « في جميع أقواله وأفعاله وشرعه و قدره.
وهذه الآيات تنطبق على ما فعله شياطين الصلبان بالمسلمين في الأندلس الشهيدة و قد قدم الإخبار عن تلك الجريمة قبل وقوعها بنحو تسعمائة سنة٠ وبحلول سنة 1609م قرر ملك إسبانيا تشريد الأندلسيين إلى الضفاف الجنوبية من بحر الروم (المتوسط) وحرق من يعترض منهم على ذلك الأمر الفظيع الجائر، الذي لا يقرره إلا أمثاله من شياطين الحكم والتجبر. فلم يسجل التاريخ قبل ذلك أشنع وأعنف وأفظع من الوسائل الجهنمية التي استعملها الإسبان في إرغام الأندلسيين على الهجرة إلى إفريقيا الشمالية، وما نتج عن ذلك من تجريدهم من كل ممتلكاتهم على شتى اختلافها  وإستعمال تلك الأموال المحجوزة في حملاتهم الإستعمارية ضد المسلمين و في تجهيز كولومبس لاكتشاف قارة الشياطين ثم الإستيلاء على كل أمريكا الجنوبية وهي مازالت مقيدة باسبانيا في كل الميادين الفكرية منها والمادية. فإذا كانت دولة اليهود تطالب اليوم بحقوقها التاريخية من النيل إلى الفرات، فإننا نحن عرب شمال إفريقيا، تحق لنا المطالبة الشرعية بقرطبة وغرناطة وطليطلة وإشبيلية وبلنسة وأرغون وحمص وغيرها من أرض الأندلس الشهيدة. ولقد صاحب هذه المأساة البشرية الكبرى عذاب أليم وشقاء شديد وحرمان فظيع وظلم بغيض واستبداد عنيف، ووقع كل ذلك –لا لجرائم اقترفوها- وإنما لأنهم كانوا يعبدون الله الواحد الأحد، الذي لا إله غيره ولا معبود بحق  سواه، ولأنهم آمنوا بما جاء به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. لكن التاريخ الحديث اعترف مرغما أن أولئك المشردين المعذبين هم أحفاد الذين أضاؤوا العالم بقناديل العلم وشموع المعرفة ومصابيح الفكر. هم أحفاد الذين بددوا دياجير الظلام وأنقذوا الأعاجم من تيه الضلال ووحشية الجهل. فهؤلاء المجاهدون العمالقة هم أحفاد ابن حزم وابن رشد وابن خلدون وابن الهيثم وابن طفيل وابن رشيق وابن الشاطر وابن سينا وابن بطوطة و ابن زيدون وكثير من جهابذة الأدب والفلسفة والسياسة والطب والحساب والمنطق والجغرافيا والفلك، هم بعبارة مختصرة أركان الحضارة البشرية وأسس نهضتها المعاصرة الحديثة. انتصرت الصليبية الحاقدة على المسلمين في إسبانيا، فتهاوت بعد ذلك كل البلاد الإسلامية من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، وما كان يمكن حصول تلك الهزيمة الثقيلة التي نعاني من آثارها حتى اليوم لولا خيانة شياطين الحكم وغدرهم ولولا تقاعسهم عن رعاية الأمة الإسلامية ولولا استطابة السلاطين مضاجع النساء وإيثارها على ساحات الوغى، ولولا عبثهم وتفريطهم فيما جاهد من أجله علي ابن أبي طالب  وسعد بن معاذ و معاذ بن جبل و سعد بن عبادة وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وطارق بن زياد ويوسف بن تشفين وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم من سيوف الإسلام التي سلها الله –عز وجل – على الكفار والمشركين والمغضوب عليهم والضالين والمنافقين في كل مكان من كوكب الأرض. ولقد عبر الفيلسوف الأندلسي ابن رشد رحمه الله عن خيبة أمله في ملوك الأندلس المتخاذلين ببيتين من الشعر قال فيهما:
مما يزهدني في أرض أندلـس             أسماء معتصم فيها و معتضـــد
ألقاب مملكة في غير موضعها               كالهر يحكي انتفاخا صورة الأسد
أما التهمة التي وجهها شياطين إسبانيا إلى المجاهدين في الأندلس فهي دائما:" الخيانة العظمى"، أي حسب ما قرره النصارى واتفقت عليه كنائسهم: " عداوة الإيمان المقدس" والذي يعني حسب شعائرهم الفاسدة: "تأليه عيسى وتقديس الصليب والكذب على الله تعالى كذبا غليظا. وأما الديباجة التي زخرفوا بها تلك التهمة فتتمثل في عدم اعتراف المجاهدين بالأوصياء على الديانة المسيحية من قساوسة وأساقفة ورهبان وكهنة، وعدم طاعة الظل الممدود على الرعية، والذي جسدته الكنيسة في شخص الملك من طرف أوصياء إبليس اللعين على الأرض، عليهم لعنة الله الدائمة المستمرة إلى يوم القيامة. فخرج من نجا من الأندلس بعد أن قهروا ويئسوا من عدالة "دون فرديناند الثالث" قبح الله روحه إلى أبد الآبدين. ولما هموا بمغادرة إسبانيا المشؤومة ارتدوا أفخر ثيابهم الإسلامية وتكلموا بالعربية وهللوا وكبروا ووحدوا الله وابتهجوا بالهجرة إلى أرض أجداد أجدادهم ليواصلوا عبادة الله وحده، رغم ما كابدوه من بطش وظلم ونهب أثناء عبورهم البحر، ورغم ما واجهوه من صدود وخشونة استقبال عند حلولهم بأرض البربر بإفريقيا. وعن عنف الصليبيين قال الأمير "شكيب أرسلان" نقلا عن كتاب "الإسلام في إسبانيا" للمؤرخ " ستانلاي لانبول": "… إن الكاردينال كسيميناس" من رؤساء الكنيسة جنح إلى العنف والإكراه، وأساء معاملة المسلمين وحمل الملكة "إيزبلا" على ما بقي نقطة دهماء في تاريخ حياتها من اضطهادهم واستعبادهم وإكراههم على التنصر. فأغوى "كسيميناس" الملكة حتى أصدرت أمرها بإكراه المسلمين على إحدى الخطتين: الجلاء أو النصرانية …، فأغلقت المساجد و أحرقت الكتب التي هي ثمرات القرون وزبد الحقب، وأذيق المسلمون العذاب أشكالا وألوانا، ففضل عامتهم فراق دينهم على فراق أوطانهم. ومضى على سقوط غرناطة نصف قرن والبغض دفين في القلوب، والمسلمون المتنصرون يعمدون أولادهم ظاهرا، فإذا انصرف القسيس مسحوا عن الولد ماء المعمودية، وإذا تزوج أحد الموريسكيين (وهو اسم لبقايا المسلمين في الأندلس) أجرى القسيس عقد إكليل، ثم بعد ذهابه عقدوا النكاح بحسب السنة الإسلامية، ولم تلبث الأوامر أن صدرت بإكراه الموريسكيين على ترك ألبستهم المخصوصة بهم ولبس الثياب الإسبانية، وحظر عليهم الغسل ودخول الحمامات منعا للطهارة التي بدونها تبطل صلاة المسلم. ثم منعوهم من التكلم بالعربية وأجبروهم على تغيير أسمائهم بأخرى إسبانية، فلما اعتلى عرش الحكم " فيليب الثاني" تشدد هذا في تنفيذ الأوامر في حق المسلمين، فهدم حمامات الحمراء البديعة من أجل منع النظافةو عن مؤرخ انقليزي يبحث منذ أحداث هزيمة المسلمين في الأندلس قال:من جملة القوانين التي سنها فردينوند وايزيلا اجبار ما ثبقى من المسلمين على أكل لحم الخنزير و تعليق قطع منه في مداخل المنازل و في الشرفات التي يتركونها مفتوحة ليلا و نهارا على ذمة ما عرف في تاريخ النصارى الاسود بشرطة لحم الخنزيرومنذ اكثر من خمسمائة عام و الاسبان يفرحون و يمرحون بذكريات انتصارهم على الاندلسيين و مازالوا يحتفلون بالمحارق و المذابح التي كان من ضحاياها اكثر من سبعمائة الف مسلم  .(المصدر: بحث بثته قناة الجزيرة القطرية تحت عنوان"شواهد التاريخ" الاثنين   2005-12-13 م) .
وأتى "الدون جون الاوسترى" من الفظائع، ما بخلت بأنداده كتب الوقائع، فذبح النساء والأطفال وأحرق المساكن ودمر البلاد، وكانت علامته:"لا هوادة"، فانتهى الأمر بإذلال ما تبقى من مسلمي الأندلس، وأهلك الإسبانيول من بقية العرب هناك خلقا كثيرا ووقع الذين نجوا من الحرق والموت في الرق والعبودية، وسيقوا مماليكا وعبدانا وشرد الكثير منهم، فتناقص عددهم. فلما غادر الإسلام إسبانيا إنكسفت شمسها وتسلط نحسها وزال سعدها. وإن فضل مسلمي الأندلس ليظهر في همجية قوم الإسبانيول وتأخرهم في الحضارة، وسقوط هذه الأمة في سلم الاجتماع بعد أن خلت ديارها من الإسلام". انتهى نقل الأمير شكيب عن المؤرخ الأنقليزي: "استانلاي". وقبل سقوط الأندلس كان ملوك أوروبا يرسلون البعثات إلى الأندلس لتعلم العلوم والفنون الأندلسية ومنهم على سبيل المثال ملك أنقلترى الذي أرسل بعثة من بنات الأشراف وعلى رأسهن الأميرة" دوبانت" ابنة أخيه إلى خليفة الأندلس، وقال له: " أردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل، لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم، ونشر نور العلم في أنقلترى التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة". وأذكر أن هذا الكلام صادر عن "جورج الثاني ملك أنقلترى". ويقول الدكتور" كورت زاكس" أستاذ تاريخ الآداب الموسيقية في جامعة برلين بألمانيا: "… من الثابت أن جميع آلاتنا الموسيقية مصدرها الشرق، وقد انتقلت منه إلى أوروبا بأكثر من طريقة". وقال الكاتب الأنقليزي "جيمس بيرك" في كتابه "عندما تغير العالم": "استمر تدفق طلاب العلم على إسبانيا في طوفان منتظم، فاستقر بعضهم هناك، وتفرغ آخرون لترجمة النصوص التي كانوا يبحثون عنها، ثم عادوا مرة أخرى إلى بلادهم في الشمال. غير أن الجميع قد أصابهم الذهول من تلك الحضارة التي وجدوها في الأندلس. فقد وجدوا في إسبانيا مجتمعا ثقافيا على درجة عالية جدا  من التفوق بالمقارنة مع مستوى المجتمع الثقافي في بلادهم، مما ترك لديهم إحساسا بالغيرة من الثقافة العربية التي ظلت تؤثر في الفكر الغربي مئات السنين". "ترجمة: ليلى الجبالي". ولقد كشف أشهر علماء الجغرافيا في القرن الثالث عشر مسيحي: محمد بن محمد الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" الذي أشرت إليه سابقا، عن رحلة قام بها رجال عرب في محاولة لاختراق المحيط الأطلسي قبل رحلة "كريستوف كولومبس" التي اكتشف فيها القارة الأمريكية بقرون سماها " الإدريسي" رحلة المغررين وملخصها كما يلي: " … ومن