عفاريت الإنس : 1-3-2
إن الذين كفروا
سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم،
وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم. و من الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر
وما هم بمؤمنين. يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون".
"البقرة: 6-9".
الفصل
الأول: شياطين الصلبان 1-3-2-1
"يا
أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود و
النصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض. و من يتولهم منكم فانه منهم. ان الله لا يهدي
القوم الظالمين".
»المائدة: «9 - 6
في هذه الفقرة
من البداية والنهاية سأكشف بعون الله تعالى عن جريمة، هي من أفظع وأعنف الجرائم
التي اقترفها النصارى في حق الإنس جميعا، تسترت عليها كتب التاريخ المدرس، ووارى
أحداثها الأليمة شياطين الفكر والحكم، أخرج تفاصيلها من رفوف المكتبات العتيقة
أديب جزائري متخصص في دراسة الحضارة الأندلسية، مطلع على جميع المآسي والفواجع
العنيفة التي روعت الأجيال الأخيرة من مسلمي الأندلس الشهيدة. عن كتاب: "
الموريسكيون ومحاكم التفتيش في الأندلس" للدكتور الجزائري عبد الله حمادي، الخبير
في الآداب الأندلسية والإسبانية والإفريقية أنقل بإيجاز وتصرف الحقائق التاريخية
المأساوية التالية التي تبرهن بصفة قطعية عن ضخامة حقد النصارى على رسول الله
سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- وعن شدة كرههم للمسلمين جميعا، وعن عمق عداوتهم
لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، في كل زمان وبكل مكان من كوكب الأرض. فأعطي بذلك
الدليل للمغفلين من أمة الإسلام على أن تأسيس الصليبيين لدولة اليهود في فلسطين
المغتصبة سنة 1948 لم يكن وليد الصدفة أو نتيجة للحرب العالمية الثانية، أو إنقاذا
للأمة اليهودية المشتتة من الإبادة الجماعية التي نسبوها لأدولف هتلر. وإنما أسست
دولة اليهود بطلب ملح من كهنوت الكنائس :أولا للتخلص من اليهود و حشرهم في
"قيتو عالمي موحد" وثانيا لتمزيق أوصال الأمة الإسلامية وتشتيت شعوبها
وتبديد قواها في حروب مرهقة تشنها الدولة اليهودية وتمولها الدول النصرانية حتى ينصرف
المسلمون عن الجهاد في سبيل الله، وكي يطول ويتجذر استعباد الكنيسة لأمة الإسلام
فيسهل عليها تنصيرها واسترداد المواقع التي فتحتها سيوف الله المسلولة. بيد أني
أعترف مسبقا عن عجز القلم واللسان والعقل – مهما اكتسبوا من البلاغة والفصاحة
والغزارة عن إعطاء صورة متكاملة ووصف شامل للمعاناة الفظيعة والمأساة الدامية
التين سلطهما أتباع الكنائس- على اختلاف طوائفها- على مسلمي غرناطة، وقرطبة،
وقشتالة، وبلنسة، وحمص، ابتداء من سنة 1492م وانتهاء بسنة 1616م. قال
الدكتور في كتابه الذي ذكرته آنفا –بأسلوب أدبي معتدل وهادئ:" … لقد أصيبت طائفة
الموريسكيين بالذهول، أمام الواقع الجديد، … وهي عبارة عن بقايا شتات لثمانية قرون
من الاندماج الكلي … ، إنهم حصيلة عصور طويلة أوجدتهم هناك. فأصبح شعورهم
بالمواطنة تجاه الأرض أكثر من شعورهم بأي انتماء آخر. ولذا فإن محاولة إبعادهم
منها تعني ببساطة محاولة اجتثاث لجذورهم من تربة واقع أوجدهم، … كما تعني محاولة
إبادة، لأنه لا خيار أمامهم سوى التشبث بما ورثوه، وما بناه سالفهم وعاقبهم، …
،هناك أيضا من المفارقات الواضحة بين الفاتحين المسلمين للأندلس والإسترداديين من
النصارى الإسبان ما يعتبر نقاطا جوهرية من حيث المضمون الفعلي المسجل على أرض
الواقع …،فالمسلون بفضل التسامح استطاعوا التغلغل في قلوب من بقوا على دينهم من
اليهود والنصارى، ممن فضلوا العيش في كنف المجتمع الإسلامي الأندلسي: يؤدون ما
عليهم من واجبات ويجنون ما يستحقون في ظل عدالة اجتماعية إسلامية …، وكان من الممكن
للمسلمين الفاتحين لما انتصروا على النصارى في إسبانيا إحلال العنف والقهر محل
التسامح، نظرا لقوتهم وغلبتهم.وفي اعتقادي أن عقدة الضعف الكبرى التي جعلت النصارى
يكرهون محمدا – صلى الله عليه وسلم- والمسلمين جميعا هي انكشاف زورهم وبهتانهم
وتأليههم عيسى وتحريفهم للإنجيل. فلقد بين القرآن العظيم بطلان مزاعمهم وأكاذيبهم
في سور كثيرة سنذكرها عندما سنتكلم –إن شاء الله تعالى عن المسيح. كما اعترف
الكثير من علماء الديانة المسيحية بأن الأناجيل المتداولة بين النصارى هي موضوعة
بعد وفاة المسيح عيسى بن مريم، ولا علاقة لها بالوحي الإلهي المبين. في هذا المعنى
يقول أحد كبار أساقفة النصارى"
Kannenguesser "من علماء بيت المقدس من فلسطين
المغتصبة:
« … Il ne faut plus prendre au
pied de la lettre les faits rapportés au sujet de Jésus par les Evangiles,
«écrit de circonstances » ou de «combat » dont les auteurs
«consignent par écrit les traditions de leurs communautés sur Jésus ».