مدينة لشبونة كان خروج المغررين في ركوب بحر الظلمات، ليعرفوا ما فيه و إلى أين انتهاؤه …، وذلك أنه اجتمع ثمانية رجال، كلهم أبناء عم، فأنشأوا مركبا حمالا، وأدخلوا فيه من المياه والزاد ما يكفيهم لأشهر، ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح الشرقية، فجروا بها نحوا من 11 يوما، فوصلوا إلى بحر غليظ الموج كدر الروائح، كثير القروش، قليل الضوء، فأيقنوا بالتلف، فردوا قلاعهم في اليد الأخرى، وجروا في البحر ناحية الجنوب 12 يوما، فخرجوا إلى جزيرة الغنم، وفيها من الغنم ما لا يأخذه حد ولا حصر، وهي سارحة لا راعي لها، ولا ناظر إليها. فقصدوا الجزيرة ونزلوا بها، فوجدوا عين ماء جارية وعليها شجرة تين بري، فذبحوا من تلك الغنم فوجدوا لحومها مرة، لا يقدر أحد على أكلها، فأخذوا من جلودها …، وساروا مع الجنوب 12 يوما إلى أن لاحت لهم جزيرة، فنظروا فإذا فيها عمارة وحرث، فقصدوا إليها ليروا ما فيها، فما كان غير بعيد حتى أحيط بهم في زوارق هناك، فأخذوا وحملوا في مركبهم إلى مدينة على ضفة البحر، فأنزلوا بها في دار، فرأوا رجالا شقرا زعرا، شعورهم سبطة، وهم طوال القدود ولنسائهم جمال عجيب. فاعتقلوا في بيت ثلاثة أيام، ثم دخل عليهم في اليوم الرابع رجل يتكلم باللسان العربي، فسألهم عن حالهم وفيما جاءوا، وأين بلدهم، فأخبروه بكل خبرهم، فوعدهم خيرا، وأعلمهم أنه ترجمان الملك. فلما كان اليوم الثاني، أحضروا بين يدي الملك. فسألهم الملك، فأخبروه بما أخبروا به الترجمان بالأمس، من أنهم اقتحموا البحر ليروا ما به من الأخبار والعجائب، ويقفوا على نهايته، فلما علم الملك ذلك ضحك وقال للترجمان: أخبر القوم أن أبي أمر قوما من عبيده بركوب هذا البحر، وأنهم جروا في عرضه شهرا إلى أن انقطع عنهم الضوء، فانصرفوا من غير حاجة ولا فائدة تجدى …، ثم صرفوا إلى موضع حبسهم إلى أن بدأ جري الريح الغربية فعمر بهم زورقا، وعصبت أعينهم وجري بهم في البحر برهة من الدهر، قال القوم: قدرنا أنه جري بنا ثلاثة أيام بلياليها حتى جيء بنا إلى البر، فأخرجنا وتركنا بالساحل، … وهو المرسى الذي في أقصى المغرب". ويقول المؤرخون أن "كريستوف كولومبس" لم يكن يجهل هذه الرحلة واستنتج منها أن خلف بحر الظلمات توجد شواطئ. ولقد اعترف أحد كبار علماء أكاديمية العلوم الروسية بموسكو سنة 1990م بما يدعم اقتناعي العميق بأن علوم المسلمين هي التي كانت قاعدة الانطلاق للنهضة الأوروبية، فقد قال المستشرق " أليكس جورافسكي" في كتابه: "الإسلام والمسيحية" الذي ترجمه الدكتور خلف محمد الجراد من الروسية إلى العربية ما يلي: " … وبشكل عام، فإنه خلافا للموقف الإسلامي الهادئ وحتى اللامبالي، كان موقف المسيحيين الغربيين من الإسلام انفعاليا وغير متسامح روحيا. لأن الإسلام كان في تصورهم "تحديا" تطلب ردا ومقاومة واهتماما دائما به. وإنه من أجل إدارة الصراع بنجاح مع عقيدة هذا المنافس –الخصم- القوي  و الخطير، لا بد من دراسته. وقد ظهر الطراز الأولي من الدراسات الإسلامية الكلاسيكية كخطاب غربي حول الإسلام وبدءا من القرون الوسطى. حتى أن "التخصص" في الإسلام أو في "الإسلاميات" أصبح جزءا عضويا من العلم ومن الإيديولوجية وثقافة المجتمع الأوروبي فتاريخ الإسلاميات ليس عبارة عن تتال متوارث لمدارس واتجاهات، استدعت ظهورها بواعث اجتماعية خارجية … الحديث يدور هنا حول عملية متصلة متحدة مع القوانين الأولية الداخلية لهذا التخصص ، فالحياة الجميلة التي غرسها المسلمون في إسبانيا واطلاعهم المعرفي الأكثر شمولية كل ذلك لفت اهتمام الناس في النصف الثاني من القرن العاشر للميلاد بدراسة العلوم العربية مثل "هربرت الكاتلوني" الذي أصبح لاحقا "بابا" للكنيسة الكاثوليكية العالمية باسم: "سلفستر الثاني" (ما بين 999م و 1003م) الذي اشتغل في الكاتالونيا بعلوم الرياضيات والفلك عند العرب، وترجم إلى اللاتنية كتبا عربية كثيرة …، والكتاب الذي يؤلف في الشرق الإسلامي سرعان ما يصبح في متناول العلماء والدارسين الغربيين بواسطة المترجمين اليهود، حيث ينتظره مئات القراء في الأندلس، وفي إيطاليا، وفي باريس، وفي مدن إقليم "بروفانس" …، والحقيقة أنه لا بد من الإشارة هنا إلى الطابع الانتقائي للترجمات آنذاك، فمن بين أكثر من مائة مصنف مهم، ترجمت في ذلك العصر من العربية إلى اللاتينية، فإن الأكثرية المطلقة شملت مؤلفات علمية وفلسفية وضعها مؤلفون مسلمون. وقد حظيت بتقدير عال بالدرجة الأولى مؤلفات الخوارزمي، والبتاتي، والفرغاني، والرازي، والكندي، والفرابي، وابن سينا، وابن رشد، والغزالي…. وظهرت في إسبانيا ترجمات منظمة ودورية من العربية بدءا من النصف الأول للقرن الميلادي الثاني عشر. وقد قام بهذه المبادرة مطران طليطلة "رايموند" وفي طليطلة أيضا اشتغل مترجمون مهرة، مثل "دومنقوجنديسالين" وابن داود (وهو يهودي تنصر واعتنق المسيحية)، وجيراردوا داكريمونا، وألفريد الإنقليزي، ويوحنا الطليطلي. وضمن هذا الاهتمام ترجم يوحنا الطليطلي مؤلفات ابن سينا في المنطق، وفي الفيزيقا، وفي الميتافيزيقا، وفي مسائل الروح. وقام "دمنقو جنديسالين" بالاشتراك مع يوحنا الطليطلي وسليمان اليهودي بترجمة مؤلفات الغزالي وابن جبريل. أما "جيرارد الكريموني" فقد ترجم مؤلفات الكندي والفرابي حول "العقل" … والحقيقة الموضوعية تستوجب القول: إن نفوذ" أرسطو" المتعاظم بدءا من النصف الثاني من القرن الثالث عشر للميلاد في علم الكلام المسيحي الأروبي، إنما جاء بفضل الشعبية الهائلة لمؤلفات الفيلسوف العربي القرطبي ابن رشد. وفي سنة 1949م أصدر المستشرق الإيطالي "إينريكو تشيرولي" كتابا بعنوان:" المعراج ومسألة المصادر العربية- الإسبانية للكوميديا الإلهية" وتدعيما لرأيه في هذا المجال ضمّن " تشيرولي" كتابه هذا: الترجمة اللاتينية والفرنسية القديمة لأحد نماذج المعراج الإسلامي، الذي قام بترجمته في سنة 1264م من العربية إلى القشتالية الطبيب اليهودي "إبراهيم الحكيم" وبذلك أيد "تشيرولي" فكرة" بلاثيوس" عضو الأكاديمية الملكية الإسبانية في احتمال نقل " بروتينو لاتيني" لـ: "دانتي" معلومات تفصيلية من قصة الإسراء والمعراج". وحسب رأي "البروفيسور أليكسي جورا فسكي" فإن أسباب التصدي العنيف للإسلام من طرف اليهود والنصارى –منذ فجر القرن السابع مسيحي وإلى يومنا هذا، ترجع إلى أن الإسلام من وجهة نظر المسيحية الغربية يتسم بخلفية إشكالية لا هوتية عميقة، حيث ظهر في أوائل القرن السابع ميلادي في محيط تميز بتأثره الروحي بالتقاليد اليهودية – المسيحية، مؤكدا من ناحية، وعبر التوحيدية الإبراهيمية صلته المبدئية بتلك التقاليد الشرقية (اليهودية- المسيحية)، لكنه وضع نفسه من ناحية أخرى في خندق مضاد متعارض تماما مع التقاليد الدينية المذكورة، وذلك من خلال تعميم مطلق غير محدود لهذا التوحيد، ألغى في حقيقة الأمر أي إمكان لتجسيد الطبيعة الإلهية، مع نفي تام لفكرة الثالوث المسيحية. وبذلك التوجه العقائدي حطم الإسلام النظام البنيوي اللاهوتي الذي كان مهيمنا في التصورات المسيحية حول التكوين الإلهي للتاريخ، وحول التقديس، وتجسيد الإله ذاته، ولهذا كان ظهور الإسلام بالنسبة للديانتين اليهودية والمسيحية نوعا من التحدي الديني- التاريخي …" "المستشرق الروسي: أليكسي جورا فسكي من أكاديمية العلوم الروسية بموسكو عن كتابه: "الإسلام والمسيحية" الذي ترجمه إلى العربية الدكتور خلف محمد الجراد".
ولقد زادت كراهية المسيحيين للمسلمين في عصرنا هذا أضعافا مضاعفة بسبب ضعف  وتشتت وخمول الأمة الإسلامية فلقد صرح  أحد القادة العسكريين الفرنسيين لما احثل دمشق وهو واضع رجله فوق قبر صلاح الدين الأيوبي "ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين"  ، وبسبب ميوعة وفساد ملوكها ورؤسائها. وفي ما يلي مقتطفات بغيضة تبرهن عن شدة حقد النصارى على المسلمين: " ورد في المجلة الفرنسية الأسبوعية "Présent " في عددها 1837 بتاريخ 7 جوان 1998 في تعليقها عن جنازة الإمام الخميني رحمه الله تحت عنوان:  « Il faut le savoir l’Islam rend fou »:
«  …l’Islam rend fou. Il ne s’agit pas d’une religion avec un rituel destiné à mettre dans le recueillement et la  sérénité, l’âme humaine en rapport avec Dieu et le surnaturel, mais d’une espèce de culte primitif idolâtre et hallucinogène, conçu comme un opium du peuple, incitateur de haine, dont le côté démoniaque éclatait ces derniers jours autour de la dépouille de ce vieillard qui fut de son vivant le prophète de la barbarie islamique. »
يقول عبد الصليب، خادم إبليس اللعين في مجلة "Présent ": إن الإسلام يقود صاحبه إلى الجنون، فهو ليس دين له شعائر تلحق الروح البشرية –في طمأنينة وهدوء- بخالقها، بل هو نوع من الطقوس البدائية، الوثنية، الخرافية استنبطت كمخدر للشعب، يغذي الحقد. انفجرت جوانبه الجنونية –هذه الأيام-عند تشييع جثمان ذلك العجوز، الذي كان في حياته رسول الوحشية الإسلامية …"
« L’hebdomadaire : présent n° 1837 daté du 7-6-1989-Paris ».