ويقول المفكر
الفرنسي « Maurice
Bucaille » :
«…Ni Mathieu, ni Jean ne parlent de
l’ascension de Jésus . Luc la situe le jour de la résurrection dans son Evangile
et quarante jours plus tard dans les actes des Apôtres dont il serait l'auteur.
Quand a Marc, il la mentionne (sans
préciser la date) dans un final actuellement considéré comme non authentique …
L’ascension n’a donc aucune base
scriptuaire solide
Les commentateurs abordent cependant
cette importante question avec une incroyable légèreté…. »
أما ذو الجلال
والإكرام – عز وجل – فقد بين في الذكر الحكيم :
"و إذ قال
الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟قال :
سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق .إن كنت قلته فقد علمته، تعلم ما
في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ، إنك أنت علام الغيوب .ما قلت لهم إلا ما أمرتني به
: أن أعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ، فلما توفيتني كنت أنت
الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد . إن تعذبهم فإنهم عبادك، و إن تغفر لهم فإنك
أنت العزيز الحكيم "
" المائدة: 116-118"
فدل هذا القرآن
على أن الله –تعالى- قد توفى عيسى ابن مريم كما يتوفى كل يوم عددا مقدرا عنده في
اللوح المحفوظ- من معشر الإنس. وإنما الصعود والرفع وقعا للروح فقط في انتظار يوم
البعث، والله –تعالى- أدرى وأعلم بشؤون خلقه. أما عن عدم صحة الأناجيل فقد أكد « Maurice Bucaille »حرفيا:
«… De 70 à une période que l’on situe
avant 110 vont être produits les Evangiles de Marc, Mathieu, Luc, et Jean. Ils
ne constituent pas les premiers documents chrétiens fixés :
les apôtres de Paul leur sont bien
antérieurs … »
« Selon O. Culman, Paul aurait
rédigé en 50 son épître aux Thessaloniciens. Mais il avait disparu sans doute
depuis quelques années lorsque l’Evangile de Marc fut achevé … »
« …Les Evangiles forment un tout
plus, d’un siècle après la fin de la mission de Jésus et non pas de très bonne
heure … »
« …La traduction œcuménique de la
bible évalue aux alentours de 170 la date à laquelle les quatres Evangiles ont
acquis le statut de littérature canonique … »
أما
ضلال وظلم وشرك السلطة الباباوية العليا فيبرز جليا من القرار الصادر عن مجامع
الكنائس في مداولاتها بين 1962 و 1965 الذي أنقل منه ما يلي –وأعوذ بالله تعالى-
من كفرهم وشركهم:
« …Notre sainte mère l’Eglise a
tenu et tient finalement et avec la plus grande constance, que ces quatre
Evangiles dont elle affirme sans hésiter l’historicité, transmettent fidèlement
ce que Jésus le fils de dieu (وأستغفر الله من كذبهم ) durant sa vie parmi les hommes a
réellement fait et enseigné pour leur salut éternel, jusqu’au où il fut enlevé
au ciel… ».
فكذب هؤلاء
المشركون ودليل كذبهم هو قول الله تعالى من سورة الإخلاص: "قل هو الله أحد،
الله الصمد،لم يلد ولم يولد
".
« … Les auteurs sacrés (Marc,
Mathieu, Luc, Jean) composent donc les quatre Evangiles de manière à nous
livrer toujours sur Jésus des choses vraies et sincères ».