ولا يسعني هاهنا إلا أن أقول: سامح الله ابن رشد والبيروني وابن سينا والفرابي والخوارزمي والإدريسي والكندي وابن طفيل وغيرهم من كبار العلماء الذين أناروا الطريق أمام الأوروبيين، فلولاهم لما اكتشف المسيحيون أمريكا، ولولاهم لما فتك بمئات الملايين من الهنود الحمر والأفارقة والعرب و الملونين في كل قارة من قارات كوكب الأرض. ولولا علوم المسلمين لبقي المسيحيون أسرى الجهل و التخلف مكبلين بتضليل الكنائس و طقوس التثليث وقيود الطبقات الإقطاعية إلى قيام الساعة. وينطبق على زوال الحضارة الإسلامية من الأندلس قول الشاعر أبي تمام:
ثم انقضت تلك السنون وأهلها                        كأنـهـا وكأنـهم أحـــلام
وفي نظري فقد زالت الأندلس بسبب تقاطع المسلمين من أهلها ودسائس الملوك والأمراء بعضهم لبعض حتى بلغ من أمرهم أن الأمير يبطش بأبيه الملك من أجل إفتكاك كرسي الملك، ثم تهافت المسلمين على العيش الرغيد وتخليهم عن الجهاد في سبيل الله ونصرة الحق والعدل، وتشتت المشرق والمغرب والأندلس إلى ملوك طوائف وإمارات ودويلات لا يهمها أمر من أمور الإسلام، ثم دسائس النصارى وبث جواسيسهم داخل قصور الدعارة واللذة والفساد واستمالة أمراء العرب ورؤسائهم بحسان الجواري وكواعب الأتراب في المضاجع والسهرات الخمرية الراقصة حتى مطلع الفجر، ثم طول نفس النصارى في ترتيب أمورهم وجمع شملهم تحت قيادة السلطة البابوية العليا، ثم إعطاء الأولوية المطلقة لمن يتحمل جهود الحرب ضد المسلمين وتسخير المسيحيين جميعا لخدمة الصليب الملعون والقضاء المبرم على المسلمين، ثم الإمدادات المستمرة طوال قرون من العتاد والجيوش والأموال والمؤن لميادين المعارك الطاحنة، وفي مقابل ذلك نجد انكماشا لدى سلاطين الإسلام بالمشرق والمغرب قانعين بالذل وعيشة الصّعاليك الخونة، ناصبين مجالس الغناء والخمر والدعارة، ثم تباغض الأبطال المسلمين وتناحرهم على الزعامة، فلا يهب قائد هذا الحصن إلى نصرة قائد ذاك الحصن، فحاربهم "فردينوند و"إيزبيلا" واحدا تلو الآخر، منفردين، مستضعفين في العدد والعدة، بينما كان جيش النصارى يجمع كبار أساقفة أوروبا وأمرائها وفرسانها، بجميع ما يملكونه من قوة وبطش وعدة وعتاد وكيد ومكيدة، ثم سوء التدبير عند الملوك والأمراء المسلمين، فهم لا يحيطون أنفسهم إلا بأقاربهم فلا يستعينون بأصحاب الخبرة والاختصاص، لأنهم لا يثقون إلا في الأصهار والأنساب وأزواج بناتهم وإخوان أزواجهم ومن ترضى عنه خليلاتهم ومن يشتريهم بأمواله وأنعامه، ثم هم لا يقبلون الرأي المخالف ويرتجلون الأمور ارتجالا، ومازال حالهم هكذا إلى عصرنا هذا، فهم لا يبرمجون الأحداث مسبقا وإنما يتصرفون حسب نزواتهم وأهوائهم، ثم هم يميلون دائما لمن يطريهم ويتزلف إليهم وينافقهم ولا يتصف إلا بالغدر وسقوط الهمة وفقدان القيم والشخصية. مما حكم على أمة الإسلام بالهوان المستمر منذ أكثر من خمسة قرون متتالية، ولا يلوح لنا مخرج من هذا الذل القاتل، فبينما تتسابق أمم النصارى على غزو الكواكب والنجوم يتبارى ملوك الإسلام ورؤساؤهم على اقتناء أفخر القصور والخمور وتشريد علماء الأمة أو تعذيبهم في دهاليز السجون و باذلالهم في سبيل التفتيش عن رغيف الخبز. وعندما باعت ملكة "قشتالة" "إزابيلا"  حليها الفاخرة وآنيتها الذهبية وحريرها فأمّنت بثمنها العدة والعتاد لملك "أرغون فردينا ند" لتضييق الخناق على مسلمي الأندلس، نجد ملكات الأمة الإسلامية وحظيات رؤسائها قد عبثن في البلاد وعثن فسادا. فلما قصدهم الإفرنج في "بلنسيّة" خرج للقائهم أهلها بثياب الزينة، فكانت وقعة "بطرنة" التي قال عنها الشاعر لقومه:
                              لبسوا الحديد إلى الوغى ولبستم               حلل الحرير عليكم ألوانــا
                              ما كان أقبحهم وأحسنكم بهـا                   لو لم يكن ببطرنة ما كانا
وذكر ابن حيّان فظائع القتل والسبي والاستباحة التي تقتر لها القلوب دما وتنبو العيون عن مطالعتها في التواريخ فقال: "من جملة تعقل أهل الأندلس أن العدو أضل عليهم يجوس خلال الديار، ويكتسح البسائط، ويقطع كل يوم طرفا، ويبيد أمة والباقون منهم صموت عن ذكر إخوانهم، لهاة عن بثهم، ما يسمع بمسجد من مساجدهم مذكر لهم أو داع، فضلا عن نافر إليهم أو ماش". و استغاث الشعراء بملوك تونس، وأنشد أبو عبد الله بن الأبار القضاعي سلطان تونس: أبا زكريا بن أبي حفص من دولة الموحدين قصيدته السينية أذكر منها:
أدرك بخيلك خيــل الله أندلســـا                            إن الطريق إلى منجاتها درســـا
وهب لها من عزيز النصر ما التمست                   فلم يزل منك عز النصر ملتمســا
               …..                    ……                       ……
تقاسم الروم لا نــــــالت مقاسمهـم                 إلا عقائلها المحجــوبة الأنســا
وفي بلنسة منــــــها وقرطبـــة                  ما يذهب النفس أو ما ينزف النفسا
مدائن حلها الاشـــــراك مبتسمــا                  جذلان وارتحــل الإيمان مبتئسـا
يا للمساجد عادت للعـــــدى بيعـا                  وللنداء يــرى أثناءها جرســـا
لهفي عليها إلى استرجــــاع فائتهـا                 مدارسا للمثاني أصبحت درســــا
                   ……                   ……                    ……
يا أيهـــا الملك المنصور أنت لهــا                علياء توسع أعداء الهدى تعســــا
وقد تواترت الأنبــــــاء إنك من                 يحيي بقتل ملوك الصفر أندلســــا
       فأوطئ الفيلق الجــرار أرضهــم                حتى يطأطئ رأسا كل من رأســـا.
وكان من الملوك المسلمين الأشداء على أعداء الأسلام من الصليبيين و غيرهم.فقد كانت تونس ومازالت قاعدة للتحرير و مأوى للمقاومة ضد الظلم و الاستبداد, و نصرة لكل الشعوب المضطهدة , فقد استضفنا و بكل فخر الثورة الليبية ضد شياطين الطلبان بقيادة عمر المخثار ونصرنا الثورة الليبية في عهد القذافي لما حاصرته  أمريكا من كل جانب وأوصدت من حوله البر و البحر و الجو, فصارت طرقاتنا و و مشافينا و مراسينا و مطاراتنا و سلعنا و مدن

استغاث الشعراء بملوك تونس، وأنشد أبو عبد الله بن الأبار القضاعي سلطان تونس: أبا زكريا بن أبي حفص من دولة الموحدين قصيدته السينية أذكر منها:
أدرك بخيلك خيــل الله أندلســـا                            إن الطريق إلى منجاتها درســـا
وهب لها من عزيز النصر ما التمست                   فلم يزل منك عز النصر ملتمســا
               …..                    ……                       ……
تقاسم الروم لا نــــــالت مقاسمهـم                 إلا عقائلها المحجــوبة الأنســا
وفي بلنسة منــــــها وقرطبـــة                  ما يذهب النفس أو ما ينزف النفسا
مدائن حلها الاشـــــراك مبتسمــا                  جذلان وارتحــل الإيمان مبتئسـا
يا للمساجد عادت للعـــــدى بيعـا                  وللنداء يــرى أثناءها جرســـا
لهفي عليها إلى استرجــــاع فائتهـا                 مدارسا للمثاني أصبحت درســــا
                   ……                   ……                    ……
يا أيهـــا الملك المنصور أنت لهــا                علياء توسع أعداء الهدى تعســــا
وقد تواترت الأنبــــــاء إنك من                 يحيي بقتل ملوك الصفر أندلســــا
       فأوطئ الفيلق الجــرار أرضهــم                حتى يطأطئ رأسا كل من رأســـا.
وكان من الملوك المسلمين الأشداء على أعداء الأسلام من الصليبيين و غيرهم.فقد كانت تونس ومازالت قاعدة للتحرير و مأوى للمقاومة ضد الظلم و الاستبداد, و نصرة لكل الشعوب المضطهدة , فقد استضفنا و بكل فخر الثورة الليبية ضد شياطين الطلبان بقيادة عمر المخثار ونصرنا الثورة الليبية في عهد القذافي لما حاصرته  أمريكا من كل جانب وأوصدت من حوله البر و البحر و الجو, فصارت طرقاتنا و و مشافينا و مراسينا و مطاراتنا و سلعنا و مدننا هي المتنفس الوحيد لليبيين.
كما استظفنا الثورة الجزائرية و بكل فخر ضد الافرنج فأعطيناهم السلاح و أويناهم و أطعمناهم و زودناهم  بكل ما نملك رغم جبروت فرنسا و بطشها بنا في الساقية و رمادة و بنزرت و رغم ضغوطها علينا في كل ميادين الحياة. واستضفنا الثورة الفلسطينية و الجامعة العربية و بكل فخر ضد اليهود و أعوان الاستسلام في المشرق العربي رغم هجوم الأعداء علينا في حمام الشاطئ  و رغم جرائم الاغتيال في سيدي بوسعيد, وستضفنا الثوراث السمراء و بكل فخر ضد الميز العنصري و البرتغال و اسبانيا و شاركنا بالبعثات العسكرية و العلمية و الطبية لرفع مستوى الأفارقة و اخراجهم  من ظلمات  الجهل و براثن التخلف و الجراثيم الفتاكة . وساعدنا شعوب الخليج و بكل اقتدار بالبعثات التعليمية و علماء الشريعة و خبراء الرياضة و البعثات الطبية و التقنية و الحضارية , وأراضينا هي التي فر اليها الفرنسيون عندما هزمهم أدولف هتلر  و فيها استرجع الجنرال ديقول قواه و أنفاسه  قبل أن تهزم ألمانيا. و مؤرخوهم و عساكرهم يشهدون بأن أبائنا هم الذين زعزعوا  الألمان في خط مارث  و في مضيق الدردانيل و في جبال و شعاب غمراسن التي أرهقتها حروب المسلمين و أفقرتها الهجرة الى أوروبا. وبنزرت هي التي اوت الاسطول القيصري الروسي فلجأ الينا ما يزيد عن خمسة الاف روسي و روسية لما و قعت الثورة الشيوعية في أوائل القرن العشرين و استوطنوا  عندنا و لم يجدوا الا حسن الضيافة و الاكرام وقد بنوا الكنائس الاريودكسية  ومارسوا ديانتهم بكل حرية . و هذا الكلام سمعته مباشرة من القناة الروسية الناطقة بالعربية  ,على لسان سيدة روسية رفضت الرجوع الى روسيا لأنها وجدث ما يسعدها في بلادنا . ولم ثشعر بالحاجة للرجوع الى روسيا.
قال المتنبي "ان أنت أكرمت الكريم ملكته وان أنت أكرمت اللئيم تمرد " فسرعان ما يتنكر لنصرنا واحساننا ومساعداتنا من اويناهم و أطعمناهم و نصرناهم و رفعنا  عنهم الجهل و الضلم و التخلف . ولا نجد منهم في أوقات رخائهم الا الصدود و الحقد و الكراهية و لا يسعني الا أن أردد "اتقي شر من أ حسنت اليه."
و قبل كل ذلك بألف سنة أسسنا القاهرة وجامع الأزهر الذي ثخرج منه ألاف العلماء المسلمين و صار منارة كبرى من مناراث الاسلام . كما هاجر الينا الملايين من مصر و اليمن و الحجاز لما أقفرث أراضيهم في عهد المعز بن بديس البربري.
أطعمنا الاف الايطاليين الذين استوطنوا في بلادنا في أوائل القرن التاسع عشر لما أقفرت أراضيهم فاستغلوا عندنا في الفلاحة و العمارة و الصناعة.      