توسعت عن قصد
في الكشف عن ضلال الصليبيين وشركهم كي لا نتعجب مما سأذكره –إن شاء الله تعالى- من شدة بطشهم وقسوة
تسلطهم على المسلمين. فالنصارى الذين استردوا الأندلس وفتكوا بالمسلمين فتكا فظيعا
وأبادوهم أفرادا وجماعات، لا يتصفون بشيء من القيم الخالدة التي سادات الأندلس
في العهد الإسلامي. فقبل تشريد الأندلسيين سنّ شياطين الصليب تشاريع ظالمة وقوانين
جائرة بالاتفاق مع ملوك البطش والعنف وبقيادة "فرسان الصليب
المقدس". فرضوا الرقابة المستمرة من حول المسلمين وحاولوا تنصيرهم وإدماجهم
قهرا باستعمال كل أساليب التعذيب والإرهاب والاضطهاد والإهانة من تجويع وحرق
واستبداد واستعباد ودوس للأعراض وتعد على المحارم والحرمات، وتدنيس للمقدسات.
واستمرت هذه الحملة الضارية الفظيعة ضد ما تبقى من مسلمي الأندلس أكثر من 120 سنة،
وبالتدقيق من سنة 1492م إلى سنة 1616م. فإذا حولنا أنظارنا- في ذلك الزمان بالذات-
إلى البلاد الإسلامية الأخرى، نلاحظ أن الجيوش البريطانية قد بدأت هي الأخرى
هجومها العنيف على الشعوب الإسلامية المتاخمة للمحيط الهندي، و أن الجيوش القيصرية
الروسية هاجمت البلاد الاسلامية في أسيا و سيبيريا في أ قاسي الأرض و ضمها
الى روسيا و من أغرب الغرائب أن الروس الذين فككوا الامبراطورية الشيوعية قد فرضوا
على الشعوب الاسلامية التي ترزخ تحت سيطرتهم : رؤساء شيوعيين و معلوم
بالضرورة أنهم فعلوا ذلك ليس حبا في الشيوعية (فقد مزقوها كل ممزق ولكن
للتصدي للعقيدة الاسلامية وضعافها في بلاد كانت معدنا من معادن عمالقة البشرية في
شتى ميادين العلم و المعرفة). وأن الجيوش البرتغالية قد فتكت بعد بالسواحل
الإفريقية الغربية والجنوبية المتاخمة للمحيط الأطلسي، واختطفت أكثر من 60 مليون
إفريقي مسلم، ثم باعتهم إلى شياطين البطش والتوحش الذين تهافتوا على نهب خزائن
الذهب الجديدة التي اكتشفوها قي القارة الجديدة: قارة الشياطين. وأثبتت المدونات
النادرة التي أمكن الإطلاع عليها أن محاكم التفتيش النصرانية التي انتصبت في
الأندلس قد عاثت فسادا، فمنعت التحدث بالعربية لأنها أولا لغة القرآن العظيم،
ولأنها ثانيا هي التي تقوي في الإنسان القيم البشرية الرفيعة من علو
الهمة وحسن الأخلاق، وثبات على الحق، وتصد للباطل، وهي أيضا لغة القوة والشجاعة
والحرية والعدل والتوحيد. كما حجروا على المسلمين ارتداء ملابسهم
الأندلسية، وصدوهم عن امتلاك، أو الذهاب إلى الحمامات، ومنعوهم من إقامة الأعياد
والاحتفال بالأفراح، وفرضوا عليهم إبقاء المنازل مفتوحة بالليل والنهار، كي
يتمكنوا من تفتيشها ونهبها والاعتداء على الحرمات. و منعوهم من إقامة الصلوات التي
فرضها الله تعالى على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. و منعوهم من حمل أسمائهم
العربية وفرضوا عليهم أسماء نصرانية، وكانوا قد حملوها كابر عن كابر مدة طويلة.
غير أن تلك القوانين الجائرة والإجراءات الظالمة قد فشلت فشلا ذريعا في تحقيق
أهدافها. مما أجبر شياطين النصارى على المرور إلى درجات "سلم ريشتر"
العنيفة المدمرة، فزلزل المسلمون زلزالا رهيبا، من أعنف و أفظع زلازل التاريخ كله. وخيّر الأندلسيون
بين أمرين لا ثالث لهما: إما الحرق، وإما نهبهم وتشريدهم إلى إفريقيا من حيث
أقدم أجداد أجدادهم، منذ ما يزيد عن ثمانية قرون. واستبد بالأندلس البطش الرهيب والظلم
الفظيع والرعب الشديد والحقد اللامحدود بين بني آدم. لكن إصرار النصارى على إبادة
اللغة العربية أوقع الصليبيين في صراع مباشر مع شيوخ القرآن العظيم وعلماء الأندلس
وشعرائها الأبطال، مما اضطر ملك إسبانيا إلى المكيدة والغدر ضد شيوخ الإسلام. فأعطاهم مهلة 10
أعوام لترك اللغة العربية والدين الإسلامي والتقاليد العربية بصفة نهائية، والدخول
في دين النصارى. فسجل التاريخ بأحرف من نور صمود المسلمين وتصديهم القوي لنصارى
أروبا. فسجلت محاضر محاكم التفتيش عينات رائعة من صلابة الإيمان ورباطة الجأش
وشموخ الروح وسمو العقل. تجلى كل ذلك في ثبات المجاهد الأندلسي الجليل:
"ميقال موسى"، « Muguel Muza » رحمه الله رحمة واسعة. فقد أصدرت في حقه محاكم الظلم النصرانية قرارا
بالإعدام حرقا عام 1573م وكان البطل فقيها جليلا وشيخا فاضلا من شيوخ الإسلام
بالأندلس، لا يتحدث ولا يكتب إلا بلغة القرآن العظيم، وكان له أبناء فرض عليهم-
كغيرهم من أطفال الأندلسيين- الالتحاق الإجباري بمدارس النصارى، كي يتنصروا فيها
ويعبدون الصليب من دون الله ظلما وبهتانا، ويتعلموا اللغة القشتالية، فأخرج شيخنا
الجليل أبناءه من تلك المدارس الصليبية وانكب على تعليمهم اللغة العربية وتحفيظهم
القرآن العظيم في بيته. وكان يجتمع إليه كثير من الرجال خلسة ليتعلموا منه الدين
الإسلامي الحنيف. فأدرك الصليبيون خطورة القرآن ولغته على مقصدهم الذي يرمي إلى
استرداد إسبانيا وتنصيرها بتمامها وكمالها، فأصدروا قرارهم: "… إن الذين
اعتنقوا المسيحية عليهم أن يتخلوا عن اللغة العربية إجباريا وفوريا حتى لا يكونوا
موضع شبهات وتشكك في عقيدتهم الجديدة، فاعتبروا أن اللغة العربية تشكل حاجزا قويا
أمام تنصير المسلمين (ولقد أصابوا في هذا الاعتبار) ثم تتالت قرارات القهر والظلم
والاضطهاد حتى اعتبرت محاكم التفتيش ما تبقى من شيوخ الإسلام وحفظة القرآن وعلماء
العربية هم الأعداء الذين يجب الفتك بهم قبل إبادة عامة المسلمين.ثم تدرجت الأوامر
الملكية –نحن الآن في عهد ملوك التوحش والجبروت- نحو المزيد من العنف والإجرام
والإرهاب فاعتبروا مجرد كتابة أي وثيقة بالعربية هي جريمة في حق المملكة الإسبانية
والكنيسة الفاسقة حتى ولو كانت هذه الوثيقة مجرد عقد ملكية، أو زواج، أو بيع، مما
سمح لشياطين الكنيسة بانتزاع كل الكتب العربية من أصحابها، حتى ولو كانت كتبا
أدبية، أو فلسفية، أو علمية، مما سمح للأعاجم بتقدمهم الصناعي والفكري فيما يسمى
بعصور النهضة الأروبية" La
renaissance "،
فنهبوا العلوم والفلسفة والأدب، فاعتمد "كوبرنيك" على عالم طليطلة
إبراهيم الزرقالي في أبحاثه الفلكية، واعتمد "قاليلي" على البيروني في
دراسة الحركة الكونية، واعتمد "استيفنسن" على ابن طفيل في الفلسفة،
فقصة
Robinson crusoé هي ترجمة حرفية لقصة يحيى
بن يقظان، واعتمد "ديكارت" على الكندي في المنطق، واعتمد
"موليار" على الجاحظ في المسرح الهزلي، واعتمد "لافنتين" على
ابن المقفع في الحيوانات، واعتمد "كولومبس" على خرائط الشريف الإدريسي
وكتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" في رحلته نحو أمريكا، واعتمد
"درون" على ابن خلدون في النشوء والارتقاء، غير أن ابن خلدون لم يزعم ما
زعمه "دارون" من أن أصل الإنسان قرد واختلس عالم الرياضيات الإيطالي « Fermat » المعادلة:
an + bn = cn التي لا تتحقق إلا إذا كان: ، ولكنه لم
يفهم دليلها، فبقيت إلى يومنا هذا بدون دليل، لأن محاكم التفتيش أحرقت المخطوطات
العربية في السبعيناث من القرن العشرين المسيحي، أقيم متحف للفلكي البولوني كو
برنيك مؤسس علم الفلك فوجدوا من بين المراجع الثي اعتمدها في تأسيس نظريته مخطوطا
لفلكي عربي يدعى : ابن الشاطر، أسس فيها قبل كوبرثيك بمائة و خمسين عاما
نظرية دوران و الكواكب في المنظومة الشمسية حول الشمس والقائمة طويلة وعريضة.