وعن كتاب الأمير شكيب أرسلان من المجمع العلمي العربي "خلاصة تاريخ الأندلس" في سياق كلامه عن الأحداث المأساوية التي أصابت المسلمين في غروب العهد الأندلسي، كانت الأمور تسير على النحو التالي: "كانت دولتا قشتالة وأرغون تتسابقان في تعذيب المسلمين الخاضعين لحكومة الإسبانيول، وملوك الدولتين يتبارون في الانتقام منهم والنكال بهم استزادة للمثوبة واستعلاء في درجات الآخرة. ففي قشتالة كان "هنري" قد جعل للمسلمين والإسرائليين علامة فارقة، وأمر بمنع اختلاطهم وأخذهم وعطائهم مع الإسبانيول، وأن لا يقبل أحد منهم في خدمة الدولة. وفي أيام "جان الأول" ملك قشتالة صدرت الأوامر بأن كل مسيحي يربى في بيته مسلما أو إسرائيليا فله الحق كل الحق أن يؤدبه بالسياط، وأنه لا يجوز لمسلم و لا يهودي أن يستخدم عنده مسيحيا، وأن من خالف ذلك يضرب وتضبط أملاكه، كما أنه لا يجوز دخول مسلم ولا يهودي بيت أحد من الإسبانيول إلا إذا كان طبيبا وثبت لزومه. وفي سنة 811 هجرية جدد "جان الثاني" أمر سلفه في رفض المسلمين واليهود في خدمة الدولة، وضم إليه أن جزاء المخالفة دفع ثلاث آلاف مراويد، وأن كل من يسافر من المسلمين أو اليهود مع أحد الإسبانيول أو يؤاكله أو يستخدمه في عمل له، يجلد مائة، وإذا تكرر الفعل يؤخذ منه ألف مراويد، ويكون ثلثاها للمخبر وإذا وجد أحد من هؤلاء في وليمة إسبانيولي، يغرم بدفع ثلاثة آلاف، وإن عاد صاحبا له من الإسبانيول أثناء مرض يدفع ثلاثمائة، وإن تعامل معهم بأخذ أو عطاء فيدفع الثلاثمائة، ويضرب ويعزر. وإذا فر مسلم إلى غرناطة ووقع أثناء فراره في قبضة المسيحيين عد أسير حرب، وضبطت جميع أمواله وصار ملكا لمن يمسكه. وفي سنة 826 هجرية أضيف إلى ذلك أن من منع من المسلمين إبنه من التنصر عذب شديدا، ومن أسر من مسلمي غرناطة أحدا كان له ملكا خالصا. وفي سنة 830 هجرية صدرت الأوامر بعدم اعتبار إمضاء الإسبانيول فيما عليهم للمسلمين واليهود واعتبار إمضاء هؤلاء للإسبانيول. ثم منع المسلمون من الجهر بالشهادتين، وجوزي من يجاهر بذلك بالقتل، ثم يستنتج الأمير أرسلان من كل هذه الفظائع الحقيقة الجوهرية التالية:"… ولا عجب، فلولا هذه الغرائب ولولا الإمعان في الظلم إلى هذه الدرجة لما تأخرت إسبانيا إلى الحد الذي وصلت إليه بعد أن كان لها من مركزها في أوروبا وافتتاح أمريكا على يدها وانبساط أيديها في مستعمرات الخافقين ما يضمن لها المقام الأول بين الدول …" وقال الأمير أرسلان في كتابه "خلاصة تاريخ الأندلس": ومازالت الأندلس تستجيش بالمغرب أوان الضعف، وملوك بني الأحمر يستصرخون بني مرين من وراء البحر إلى المائة التاسعة هجرية، حيث صار السائل لا يجد مجيبا، والصارخ لا يسمع ملبيا، وتخاذل المسلمون عن النصرة، … فصارت ترد عليهم الأخبار وهم ساهون، … [تماما كما ترد علينا في سنة 2001م أخبار مذابح فلسطين و الشاشان و ليس لنا الحق حتّى في إبداء آرائنا، فضلا عن المشاركة في المجهود من أجل الصمود].
وإذا ثار بأحدهم ثائر الجهاد لم يجد علما ينضوي إليه، ولا سندا يعول عليه، ولا جماعة ينتظم فيها. ذلك بما أصاب المغرب من إفتراق الكلمة وانحطاط الدول وتحول الأحوال الأول. فلما سقطت الأندلس كانت أختها العدوة (المغرب) ناظرة إليها وهي تنشد:
                                  ألا رب يوم لو رمتني رميتها             ولكن عهدي بالنضال قديم
وأما النصارى، ففي بداية صراعهم مع المسلمين في شبه الجزيرة الأندلسية كانوا يستنجدون إخوانهم وراء جبال « Pyrénées » فتخف إلى صريخهم أمم الإفرنج والألمان والإنقليز، وأمم أخرى من جميع أقطار النصرانية، ولولا نجدات « Albert le grand » لأهل إسبانيا لتحولت الجزيرة بأسرها إلى الإسلام، وكان الفاصل بين الفريقين جبال "البيرانه"، وكانت دول أوروبا لا تضن على هذه البلاد بدم ولا مال في مدافعة المسلمين … وكان أهل إسبانية أنفسهم أهل شدة ومراس على الحرب، وأعانهم البابا "إسكندر الثالث" على إنشاء جيوش الصليب … وكان يوجد في جيوش فرديناند الجرارة كثير من المتطوعين الفرنسيين وفيهم من المشاهير مثل "غاسطون اليوني" ومن غزاة الإنقليز وفيهم "اللورد سكالس" وكان معه آلات ومدافع تفوق الإحصاء بإدارة جند ألمانيين بادروا لإجابة داعي الحرب المقدس من أقاصي بلادهم، وكان غزاة الإنقليز يقاتلون بالفؤوس على عادة بلادهم، ولم يكن ذلك معهودا عند المغاربة الأندلسيين، فذعروا من ذلك. ومن أشد المعارك التي وقعت بين المسلمين والنصارى في الأندلس معارك: "لوشة" و "طريف" و"المالقة" و" لشانة"و "رندة" و "الصخرة" و" الحامة " و"أيلورة" و "حصن قبيل" و "قلعة زالعة" و "بلش" و"بسطة" وحصن "رومة" وحصن"همدان" ومن سيوف الإسلام الذين اعترفت لهم كتب النصارى بشدة البأس وقوة المراس وعمق عداوتهم للنصارى: حامد الزغبي قائد موقع المنارة البحرية ومعه من بني غمارة طائفة من الفرسان كلهم على شاكلته في الشجاعة وشدة البأس وصعوبة المراس. و منهم أيضا: محمد بن حسن ورضوان وهما من أعاظم قادة المسلمين في "بسطة". ومنهم علي بن الفخار قائد حصون "طبرنة" و "برشنة" وهو الذي قال للملك "فرديناند" والملكة "إيزبيلا" عندما أرادا  مكافأته عن استسلامه: "أنا لم آت لأبيع ما ليس ملكي، بل لأسلم ما جعلته الأقدار الإلهية ملكا لكما، وليكن يقينا عند جلالتكما، أنه لو وجد من يسعفني كما يجب، لكان الموت هو ثمن هذه الحصون بدلا من الذهب الذي يعرض علي". ومنهم رحمهم الله رحمة الشهداء الأمير موسى بن أبي غسان روح الجهاد الذي اتفقت تواريخ الإفرنج على أنه كان من أعظم أبطال الجهاد ضد النصارى في الأندلس وهو من فرسان غرناطة. ومنهم أيضا ذلك الفارس المفتول السواعد العظيم البطش طرفة الذي استشهد في مبارزة مشهودة في ميدان الجهاد. وقال المؤرخ الإنقليزي "واشنطن أرفن" عن حرب المسلمين الأخيرة في الأندلس: "إن هذه الحرب حقبة عظيمة الشأن في تاريخ الدهر، بما تخللها من باهر الثبات والإصرار، فإن النكبات توالت فيها على المغاربة مدة عشر سنوات بدون انقطاع، فأخذت مدائنهم الواحدة بعد الأخرى وفنيت رجالاتهم قتلا وأسرا، وقاتلوا عن كل مدينة وبلدة وحصن وبرج، بل عن كل صخرة كأنهم ينتظرون الفتح، ولم يجدوا مكانا تثبت فيه أقدامهم، ولا جدارا يمكنهم رمي السهام من ورائه إلا اعتصموا به، ينازعون العدو وطنهم المحبوب حتى إذا لم يبق لهم إلا عاصمتهم مقطوعا عنها عن كل مدد، غير طامعة في أدنى غوث، دافعوا عنها كأنهم يترقبون العون من السماء. وقبل أن أختم الكلام عن الأندلس أثرحم على تلك الديار بقصيدة أبي البقاء الرندي: رثاء الأندلس وهي قصيدة تدمي قلب كل مسلم  

لكل شــيء إذا مــــا تم نقصان
هــــي الأمور كما شاهدتها دول
وهذه الــدار لا تبقي على أحــد
أين الملوك ذوو التيجـان من يـمـن
وأين مـا شاده شـــداد فـي إرم
وأين مـا حــازه قارون من ذهب
أتى على الكل أمــر لا مـردّ لـه
وصار ما كان من ملك ومن ملـك
دار الزمان على دارا وقــاتـلـه
كأنما الصعب لم يسهل لـه سببــا
فجائع الدهـر أنــواع منوعــة
وللحـوادث سلـوان يسهلـهـا
دهـى الجزيـرة أمـر لا عـزاء له
أصــابها العين فـي الإسلام فارتزأت
فاســأل بلنسية مــا شأن مرسيـة
و أين قــرطبـة دار العلـوم فكـم
وأيـن حـمص ومـا تحويه من نـزه
قـواعـدكن أركـان البلاد فـمـا
تبكـي الحنيفيـة البيضاء من أســف
علـى ديـار من الإسـلام خاليــة
حيث المساجد قد أضحت كنائس مـا
حـتى الـمحاريب تبكي وهي جامدة
يا عـاقـلا ولـه في الدهر موعظـة
ومـاشيا مـرحـا يلهيـه موطنـه
تلك المصيـبة أنسـت مـا تقدمهـا
يا راكبـين عتـاق الخـيل ضامـرة
وحــاملين سيـوف الـهند مرهفة
وراتعـين وراء البحــر في دعــة
أعندكم نبأ من أهــل أنـدلــس
كم يستغيث بنا المستضعفون وهـم
ماذا التقـاطع فـي الإسلام بينكـم
ألا نفـوس أبيــات لـها هـمم
يا مـن أذلــه قـوم بعد عزهـم
بالأمس كانوا ملوكا في منازلـهـم
فلو تراهم حيارى لا دليل لـهــم
ولو رأيت بكاهم عنـد بيعهـــم
يا رب أم و طفــل حيـل بينهمـا
وطفلة مثل حسن الشمس إذا طلعت
يقودها العلـج للمكـروه مكـرهة
لمثل هذا يذوب القلب مـن كمـد
فـــلا يغر بطيب الـعيش إنســــان
مـن سـره زمـن سـاءتـه أزمـــان
ولا يــدوم علـى حـال لـها شــان
وأيـن منهـم أكـاليــل وتيـجــان
وأيـن مـا سـاسـه فـي الفرس ساسان
وأيـن عــاد وشــداد وقـحـطـان
حتـى قضـوا فكــأن القـوم ما كانوا
كمــا حكى عن خيـال الطيـف وسنان
وأمـا كســرى   فمـا آواه إيـــوان
يومــا ولا مــلك الــدنيا سليمـان
وللــزمـان مســرات وأحـــزان
ومـا لـما حــل بالإســـلام سلوان
هــوى لـه أحــد وانـهد نـهـلان
حتــى خلت منه أقطـار و بلـدان
وأيــن شـاطبــة أم جيـــان
مــن عالـم قد سـمـا فيها شان
ونـهرهـا العـذب فيـاض ومـلآن
عسـى البقــاء إذا لم تبــق أركان
كما بكـى لفــراق الألـف هيمان
قـد أقفـرت ولـهـا بالكفر عمران
فيهـن إلا نواقـيس وصلبــــان
حتـى الـمنابر تـرثي وهـي عيدان
إن كنت فـي سنـة فالدهـر يقظان
أبعــد حـمص تغـر المرء أوطان
ومـا لـها مـع طول الدهر نسيـان
كأنـهـا في مـجال السبق عقبـان
كأنـها في ظــلام النقـع نيـران
لـهـم بأوطانـهم عـز وسلطـان
فقـد سـرى بـحديث القوم ركبان
قـتلى وأسرى فمـا يهتـز إنسـان
وأنتــم يـا عبـاد الله  إخــوان
أمـا علـى الخير أنصـار وأعـوان
أحــال حالـهم جـور وطغيـان
واليـوم هـم في بلاد الكفر عبـدان
عليهم مـن ثيــاب الـذل ألـوان
لـهالك الأمـر واستهوتـك أحزان
كمـا تفـرق أرواح وأبــــدان
كأنـها هـي يـاقوت ومرجــان
والعـين بــاكية والقلب حيــران
إن كـان في القلب إسـلام و إيـمان
"أبو البقاء الرّندي"