وأحسن دليل على ذلك هو وفود المسيحيين من رجال الدين وغير رجال الدين من جميع
أنحاء أوروبا المسيحية إلى قرطبة، أو طليطلة، أو إشبيلية، طلبا للعلم، وقد شكا أحد
المسيحيين من نتيجة هذا الإغراء والانبهار بالعلوم الإسلامية فقال: "وا
حسرتاه ! إن الشبان المسيحيين الذين اشتهروا بمواهبهم العقلية لا يعرفون علما
ولا أدبا ولا لغة غير علوم العرب و آدابهم ولغتهم. فهم يقبلون في نهم على دراسة
كتب العرب ويملؤون بها مكتباتهم وينفقون في سبيل جمعها أموالا طائلة، وهم أينما
كانوا يتغنون بمدح علوم العرب". غير أننا في سنة 2000م لا يصح هذا القول إلا
إذا وضعنا في مكان المسيحيين: المسلمين وأضفنا نقطة فوق حرف العين فتصير غينا في
كلمة العرب. وفي مكان قرطبة واشنطن وأوروبا. ولو استيقظ الأندلسيون من مرقدهم
البرزخي لاستنكروا إسلامنا وعروبتنا و اعتقدونا من الأعاجم. لأن المسلمين في عهدهم
كانوا هم السادة وكان الأعاجم هم المستضعفين ومن القوانين التي أفرزتها الأزمنة
الغابرة هي أن العنف يولد العنف. فاحتقر شيوخ الأندلس محاكم التفتيش، فاستشهدوا في
سبيل الله تعالى، وتمسكوا بعقيدة الإسلام وتكلموا بالعربية، وحافظوا على تقاليدهم
الإسلامية، وتفاخروا بإثبات التهمة من حولهم، فأرغموا محاكم النصارى على إصدار أمر
الحرق في حقهم طلبا للشهادة وإيمانا راسخا بقول الله تعالى من سورة آل عمران: "ولا
تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون". " 169 :
"
فما أن تقدم
لهم التهمة للمصادقة عليها في ساحة الحرق، حتى يتلقفونها ويمضون عليها بلغة القرآن
العظيم، ثم يهتفون في وجوه النصارى وحشود الرهبان وعامة الناس بمفتاح الجنة
"لا إله إلا الله، محمد رسول الله". فيزيد ذلك من حقد النصارى وغضبهم
وبغضهم ويسارعون بإلقاء المسلمين أحياء وسط النيران المستعرة، فكانت محارقا أبشع
وأفظع وأشد وطأة من محارق الألمان التي أحرقوا فيها جثث الموتى في الحرب العالمية
الثانية خشية انتشار الأوبئة والجراثيم الخبيثة، والفرق كبير بين محارق النصارى
التي يرمون فيها المسلمين أحياء وسط النيران الملتهبة وبين محارق الألمان التي
أحرقوا فيها جثث البشر لكثرة الموتى وعدم اتساع الوقت لدفنها من شدة القصف الجوي
الإنقليزي والأمريكي على جيوش ألمانيا. وهذا لا يعني أبدا أني أبرئ الألمان من
جرائمهم ضد البشرية التي ارتكبوها في الحرب الكونية الثانية والتي سأتناولها –إن
شاء الله تعالى- في فقرة لاحقة من هذا الكتاب. وإضافة للمسلمين، أحرق النصارى آلاف
المصاحف والكتب والمخطوطات الإسلامية الثمينة والتي لا تقدر بثمن، ويكفيني القول
بأن القليل منها الذي نجا من همجية النصارى ووحشيتهم قد كان سببا في نهضة أروبا
وأمريكا وبلوغ ما هي عليه الآن من القوة والحداثة والتطور. وكان كل ذلك من أجل
تكريس ظلمات الجهل والتعصب التي تخندق في سراديبها "فرسان الصليب
الملعون" منذ أقدم العصور. »والسماء ذات البروج و اليوم الموعود و شاهد
و مشهود،قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود ،اذ هم عليها قعود ،وهم على ما
يفعلون بالمؤمنون شهود ،وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ، الذي
له ملك السماوات والأرض والله على كل شيئ شهيد
« .
)البروج (9-1:
»قتل أصحاب
الأخدود « أي لعن أصحاب الأخدود وجمعه : أخاديد وهي الحفر في الأرض٬
وهذا خبر من قوم من الكفار عمدوا إلى من عندهم من المؤمنين بالله عز وجل فقهروهم
وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا عليهم، فحفروا لهم في الأرض أخدودا، وأججوا فيه
نارا٬ وأعدوا لها وقودا يسعرونها به، ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم، فقذفوهم فيها،
ولهذا قال تعالى : » قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود ،اذ هم عليها
قعود ،وهم على ما يفعلون بالمؤمنون شهود « . أي مشاهدون لما يفعل
بأولئك المؤمنين٠ قال تعالى »:وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله
العزيز الحميد « أي وما كان لهم عندهم ذنب إلا إيمانهم بالله »
العزيز « الذي لا يضام من لاذ بجانبه، »الحميد « في جميع
أقواله وأفعاله وشرعه و قدره.
وهذه الآيات
تنطبق على ما فعله شياطين الصلبان بالمسلمين في الأندلس الشهيدة و قد قدم الإخبار
عن تلك الجريمة قبل وقوعها بنحو تسعمائة سنة٠ وبحلول سنة 1609م قرر ملك إسبانيا
تشريد الأندلسيين إلى الضفاف الجنوبية من بحر الروم (المتوسط) وحرق من يعترض منهم
على ذلك الأمر الفظيع الجائر، الذي لا يقرره إلا أمثاله من شياطين الحكم والتجبر.
فلم يسجل التاريخ قبل ذلك أشنع وأعنف وأفظع من الوسائل الجهنمية التي استعملها
الإسبان في إرغام الأندلسيين على الهجرة إلى إفريقيا الشمالية، وما نتج عن ذلك من
تجريدهم من كل ممتلكاتهم على شتى اختلافها وإستعمال تلك الأموال المحجوزة في
حملاتهم الإستعمارية ضد المسلمين و في تجهيز كولومبس لاكتشاف قارة الشياطين ثم
الإستيلاء على كل أمريكا الجنوبية وهي مازالت مقيدة باسبانيا في كل الميادين
الفكرية منها والمادية. فإذا كانت دولة اليهود تطالب اليوم بحقوقها التاريخية من
النيل إلى الفرات، فإننا نحن عرب شمال إفريقيا، تحق لنا المطالبة الشرعية بقرطبة
وغرناطة وطليطلة وإشبيلية وبلنسة وأرغون وحمص وغيرها من أرض الأندلس الشهيدة. ولقد
صاحب هذه المأساة البشرية الكبرى عذاب أليم وشقاء شديد وحرمان فظيع وظلم بغيض
واستبداد عنيف، ووقع كل ذلك –لا لجرائم اقترفوها- وإنما لأنهم كانوا يعبدون الله
الواحد الأحد، الذي لا إله غيره ولا معبود بحق سواه، ولأنهم آمنوا بما جاء
به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. لكن التاريخ الحديث اعترف مرغما أن أولئك
المشردين المعذبين هم أحفاد الذين أضاؤوا العالم بقناديل العلم وشموع المعرفة
ومصابيح الفكر. هم أحفاد الذين بددوا دياجير الظلام وأنقذوا الأعاجم من تيه الضلال
ووحشية الجهل. فهؤلاء المجاهدون العمالقة هم أحفاد ابن حزم وابن رشد وابن خلدون
وابن الهيثم وابن طفيل وابن رشيق وابن الشاطر وابن سينا وابن بطوطة و ابن زيدون
وكثير من جهابذة الأدب والفلسفة والسياسة والطب والحساب والمنطق والجغرافيا
والفلك، هم بعبارة مختصرة أركان الحضارة البشرية وأسس نهضتها المعاصرة الحديثة.
انتصرت الصليبية الحاقدة على المسلمين في إسبانيا، فتهاوت بعد ذلك كل البلاد
الإسلامية من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، وما كان يمكن حصول تلك الهزيمة
الثقيلة التي نعاني من آثارها حتى اليوم لولا خيانة شياطين الحكم وغدرهم ولولا
تقاعسهم عن رعاية الأمة الإسلامية ولولا استطابة السلاطين مضاجع النساء وإيثارها على
ساحات الوغى، ولولا عبثهم وتفريطهم فيما جاهد من أجله علي ابن أبي طالب وسعد بن معاذ
و معاذ بن جبل و سعد بن عبادة وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي
وقاص وطارق بن زياد ويوسف بن تشفين وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم من سيوف الإسلام
التي سلها الله –عز وجل – على الكفار والمشركين والمغضوب عليهم والضالين
والمنافقين في كل مكان من كوكب الأرض.