وختاما أتعزى بما قاله الكاتب: عبد الكريم الخطيب في نهاية حديثه عن الحروب العنيفة التي وقعت بين المسلمين بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، لما تناحروا في معارك "الجمل" و "صفين" والنهروان" تحت قيادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير رضي الله عنهما ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، في كتابه: "علي بن أبي طالب: بقية النبوة وخاتم الخلافة":
" … وليس بمنكور في هذه الحياة أن يهزم الحقّ في بعض معاركه مع الباطل، فالحق والباطل في صراع متصل متلاحم، ينتصر هذا مرة، وينتصر ذاك أخرى. ولو كان النصر لأحدهما، ضربة لازب ، لانتهى هذا الصراع القائم في الوجود منذ الجولة الأولى، ولسكن ريح الحياة، ولخمدت جذوة الكفاح التي تدفع مواكب الناس في ازدحام متلاحم. إن الحياة على هذا الكوكب الأرضي محكومة بهذا الصراع الأبدي بين قوى الخير والشر في ميزان تتراجح كفتاه، وتضطربان، هكذا أبدا، صعودا وهبوطا …، وهزيمة الحق في أروع مظاهره وأكملها ليست بالتي تنقص من قدره أو تقلل من خطره، وإنما ذلك دليل على أنه قد بلغ الغاية في دورته، وأنه استكمل كل مظاهر وجوده، وأنه كما أخذ طريقه صعودا، سيأخذ نفس الطريق نزولا حتى تتم دورة كاملة من دورات الزمان، ثم ليبدأ دورة جديدة، وهكذا، إنها أشبه بدورة الليل والنهار، يتعاقبان ! …، ولكن مع هذا، فإن ما يقوم على الحق، باق لا يزول، وإن زال أهله وذهب القائمون عليه، وذلك فيما يخلف وراءه من مثل كريمة في الاستعلاء على نزعات النفس والغلبة على أهوائها، ولهذا يظل أصحاب هذه المثل أحياء في هذه الحياة، يذكرهم الناس أبدا، ويجدون في ذكراهم أنسا من كل وحشة، وعزا عند كل مصاب.". قال الحق تبارك وتعالى: " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون". وقال سبحانه: "ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ". وقال عز وجل عن اليهود والنصارى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلاها واحدا، لا إله إلا هو سبحانه، عما يشركون. يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون".                                                                                    "التوبة: 31-33".
وهناك من أهل الكتاب من يخشى الله ويحترم البشر، قال تعالى: "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم، خاشعين لله، لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، أولئك لهم أجرهم عند ربهم، إن الله سريع الحساب"
                           "آل عمران: 199".
وقال تعالى: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لا تبديل لكلمات الله، ذلك هو الفوز العظيم، ولا يحزنك قولهم، إن العزة لله جميعا هو السميع العليم، ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض، وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء، إن يتبعون إلا الظن، وإن هم إلا يخرصون".
"يونس عليه السلام: 62-66".
و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، ذي العز و الجبروت، و ذي الملك و الملكوت، تبارك و تعالى.

المسيح عيسى ابن مريم: الجزء 3

المسيح عيسى ابن مريم: الجزء 3

و اختم هذا الملخص من كتاب تحفة الاريب في الرد على اهل الصليب بسرد عقيدة النصارى التي الفها لهم شمعون من قدامى روما و نصها مملوء كالعادة بالكفريات و الضلالات:
... نؤمن بالله الواحد الاب مالك كل شيء، صانع ما يرى و ما لا يرى، و نؤمن بالرب المسيح ابن الله الواحد، بكر الخلائق كلها، ولد من ابيه قبل العوالم كلها ليس بمخلوق. اله حق من جوهر ابيه الذي بيده اتقنت العوالم كلها، و هو خالق كل شيء من اجلنا معشر الناس، و من اجل خلاصنا نزل من السماء و تجسد من الروح القدس فصار انسانا، و حملت به مريم وولد منها، فاولم و صلب في ايام بيلاطوس الملك، و دفن و قام في اليوم الثالث من بين الموتى، ثم صعد الى السماء و جلس على يمين ابيه، و سيجيء مرة اخرى للقضاء بين الاموات و الاحياء، و التغطيس هو غفران الذنوب، و نؤمن بقيام ابداننا      و بالحياة السرمدية ....                                                                             "عبد الله بن عبد الله الاسباني"
و لا يخلصنا من هذا الكفر و الضلال و البهتان و الإشراك إلا ان نتلو سورة الإخلاص: " قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد و لم يكن له كفؤا احد" فهي تشطب و تفند و تفتك بعقيدة النصارى و بكل ما اسست عليه من الكفريات و الضلالات             و الشناعات و التحريفات و المفتريات، و الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم، و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
بعد هذه الإطلالة على العقيدة المسيحية التي أوضحها لنا الشيخ القسيس عبد الله بن عبد الله الاسباني، نرجع الى سرد الأحداث المسيحية كما رواها لنا علماء الدين فقد قيل ان اليهود بعد ان صلبوا شبه عيسى، تسلطوا على الحواريين بالضرب و الحبس      و القتل فبلغ امرهم ذلك الى ملك الروم بدمشق فسألهم عن امر المسيح فاخبروه عنه، فبايعهم في دينهم و انتقم لهم من اليهود.   و اخذوا الجذع الذي صلب عليه شبه عيسى إلى ملك الروم فعظمه، و عظمت النصارى الصليب، و انتقل دين النصرانية من اليهود الى الروم و لمزيد التعمق في معرفة الديانة المسيحية على حقائقها الفظيعة و الشنيعة نضع بين يدي القارىء ما تفضل به الشيخان الجليلان: ابن تيمية و ابن القيم عن امة الضلال و التضليل:
... بعث الله سبحانه و تعالى عبده و رسوله و كلمته: المسيح عيسى ابن مريم، و اقام له انصارا دعوا الى دينه و شريعته،     و دخل فيه الملوك، و انتشرت دعوته و استقام الأمر بعده نحو ثلاثمائة سنة. ثم اخذ دين المسيح في التبديل و التغيير حتى لم يبق بايدي النصارى منه شىء، بل ركبوا دينا بين دين المسيح و دين الفلاسفة عباد الأصنام، و نقلوا الأمم الضالة من عبادة الاصنام المجسدة الى عبادة الصور، و نقلوهم من السجود للشمس الى السجود الى جهة المشرق، و نقلوهم من مذهب الفلاسفة الاغريق الذي يقول باتحاد العاقل و المعقول و العقل الى القول باتحاد الأب و الابن و روح القدس و احتفظوا ببقايا من دين المسيح كالختان و الاغتسال من الجنابة، و تعظيم السبت و تحريم الخنزير و تحريم ما حرمته التوراة. ثم تناسخت شريعة النصارى الى ان استحلوا الخنزير، و احلوا السبت، و عوضوه بيوم الاحد، و تركوا الختان و الاغتسال من الجنابة، و كان المسيح يصلي الى بيت المقدس، فصلوا هم الى المشرق في اتجاه الشمس. و لم يعظم المسيح صليبا قط. فعظمت الملكة "هيلانة" ام الملك "قسطنتين" الصليب، ثم عبدوه.
و لم يكن صوم عيسى عليه السلام كصوم النصارى الذي وضعوه لأنفسهم و نقلوه إلى زمن الربيع، فجعلوا ما زادوا فيه من العدد عوضا عن نقله من الشهور الهلالية الى الشهور الشمسية، و تعبدوا بالنجاسات، و كان المسيح عليه السلام في غاية الطهارة و الطيب و النظافة و ابعد الخلق عن النجاسة. و لما اخذ دين المسيح عليه السلام في التغيير و الفساد اجتمعت النصارى عدة مجامع تزيد حتى عهد الشيخ ابن القيم في القرن الثامن هجري على ثمانين مجمعا، ثم يفترقون على الاختلاف   و التلاعن: يلعن بعضهم بعضا، حتى جمع  "قسطنتين" من سائر الافاق كل "بترك" "Patriarche" و اسقف "Archevêque"    و عالم، فكانوا ثلاثمائة و ثمانية عشر، فقال لهم:
انتم اليوم علماء النصرانية و اكابر النصارى، فاتفقوا على امر تجتمع عليه كلمة النصرانية، و من خالفها لعنتموه، و حرمتموه، فقاموا و قعدوا و فكروا و قدروا و اتفقوا على وضع الامانة، كان ذلك بمدينة "نيقية" سنة خمس عشرة من ملك "قسطنطين"      و كان رئيس المجمع و المقدم فيه الباتريارك "الكصندروس"( Alexandros ) بطرك الاسكندرية، ثم دفعوا اليه "الامانة" التي اتفقوا على وضعها. فلا يكون عندهم نصراني من لم يقر بها، و لا يتم لهم قربان الا بها، و هذا نصها كما نقلها الشيخ ابن القيم عن حجة الاسلام ابن تيمية من كتابه: "الجواب الصحيح" عن كتاب سعيد بن بترك الاسكندرية "نظم الجوهر" و فيه تاريخ النصرانية. و نلاحظ مسبقا ان النص يتضمن كعادة نصوص الكتب النصرانية كثيرا من عبارات الشرك و الافك و الكفر            و الظلال و التضليل، فليحذر القارىء ذلك:
يقول القيمون على دين النصارى:
.... نؤمن بالله الواحد الاب، مالك كل شيء، صانع ما يرى و ما لا يرى، و بالرب الواحد يسوع المسيح ابن الله الواحد ( اذن عندهم معنى الله يختلف عن معنى الرب ) بكر الخلائق كلها، الذي ولد من ابيه قبل العوالم كلها، و ليس بمصنوع. اله حق من اله حق من جوهر ابيه الذي بيده اتقنت العوالم و خلق كل شيء، الذي من اجلنا معشر الناس و من اجل خلاصنا نزل من السماء، و تجسد من روح القدس، و صار انسانا، و حمل به ثم ولد من مريم البتول و او لم و شج و قتل و صلب و دفن و قام في اليوم الثالث و صعد الى السماء و جلس عن يمين ابيه، و هو مستعد للمجيء تارة اخرى، للقضاء بين الاموات و الاحياء.   و نؤمن بروح القدس الواحد، روح الحق الذي يخرج من ابيه روح محبة، و بمعمودية واحدة لغفران الخطايا، و بجماعة واحدة قديسية، و بقيامة ابداننا و الحياة الدائمة الى ابد الابدين".
[و هذه الأمانة هي العقيدة التي ألفها لهم شمعون و التي أشار إليها الشيخ القسيس الاسباني و نقلتها سابقا عن كتاب "تحفة الاريب" فدل هذا و ذاك على صدق المراجع و تطابقها في سرد احوال النصارى، فسعيد بن بترك الإسكندرية من مصر و عبد الله ابن عبد الله القسيس من اسبانيا و عبد الله المتكلم من الصحراء و كلنا نتكلم عن نفس العقيدة].