ولقد عبر الفيلسوف الأندلسي ابن رشد رحمه الله عن خيبة
أمله في ملوك الأندلس المتخاذلين ببيتين من الشعر قال فيهما:
مما يزهدني في
أرض
أندلـس
أسماء معتصم فيها و معتضـــد
ألقاب مملكة في
غير
موضعها
كالهر يحكي انتفاخا صورة الأسد
أما التهمة
التي وجهها شياطين إسبانيا إلى المجاهدين في الأندلس فهي دائما:" الخيانة
العظمى"، أي حسب ما قرره النصارى واتفقت عليه كنائسهم: " عداوة الإيمان المقدس"
والذي يعني حسب شعائرهم الفاسدة: "تأليه عيسى وتقديس الصليب والكذب على الله
تعالى كذبا غليظا. وأما الديباجة التي زخرفوا بها تلك التهمة فتتمثل في عدم اعتراف
المجاهدين بالأوصياء على الديانة المسيحية من قساوسة وأساقفة ورهبان وكهنة، وعدم
طاعة الظل الممدود على الرعية، والذي جسدته الكنيسة في شخص الملك من طرف أوصياء
إبليس اللعين على الأرض، عليهم لعنة الله الدائمة المستمرة إلى يوم القيامة. فخرج
من نجا من الأندلس بعد أن قهروا ويئسوا من عدالة "دون فرديناند الثالث"
قبح الله روحه إلى أبد الآبدين. ولما هموا بمغادرة إسبانيا المشؤومة ارتدوا أفخر
ثيابهم الإسلامية وتكلموا بالعربية وهللوا وكبروا ووحدوا الله وابتهجوا بالهجرة
إلى أرض أجداد أجدادهم ليواصلوا عبادة الله وحده، رغم ما كابدوه من بطش وظلم ونهب
أثناء عبورهم البحر، ورغم ما واجهوه من صدود وخشونة استقبال عند حلولهم بأرض
البربر بإفريقيا. وعن عنف الصليبيين قال الأمير "شكيب أرسلان" نقلا عن
كتاب "الإسلام في إسبانيا" للمؤرخ " ستانلاي لانبول": "…
إن الكاردينال كسيميناس" من رؤساء الكنيسة جنح إلى العنف والإكراه، وأساء
معاملة المسلمين وحمل الملكة "إيزبلا" على ما بقي نقطة دهماء في تاريخ
حياتها من اضطهادهم واستعبادهم وإكراههم على التنصر. فأغوى "كسيميناس" الملكة حتى
أصدرت أمرها بإكراه المسلمين على إحدى الخطتين: الجلاء أو النصرانية …، فأغلقت
المساجد و أحرقت الكتب التي هي ثمرات القرون وزبد الحقب، وأذيق المسلمون العذاب
أشكالا وألوانا، ففضل عامتهم فراق دينهم على فراق أوطانهم. ومضى على سقوط غرناطة
نصف قرن والبغض دفين في القلوب، والمسلمون المتنصرون يعمدون أولادهم ظاهرا، فإذا
انصرف القسيس مسحوا عن الولد ماء المعمودية، وإذا تزوج أحد الموريسكيين (وهو اسم
لبقايا المسلمين في الأندلس) أجرى القسيس عقد إكليل، ثم بعد ذهابه عقدوا النكاح
بحسب السنة الإسلامية، ولم تلبث الأوامر أن صدرت بإكراه الموريسكيين على ترك
ألبستهم المخصوصة بهم ولبس الثياب الإسبانية، وحظر عليهم الغسل ودخول الحمامات
منعا للطهارة التي بدونها تبطل صلاة المسلم. ثم منعوهم من التكلم بالعربية
وأجبروهم على تغيير أسمائهم بأخرى إسبانية، فلما اعتلى عرش الحكم " فيليب
الثاني" تشدد هذا في تنفيذ الأوامر في حق المسلمين، فهدم حمامات الحمراء
البديعة من أجل منع النظافةو عن مؤرخ انقليزي يبحث منذ أحداث هزيمة المسلمين في
الأندلس قال:من جملة القوانين التي سنها فردينوند وايزيلا اجبار ما ثبقى من
المسلمين على أكل لحم الخنزير و تعليق قطع منه في مداخل المنازل و في الشرفات التي
يتركونها مفتوحة ليلا و نهارا على ذمة ما عرف في تاريخ النصارى الاسود بشرطة لحم
الخنزيرومنذ اكثر من خمسمائة عام و الاسبان يفرحون و يمرحون بذكريات انتصارهم على
الاندلسيين و مازالوا يحتفلون بالمحارق و المذابح التي كان من ضحاياها اكثر من
سبعمائة الف مسلم .(المصدر: بحث بثته قناة الجزيرة القطرية تحت عنوان"شواهد
التاريخ" الاثنين 2005-12-13 م) .