ثم اجتمع "اريوس" ببيت المقدس بكثير من النصارى في مجمع ثان، و اجتمع بالقسطنطينية مائة و خمسون أسقفا، و كان مقدموهم بترك الإسكندرية و بترك "انطاكية" و بترك بيت المقدس، و اتفقوا على انّ
.... روح القدس خالق غير مخلوق، اله حق، و ان طبيعة الأب و الابن جوهر واحد، و طبيعة واحدة و زادوا عن امانة المجمع الاول:
.... و نؤمن بروح القدس الرب المحيي المميت، المنبثق من الأب، الذي مع الابن و الأب، وهو ممجود و ممجد ...، و كان في الأمانة الأولى: و بروح القدس فقط. و تفرقوا قساوسة هذا المجمع و قد لعنوا فيه أكثر أساقفتهم و بتاركهم. ثم اجتمع النصارى بقيادة بترك القسطنطينية "نسطورس" في مجمع رابع. و كان مذهب "نسطورس" ان :
... مريم ليست بوالدة الإله عيسى على الحقيقة، و لكن ثمة اثنان: الإله الذي هو مولود من الأب، و الآخر: إنسان الذي هو مولود من مريم، و ان هذا الإنسان الذي نقول انه المسيح بالمحبة، متوحد مع ابن الإله. و ابن الإله ليس ابنا على الحقيقة،       و لكن على سبيل الموهبة و الكرامة و اتفاق الاسمين. فبلغ ذلك بتاركة سائر البلاد، و اجتمعوا و لعنوا "نسطورس" و ثبتوا:
... ان مريم ولدت إلها، و ان المسيح اله حق، و إنسان معروف بطبيعتين، متوحد في الاقنوم".
ثم سمع  "يوحنا" بترك "انطاقية" بذلك فجمع أساقفته، و تقاتل مع الأساقفة الذين لعنوا "نسطورس" حتى أصلح بينهم الملك، فكتبوا صحيفة :
... ان مريم القديسة ولدت الها، و هو ربنا يسوع المسيح الذي هو مع الله في اللاهوت و مع الناس في الناسوت". و انفذوا لعن "نسطورس": و كانت مجامعهم تجتمع على الكفر و تفترق على اللعن، فهم بين لاعن و ملعون. ثم كان لهم مجمع خامس في مدينة "افسيس" بطلب من طبيب القسطنطينية الراهب "اوطيوس" بمشاركة بترك الاسكندرية و ثبتوا "اوطيوس" في قوله :
... ان جسد المسيح ليس هو مع أجسادنا في الطبيعة، و ان المسيح قبل التجسد كان طبيعتان، و صار بعد التجسد طبيعة واحدة، و صارت المقالة  مقالة "اوطيوس" و هو مذهب اليعقوبية و انتشر خاصة في مصر. و افترقوا كالعادة بين لاعن و ملعون      و ضال و مضل. ثم كان لهم مجمع سادس حضره ستمائة و ثلاثون اسقفا، لعنوا فيه الطبيب الراهب "أطيوس" و بترك الاسكندرية الذي ناصره، و أثبتوا: .... أنّ المسيح إله و انسان، و هو مع الله في اللاهوت و مع الناس في النّاسوت، له طبيعتان تامتان، فهو تامّ باللاهوت، تامّ بالناسوت و هو مسيح واحد.
و ثبّتوا أمانة المجمع الأوّل و قالوا: .... إنّ روح القدس إله، و الأب و روح القدس واحد بطبيعة واحدة و أقانيم ثلاثة، و ثبّتوا أيضا أمانة المجمع الثالث و قالوا: .... إن مريم العذراء ولدت إلها ربّنا يسوع المسيح، الذي هو مع الله في الطبيعة و معنا في النّاسوت". ثم لعنوا "نسطورس" و بترك الإسكندرية و انفضوا كالعادة و هم بين لاعن و ملعون. ثم كان لهم مجمع سابع في ايام الملك "انطسطاس" ضد أقوال المجمع السادس، و ظهرت مقالة "الملكية" بالاسكندرية بعد ان سفك جيش الملك في كنيسة الإسكندرية  دماء خلق كثير من الأساقفة و البتاركة و الرهبان حتى انتصرت مقالة الملكية بالإسكندرية.
ثم كان لهم بعد ذلك مجمع ثامن بالقسطنطينية حضره بتاركة و أساقفة البلاد لعنوا فيه أساقفة كانوا يؤمنون بالتناسخ و انه ليس عندهم قيامة و لا بعث "أجسام تدفع و ارض تبلع" و ان جسد المسيح خيال غير حقيقة، فثبتوا:
... ان جسد المسيح حقيقة لا خيال، و انه اله تام و إنسان تام، معروف بطبيعتين و مشيئتين و فعلين، اقنوم واحد، و ان الدنيا زائلة و القيامة كائنة و المسيح يأتي بمجد عظيم، فيدين الأحياء و الأموات". كما قال المجمع الأول.
ثم كان لهم مجمع تاسع على عهد معاوية بن أبي سفيان، تلاعنوا فيه و ترأسه بترك القسطنطينة و بترك أنطاكية، فلخّصوا "الأمانة" و زادوا فيها و نقّصوا و قالوا:
"نؤمن بأنّ الواحد من الناسوت الابن الوحيد، الذي هو الكلمة الأزلية، الدائم المستوى مع الرّب، الإله في الجوهر الذي هو ربنا يسوع المسيح بطبيعتين تامتين و فعلين و مشيئتين في أقنوم واحد و وجه واحد، تاما بلاهوته، تاما بناسوته، و نشهد أن الإله الابن في آخر الأيام إتّخذ من العذراء السيدة مريم القديسة جسدا، إنسانا بنفس ناطقة عقلية، و ذلك برحمة الله تعالى محب البشر. و لم يلحقة اختلاط و لا فساد و لا فرقة و لا فصل، و لكن هو واحد، يعمل بما يشبه الإنسان أن يعمله في طبيعته و ما يشبه الإله أن يعمله في طبيعته، الذي هو الابن الوحيد و الكلمة الأزلية المجسدة التي صارت في الحقيقة لحما كما يقول الإنجيل المقدس من غير ان ينتقل من مجده الأزلي، و ليست بمتغيرة لكنها بفعلين و مشيئتين و طبيعتين، إلهيّ و انسيّ، الذي بهما يكمل قول الحقّ. و كل واحدة من الطبيعتين تعمل مع شركة صاحبتها، مشيئتين غير متضادّتين و لا متصارعتين. و لكن مع المشيئة الإنسية المشيئة الإلهية القادرة على كلّ شيء". هذه هي أمانة المجمع التاسع الذي انعقد بعد المجمع الخامس بمائة عاما. ثمّ كان للنصارى مجمع عاشر لعنوا فيه من لعنهم و خالفهم و انصرفوا كالعادة بين لاعن و ملعون.
و قال الشيخ الجليل ابن القيم نقلا عن استاذه شيخ الاسلام ابن تيمية: هذه عشرة مجامع كبار من مجامعهم مشهورة، جمعت أكثر من أربعة عشر ألفا من البتاركة و الأساقفة و الرّهبان، كلهم بين لاعن و ملعون، ضالون و مضلّلون، لا يثبت لهم قدم و لا يستقر لهم قول في الههم حيارى تائهون.
كل منهم قد اتخذ إلهه هواه، و كفر و ضلّ و أضلّ، قد تفرقت بهم في نبيهم و الههم الأقاويل، و هم كما قال الله تعالى في القرآن العظيم: "قد ضلّوا من قبل، و أضلّوا كثيرا، و ضلّوا عن سواء السبيل"                                                      "المائدة: 77"
فلو سألت أهل البيت الواحد عن دينهم و معتقدهم في ربّهم و نبيهم لأجاب الرّجل بجواب، و امرأته بجواب و ابنه بجواب      و الخادم بجواب، فما ظنّك بمن في عصرنا هذا [عصر ابن تيمية]، و هم نخالة الماضين، و زبالة الغابرين و نفاية المتحيرين، و قد طال عليهم الأمد، و بعد عهدهم بالمسيح و دينه.
و لاحظ ابن القيم رحمه الله تعالى أن النصارى ارتبكوا محذورين عظيمين لا يرضى بهما ذو عقل و لا معرفة:
* أحدهما: الغلوّ في المخلوق حتى جعلوه شريك الخالق و جزءا منه، و إلها آخرا معه و أنفوا أن يكون المسيح عبدا لله تبارك و تعالى.
* و الثاني: تنقص الخالق و سبه و رميه بالعظائم حيث زعموا أنه سبحانه و تعالى عن قولهم علوّا كبيرا – نزل من العرش عن كرسي عظمته، و دخل في فرج امرأة و أقام هناك تسعة اشهر، يتخبط بين البول و الدم و قد علته أطباق المشيمة      و الرحم و البطن، ثم خرج من حيث دخل، رضيعا صغيرا يمصّ الثدي و لفّ في القمط، و أودع السرير يبكي و يجوع       و يعطش و يبول و يتغوّط، و يحمل على الأيدي و العوانق، ثمّ صار إلى ان لطمت اليهود خدّيه، و ربطوا يديه، و بصقوا في وجهه، و صفعوا قفاه، و صلبوه، و ألبسوه إكليلا من الشوك، و سمّروا يديه و رجليه. و إن هذه مسبّة لله سبحانه،  ما سبّه بها أحد من البشر قبلهم و لا بعدهم، و هذا باطل:
"تكاد السماوات يتفطّرن منه و تنشقّ الأرض و تخرّ الجبال هدّا"                                                      "مريم: 90"
و عذر النصارى في ما ذهبوا اليه من الضلال البعيد و التضليل الفظيع أقبح من قولهم، فإن أصل معتقدهم: أن أرواح الأنبياء عليهم السلام كانت في الجحيم، في سجن ابليس في عهد آدم الى زمن المسيح، فكان حسب معتقداتهم الفاسدة نوح و إبراهيم      و موسى و صالح و هود معذبين مسجونين في النار بسبب خطيئة آدم عليه السلام و أكله من الشجرة، و كان حسب مذاهبهم الباطلة كلّما مات واحد من بني آدم أخذه إبليس و سجنه في النار بذنب أبيه. ثمّ إن الله سبحانه و تعالى لمّا أراد رحمتهم               و خلاصهم من العذاب، تحيّل على إبليس بحيله، فنزل عن كرسي عظمته و التحم ببطن مريم، حتى ولد و كبر و صار رجلا،  فمكّن أعداءه اليهود من نفسه حتى صلبوه، و توجوه بالشوك على رأسه، فخلّص أنبياءه و رسله، و فداهم بنفسه و دمه. فهرق دمه في مرضاة جميع ولد آدم، و خلّصهم من ذنب أبيهم آدم، بأن مكّن أعداءه من صلبه، إلا من أنكر صلبه [كلّ الأمّة الاسلاميّة تنكر صلبه، لقوله عزّ و جل في سورة النساء:
"و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبّه لهم" على كل حال فشفيعنا يوم القيامة و شفيع الأمم هو محمد صلى الله عليه و سلم، ورد ذلك في الحديث الطويل عن الشفاعة الكبرى، و ليس عيسى هو الذي سيخلصنا من أهوال يوم الطامة الكبرى] او شك فيه، او قال بان الإله يجل عن ذلك، فهو في سجن إبليس معذب حتى يقر بذلك ( و هذه دعوة مقنعة الى التنصر، و طريقة خبيثة لإدخال الناس في النصرانية ) و بهذه الأقوال الخبيثة فقد كذب النصارى الله عز و جل في كونه تاب على ادم، و غفر له خطيئته، و نسبوه الى أقبح الظلم، حيث زعموا انه سجن أنبياءه و رسله و أولياءه في الجحيم.
و كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاصدا امة الصليب:
" انهم سبوا الله مسبة ما سبه إياها احد من البشر "
و لهذا قال امراء الإسلام الصالحون:
" ان جهاد النصارى واجب شرعا و عقلا، فانهم عار على بني ادم ، يفسدون العقول و الشرائع " و اتساءل في هذا الصدد عن مشاعر ابن تيمية و ابن القيّم و ابن حزم و ابن كثير لو شاهدوا خنزير هذا العصر : جورج بوش و وصيفته السوداء          و جيوشهما و هي تبيح كل المقدسات الإسلامية و تعبث بالقران العظيم و تدنسه و ترمي به في القمامات و المراحيض في سجون افغانستان و العراق و كوبا، و اتساءل ايضا عن الفتاوي التي سيشرعونها لمقاومة ما أباح النصارى من لواط الرجال    و تساحق النساء، حتى ان الاتحاد الاوروبي فرض على تركيا من جملة ما فرض عليها لقبولها في نادي النصارى : ان تتخلى عن الشريعة الإسلامية و ان تبيح ما سبق من الفظاعات و الشناعات .
و امة الضلال و التضليل عاثت في دينها فسادا:
 1* ابتدعوا الصلاة الى مطلع الشمس بعد المسيح بنحو ثلاثمائة سنة، اما نبيهم عيسى عليه السلام فكان يصلي الى قبلة الانبياء: بيت المقدس، و اليها صلى نبينا محمد صلى الله عليه و سلم مدة مقامه بمكة و بعد هجرته بثمانية عشر شهرا، ثم أمره الله تعالى الى تحويل الاتجاه الى قبلة ابراهيم عليه السلام، الى شطر المسجد الحرام بين باب الكعبة و حجر إسماعيل عليه السلام.
 2* هم لا يتطهرون عند قيامهم الى صلاتهم، و لا يمتنعون عن الكلام عندما يستقبلون المشرق، و تكبيرة الإحرام عندهم هي التصليب و التثليث، ثم يتحدث المصلي منهم مع من قربه من المصلين بأنواع الحديث.
  3* ابتدعوا تعظيم الصليب بعد المسيح بزمان و لا ذكر للصليب في الإنجيل البتة، و انما ذكر الصليب في التوراة باللعن لمن تعلق به، ففي توراة اليهود : "ملعون من تعلق بالصليب" بينما امة الصلبان تعبد الصليب  و تسجد له .
  4* وضعوا صياما للحواريين، و صياما لماري مريم، و صياما لماري جرجس، و صياما للميلاد، و صياما للملك "هرقل" مخلص بيت المقدس من الفرس و اليهود، فزادوا جمعة في بدء الصوم الكبير: يصومونها لهرقل غفرانا لنقضه العهد مع اليهود و قتلهم، و نقلوا الصوم إلى فصل الربيع و زادوا فيه عشرة أيام، و ما قيمة صومهم مع صومنا في الشهر الكريم:
" شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى و بينات من الهدى و الفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه". الذي نصومه في الربيع و في الصيف و في الخريف و في الشتاء، أي عند طول النهار و قصره و عند اشتداد الحرارة و نزول البرد.
 5* كذبوا على عيسى عليه السلام عندما زعموا أنه بعد أن صلب أقام تحت التراب ثلاثة أيّام، ثم بعث بلاهوتيته من قبره،     و ليس في أمّة الصليب من ينكر هذا البهتان. و يتساءل ابن القيم رحمه الله بسخرية واضحة:
كيف كان حال هذا العالم: الأعلى و الأسفل في هذه الأيام الثلاثة و من كان يدبّر أمر السماوات و الأرض، و من الذي خلف الرّب في هذه المدّة، و من الذي كان يمسك السماء أن تقع على الأرض، عندما كان إله النصارى مقبورا؟ و يا عجبا، أيّ قبر يسع اله السماوات و الأرض؟
فسبحان الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر و سبحان الله عمّا يشركون.
و رحم الله الشيخ الجليل ابن القيم عندما خاطبهم بالأبيات التالية:


أعبّــــاد المسيح لنا سؤال
إذا مـــات الإله بصنع قوم
و هـــل بقي الوجود بلا إله
و هل خلت الطبـاق السبع لمّا
و هل عـاد المسيـح إلى حياة
و يا عجبــا لقبر ضــمّ ربّا
تعالى الله عن افـك النصـارى
نريــــد جوابه ممّن وعاه
أماتوه، فمــا هــذا الإله؟
سميع يستجيب لمن دعــاه؟
ثوى تحت التراب و قد علاه؟
أم المحيي لـه ربّ ســواه؟
و أعجب منه بطن  قد حواه؟
سيسأل كلّهـم عمّا افتـراه.
و خلاصة القول، أنّ ابليس اللعين تلاعب بأمّة النصارى كلّ التلاعب:
  • دعاهم فأجابوه، و استخفهم فأطاعوه،
  • تلاعب بهم في شأن المعبود سبحانه و تعالى،
  • و تلاعب بهم في أمر المسيح عليه السلام،
  • و تلاعب بهم في شأن الصليب و عبادته،
  • و تلاعب بهم في تصوير الصور في الكنائس و عبادتها، فبكلّ كنيسة: صورة مريم و المسيح،
  • و تلاعب بهم في أعيادهم، فكلها موضوعة محدثة حسب أهوائهم و منها عيد ميكائيل الذي سنه لهم "الكسندروس" بترك الاسكندرية عوضا عن عيد الملكة "كليوباتر" الذي تحتفل فيه لهيكل "زحل" فنقلهم من كفر إلى كفر، و عيد الصليب و هو مما اختلقوه و ابتدعوه، و حسب ما أكّده سعيد بن بترك الاسكندرية في تاريخ النصارى: أنّه كان من ميلاد المسيح إلى ظهور الصّليب: ثلاثمائة و ثمانية و عشرون سنة.
  • و تلاعب بهم في صلاتهم التي يقيمونها بدون طهارة و يستقبلون فيها المشرق، فعلماء النصارى و رهبانهم و اساقفتهم و قساوستهم قد افتروا بهتانا.
"تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدّا، أن دعوا للرحمان ولدا، و ما ينبغي للرحمان أن يتخذ ولدا، إن كل من في السموات و الأرض إلا ءاتي الرحمان عبدا"                                                             "مريم عليها السلام: 90-95"
و إني لأتوجه صادقا مخلصا لأمة المسيح عيسى بن مريم أن يتحرّروا من أكاذيب قساوستهم و أن يتركوا عقائد مجامعهم و أن يدخلوا في الإسلام و ينبذوا الإشراك بالله و كلّ الكفريات التي تأسست عليها الكنائس القبطية و الأرتودوكسية و الكاثوليكية الشرقية منها و الغربية و أن يقولوا كلمة الحق: أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله" و أن ينزهوا نبي الله عيسى من التأليه و الربوية و يعتبروه عبد الله و كلمته.
و الحمد لله وحده الذي هدانا للإسلام، و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله العزيز الحكيم. و ليكن في علم النصارى أن إرادة الخير و فعل المعروف و التقرب بالقرابين و إغاثة المنكوبين و إطعام المساكين و معالجة المرضى و رعاية المعاقين و الرفق بالمستضعفين، كل هذا لا يمنح صاحبه فرصة الدخول إلى الجنة إذا لم يرافق ذلك الإيمان بالله الواحد الأحد الذي لم يلد و لم يولد   و بكتبه و ملائكته و رسله و باليوم الآخر و بالقضاء خيره و شره.
كذلك فان الأيمان وحده، ما لم يصاحبه العمل الصالح و مساعدة البشر لا ينفع و لا يمنح صاحبه حق الدخول إلى الجنّة: فالإيمان و العمل الصالح متلازمان متكاملان. قال الله تعالى:
"قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا: الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم و لقائه، فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا، ذلك جزاؤهم جهنّم بما كفروا و اتخذوا ءاياتي و رسلي هزوا"                                                                                                                              "الكهف: 103-106"
و في ختام الكلام عن نبي الله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام اختصر ما تبثه الكنائس الشرقية و الغربية من سموم في عصرنا هذا.
إن الأناجيل المتداولة اليوم تثير لدى خبراء الديانة المسيحية الكثير من التناقض و الاضطرابات و الفضائح، و هذا ما اعترف به كبار علماء الكنيسة الغربية. و إخفاء للأخطاء و التناقضات التي تراكمت عند النصارى، فان عامة الناس من المسيحيين يكتفون ببضع فقرات " مختارة " من طرف الاساقفة و الرهبان و لا يمكنهم الاطلاع على محتويات الأناجيل كلها، لان تلك الأناجيل هي الى يومنا هذا محل تحريف و نقاش و زيادة و نقصان حسب أهداف السياسة التوسيعية الاوروبية في انحاء العالم. و يؤكد الباحثون الدارسون للكتب المقدسة بالاجماع على ان الأناجيل محرفة و لا يصح التعويل عليها بجدية.
فلا ماتي  (Mathieu)  و لا يوحنا (Jean)  تكلما عن رفع عيسى الى السماء اما لوكا [Luc] فاعتبر ان ذلك سيقع يوم القيامة ، بينما مركوس [Marc] اشار الى الرفع اشارة عابرة في كتابه Les actes des apôtres، غير ان الباحثين اثبتوا ان ذلك لم يكن من تاليفه بل اضافة من غيره .
و لتهدئة الخواطر اقترح احد كبار رجال الكنيسة القس « Roguet » في كتابه « Initiation à l’Evangile »  الذي الفه سنة 1973م ان مثل هذه المسائل لا يمكن فهمها الا اذا اغمضنا بصائرنا عن مفاهيمها الدينية و اخذنا حرفيا الوقائع دون تعمق و لا تفكّر ... و اعترف القس « Roguet » بوجود عدة حالات مشابهة لحادثة الرفع الى السماء، لم يتحدد فهمها نهائيا الى حد الان. و يقول عالم اخر : ان التركيز على تغييرات النصوص الاصلية و الاضافات التي و ضعت عبر العصور المتتالية تجعل الإنسان الباحث عن الحقيقة غير مستغرب لتناقضات الاناجيل و عدم اتفاقها حول مسائل اساسية تهم جوهر العقيدة المسيحية،      و يضيف قائلا : ان مثل هذه الملاحظات و الاختلافات بين النصوص تدل دلالة قاطعة انها ليست منزلة من السماء ككتاب المسلمين: القران المجيد. اما البروفيسور « Kanengiesser » استاذ المعهد الاعلى الكاتوليكي بباريس فانه اكد في كتابه « Foi en la Resurrection Resurrection de la foi »                   
يجب على النصارى عدم التصديق الأعمى بلأحداث المروية في الأناجيل حول المسيح، لانها الفت حسب غايات معينة و أهداف يتصارع بعضها ضد بعض.
و اقول ان اتباع "باولس" Paul قد تصارعوا مدة مائة و خمسين سنة ضد المسيحية ذات الصبغة اليهودية قبل ان ينتصروا عليها.
و من سنة 70 الى سنة 110 تألفت الأناجيل الأربعة التي صارت تعرف بالكتاب المقدس للديانة المسيحية. كما ان صفة الحواريين لا يمكن الاعتراف بها للذين كتبوا الأناجيل بسبب ثبوت عدم معاصرتهم لعيسى ابن مريم عليه السلام
اما البروفسور « Culmann » فهو يؤكد في كتابه العهد الجديد « Nouveau Testament » ان أصحاب الأناجيل ما كانوا الا مجرد متكلمين باسم الجالية المسيحية البدائية التي أسست العادات المنقولة عن طريق السمع. و اما ديوان الفاتيكان فانه يحث على الاعتقاد بان "القديسة الكنيسة" أكدت سابقا، و تؤكد على الدوام ان الأناجيل الأربعة التي نعتبرها بدون أي شك او وسوسة هي التي تحمل لنا بكل امانة ما فعله المسيح ابن الله طوال حياته بين البشر، و ما علمه لهم من اجل سعادتهم الخالدة حتى اليوم الذي رفع فيه الى السماء ......
فيتضح جليا ان الخلاف على اشده بين دولة الفاتيكان و بين علماء النصرانية الذين يؤكدون بكل وضوح ان :
...  الاناجيل هي مجموعة نصوص تتلاءم مع مختلف الأوساط المسيحية و تستجيب إلى حاجيات الكنيسة، و تنقل ما وصل أصحابها من أفكار و أخبار عن طريق الرواية المسموعة .
و في ما يلي ملخص موجز عن محتوى كل انجيل من الاناجيل الاربعة :
  • ... ان انجيل متي ينتصب في المقام الاول بالنسبة الى سلم التمييز بين كتب " العهد الجديد " ذلك انه امتداد لكتب " العهد القديم " فقد الفه ماتي للتدليل على ان المسيح "متمم لتاريخ بني اسرائيل" ذلك ما اكده الباحثون في كتاب "الترجمة المسكونية للتوراة"، "Traduction Œcuménique de la Bible"
لذلك فان " ماتي" اشار باستمرار الى ما احتواه كتاب " العهد القديم ، و يسمى عند المسلمين " العتيقة " كما حاول " ماتي " ان يبرهن ان عيسى تصرف و كانه المسيح المنتظر من طرف اليهود.
فيبدأ انجيل "ماتي" بإعطاء عمود نسب عيسى و يوصله بابراهيم مرورا بداوود ثم يتكلم عن أهم أحكام الشريعة اليهودية من صلاة و صوم و زكاة. و يعلّق البروفيسور "Tricot" على ذلك بقوله:
... تحت ثياب يونانية فان كتاب " ماتي " يهودي لحما و عظاما و افكارا.و يقول « Culmann » :
... ان انجيل " ماتي " يجتهد لقطع الصلة مع اليهودية مع ملازمة تعاليم " العتيقة" فلهجة الكتاب و محاور اهتمامه توحي بوجود حالة من التوتر....
اما الطبيب « Maurice Bucaille » فقد قال :
... ان الأوضاع السياسية ليست أجنبية عن تاليف انجيل " ماتي " فاحتلال الروم لفلسطين أجج حب اليهود للتحرر من قبضة الاحتلال، و "ماتي" ليس من معاصري عيسى رغم ما زعمه « Tricot » في ترجمته للعهد الجديد التي كتبها سنة 1960م،     و ماتي يهودي الأصل ، ألفاظه فلسطينية و أسلوبه يوناني كتب إنجيله لأناس يتكلمون اللغة اليونانية .
  • اما انجيل مركوس « Marc » فهو اقصر الأناجيل الأربعة و اقدمها، و هو ليس كتاب حواري عاصر عيسى، هو في أحسن الأحوال كتاب تابع حواري « Disciple d’Apôtre » و هو من مرافقي بيرو « Pierre » الى روما، الف كتابه حوالي سنة 70 م، و يؤكد كبار علماء الكنيسة ان خاتمة انجيل مركوس مزيفة و ليست من تاليفه ....
  • اما انجيل " لوكا " فانه عبارة عن مجموعة حكايات جمعها " لوكا " تقليدا للموذة في زمانه التي اهتمت بكتابة سيرة عيسى و سجلت الإحداث التي حفت بحياته.
و يقول خبراء المسيحية : ان " لوكا " اعتمد في تاليفه كتابي مركوس و ماتي و الف انجيله بعد سنة 80 م ، لانه عايش محاصرة و هدم بيت المقدس من طرف جيوش « Titus » سنة 70 م .
  • أما انجيل " يوحنا " فهو يختلف تماما عن الأناجيل الثلاثة السابقة في الأسلوب و في المحتوى و في سرد الإحداث     و في التعاليم الدينية. ألف "يوحنا" انجيله في اواخر القرن الاول من العهد المسيحي، و أضيفت إليه نصوص كثيرة ألّفها أتباع "يوحنّا" و من بين الفصول المضافة إلى الأصل الفصل عدد 21.
كما أنّ أجزاء كثيرة من انجيل "يوحنّا" قد و قع تغييرها، او استبدالها، الأمر الذي احدث في صفوف خبراء الكتاب المقدس بلبلة     و اضطرابا حول أصالة الإنجيل الرابع و صدق مرجعيته.
و اختلف يوحنا مع مركوس و لوكا و ماتي في مدة رسالة عيسى عليه السلام. فيوحنا أكد انها دامت أكثر من سنتين، بينما الثلاثة اعتبروها سنة واحدة. فزاد ذلك من حيرة المسيحيين.
و في مقارنة بين الأناجيل الأربعة ، أكد علماء الكنيسة ان مواضع الشبه و مواضع الاختلاف هي كالاتي :
- الآيات المتفق عليها بين ماتي و مركوس و لوكا عددها : 330،
- الآيات المتفق عليها بين مركوس و ماتي عددها : 178،
- الآيات المتفق عليها بين مركوس و لوكا عددها : 230،
- الآيات الخاصة بكتاب ماتي عددها : 330 ،
- الآيات الخاصة بكتاب ماركوس عددها : 53 ،
- الآيات الخاصة بكتاب لوكا عددها : 500 ،
و هذا ما توصلت إليه آخر الأبحاث التي قام بها كبار علماء المسيحية حول المراجع الأساسية التي اعتمدتها الأناجيل الأربعة، و هي التي تمثل مع مجموعة أخرى من كتب ما يسمى عند الكنائس الشرقية و الغربية بكتب "العهد الجديد"      و اعتبرها النصارى "كتابا مقدسا":
و توضيح الرموز هو : ( 1) : ا، ب، ت ، ج هي مراجع اساسية مجهولة للكتب الأربعة،
                        ( 2 ) : مراحل التأليف الأولى و الزيادات و النقصان،
                       ( 3 ) : الكتب الموجودة الان بعد اتفاق المجامع الكنسية عليها،
و أستطيع ان أقول ان ما وصلنا مما اتفق عليه النصارى على انه كتاب مقدس ، هو لا يمتّ باية صلة الى الإنجيل الذي انزل على عيسى ابن مريم عليه السلام من عند الله تبارك و تعالى و الذي اثبت وجوده كتابنا : القران المجيد. قال الله تعالى في محكم تنزيله:
"وقفينا بعيسى ابن مريم و ءاتيناه الإنجيل"                                                                                  "الحديد 26"
فدل هذا على ان الله تبارك و تعالى آتى عيسى عليه السلام انجيلا واحدا، لا أناجيل اربعة كما زعم علماء اليهود                   و النصارى.
و زيادة في التأكيد على تحريف النصارى للكتاب المقدس عندهم أضع بين يدي الباحث عن الحقيقة نصا للعالم الفرنسي Maurice Bucaille
« … La présence des mots Esprit Saint dans le texte que nous possédons aujourd’hui, pourrait fort bien relever d’une addition ultérieure tout à fait volontaire, destinée à modifier le sens primitif d’un passage qui, en annonçant la venue d’un prophète après Jésus, était en contradiction avec l’enseignement des Eglises chrétiennes naissantes, voulant que Jésus fut le dernier des prophètes … »                                                          
قال  الله تعالى: " و إذ قال عيسى بن مريم: يا بني اسرائيل، إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة،       و مبشّرا برسول يأتي من بعدي، اسمه: أحمد."                                                                            "الصف: 6"
و نستنتج إذا أنّ: اليارقليط هو أحمد.
و أترجم هذا النص الى العربية كما يلي :
... ان وجود كلمتي : روح القدس في الإنجيل المتداولة بيننا، من المرجح ان تكونا إضافة لاحقة مقصودة من اجل تغيير المعنى الأصلي لفقرة تبشر ببعثة نبي يأتي بعد عيسى، و هو ما يتناقض مع تعاليم و أهداف الكنائس المسيحية الناشئة، و التي تريد ان يكون عيسى هو خاتم الانبياء و الاحظ هنا ان تلك الفقرة هي التي أشار اليها الشيخ القسيس الاسباني و التي كانت سببا في انتقاله من المسيحية الى الإسلام ، كما ألاحظ ان الجراح الفرنسي Maurice Bucaille   هو الآخر قد دخل في دين محمد صلى الله عليه و سلم قبل ان يلتحق بجوار ربه علمت ذلك عن طريق عالم اسلامي يعرفه حق المعرفة.
و اني احمد الله جل جلاله و عظم سلطانه و عز شانه حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا و يرضى على ان هداني للإسلام و جعلني من امة سيد الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، و الحمد لله على ان يسر لي فهم الكثير من آيات الذكر الحكيم و حصنني من ضلال و شرك النصارى.
ان القران العظيم هو الكتاب الإلهي الوحيد الذي صمد لمكر و خبث و كيد شياطين الإنس و الجن و بقي كما نزل به الروح الأمين جبرائيل عليه السلام على خاتم الانبياء و المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم. قال الله تعالى:
" لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا، و لو شاء الله لجعلكم امة واحدة، و لكن ليبلوكم في ما ءاتاكم، فاستبقوا الخيرات، الى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"                                                                                       " المائدة : 48 "
و قال الله تعالى عن اليهود و النصارى :
"اتخذوا احبارهم و رهبانهم اربابا من دون الله، و المسيح ابن مريم، و ما امروا الا ليعبدوا الها واحدا، لا اله الا هو، سبحانه عما يشركون، يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم و يابى الله الا ان يتم نوره و لو كره الكافرون.
هو الذي ارسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون"                          " التوبة : 32-33"
و قال سبحانه :
"و ما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة، و ما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين، حنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة، و ذلك دين القيمة. ان الذين كفروا من اهل الكتاب و المشركين في نار جهنم خالدين فيها، اولائك هم شر البرية. ان الذين امنوا و عملوا الصالحات اولائك هم خير البرية، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا، رضي الله عنهم و رضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه"                                            " سورة البينة "
" يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم و لا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم و روح منه، فامنوا بالله و رسله، و لا تقولوا ثلاثة ، انتهوا خيرا لكم، إنما الله اله واحد سبحانه ان يكون له ولد، له ما في السموات و ما في الأرض، و كفى بالله و كيلا. لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله و لا الملائكة المقربون"
                                                                                           " النساء : 171-172"
لكن الضالين المضللين ازدادوا كفرا و شركا، و ملؤوا كوكب الأرض بكنائس يعبد فيها الصلبان و التماثيل و الصور    و القساوسة و الرهبان ظلما و فسادا و فسقا و طمسا للحقيقة الجوهرية و الأساسية و اقصد حقيقة التوحيد التي شهدت بها كل الكائنات ما عدى النصارى و أحزابهم .



لا إله إلا الله أوحد بها ربي،
لا إله إلا الله تتغذى بها روحي،
لا إله إلا الله ييسر بها رزقي،
لا إله إلا الله أسعد بها في قبري.
"ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، الذين آمنوا و كانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة، لا تبديل لكلمات الله، ذلك هو الفوز العظيم".

سبحانك اللهم، لا اله إلا أنت، سميع بصير حكيم عليم مالك الملك و الملكوت،
سبحانك اللهم، لا اله إلا أنت، برات بالقران عيسى من عبادة الرهبان و الكهنوت،
سبحانك اللهم، لا اله إلا أنت، طهرتنا بالتوحيد من عقائد الناسوت في اللاهوت،
سبحانك اللهم، لا اله إلا أنت ، نسالك النصر على أقوام الكفر و الشرك و الجبروت،
سبحانك اللهم، لا اله إلا أنت، نجنا بقدرتك من كل الكروب و اعنا على الصمود أمام الطاغوت،
ربنا : أنت السلام، و منك السلام، و لك حق الجلال و الإكرام. أدخلنا دار السلام بسلام يا ذا الجلال و الإكرام.

" سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين".


تم البحث في سيرة عيسى عليه السلام بين سنوات 1995 م - 2005 م.  و لله الحمد و الشكر و النعمة على ذلك..

ذو القعدة 1427هـ / ديسمبر 2006 م