وأتى
"الدون جون الاوسترى" من الفظائع، ما بخلت بأنداده كتب الوقائع، فذبح
النساء والأطفال وأحرق المساكن ودمر البلاد، وكانت علامته:"لا هوادة"، فانتهى الأمر بإذلال ما تبقى من مسلمي
الأندلس، وأهلك الإسبانيول من بقية العرب هناك خلقا كثيرا ووقع الذين نجوا من
الحرق والموت في الرق والعبودية، وسيقوا مماليكا وعبدانا وشرد الكثير منهم، فتناقص
عددهم. فلما غادر الإسلام إسبانيا إنكسفت شمسها وتسلط نحسها وزال سعدها. وإن فضل
مسلمي الأندلس ليظهر في همجية قوم الإسبانيول وتأخرهم في الحضارة، وسقوط هذه الأمة
في سلم الاجتماع بعد أن خلت ديارها من الإسلام". انتهى نقل الأمير شكيب عن
المؤرخ الأنقليزي: "استانلاي". وقبل سقوط الأندلس كان ملوك أوروبا
يرسلون البعثات إلى الأندلس لتعلم العلوم والفنون الأندلسية ومنهم على سبيل المثال
ملك أنقلترى الذي أرسل بعثة من بنات الأشراف وعلى رأسهن الأميرة" دوبانت"
ابنة أخيه إلى خليفة الأندلس، وقال له: " أردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه
الفضائل، لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم، ونشر نور العلم في أنقلترى التي يحيط
بها الجهل من أركانها الأربعة". وأذكر أن هذا الكلام صادر عن "جورج
الثاني ملك أنقلترى". ويقول الدكتور" كورت زاكس" أستاذ تاريخ
الآداب الموسيقية في جامعة برلين بألمانيا: "… من الثابت أن جميع آلاتنا
الموسيقية مصدرها الشرق، وقد انتقلت منه إلى أوروبا بأكثر من طريقة". وقال
الكاتب الأنقليزي "جيمس بيرك" في كتابه "عندما تغير العالم":
"استمر تدفق طلاب العلم على إسبانيا في طوفان منتظم، فاستقر بعضهم هناك،
وتفرغ آخرون لترجمة النصوص التي كانوا يبحثون عنها، ثم عادوا مرة أخرى إلى بلادهم
في الشمال. غير أن الجميع قد أصابهم الذهول من تلك الحضارة التي وجدوها في
الأندلس. فقد وجدوا في إسبانيا مجتمعا ثقافيا على درجة عالية جدا من التفوق
بالمقارنة مع مستوى المجتمع الثقافي في بلادهم، مما ترك لديهم إحساسا بالغيرة من
الثقافة العربية التي ظلت تؤثر في الفكر الغربي مئات السنين". "ترجمة:
ليلى الجبالي". ولقد كشف أشهر علماء الجغرافيا في القرن الثالث عشر مسيحي:
محمد بن محمد الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" الذي
أشرت إليه سابقا، عن رحلة قام بها رجال عرب في محاولة لاختراق المحيط الأطلسي قبل
رحلة "كريستوف كولومبس" التي اكتشف فيها القارة الأمريكية بقرون سماها
" الإدريسي" رحلة المغررين وملخصها كما يلي: " … ومن مدينة لشبونة كان خروج
المغررين في ركوب بحر الظلمات، ليعرفوا ما فيه و إلى أين انتهاؤه …، وذلك أنه
اجتمع ثمانية رجال، كلهم أبناء عم، فأنشأوا مركبا حمالا، وأدخلوا فيه من المياه
والزاد ما يكفيهم لأشهر، ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح الشرقية، فجروا بها
نحوا من 11 يوما، فوصلوا إلى بحر غليظ الموج كدر الروائح، كثير القروش، قليل
الضوء، فأيقنوا بالتلف …، فردوا قلاعهم في
اليد الأخرى، وجروا في البحر ناحية الجنوب 12 يوما، فخرجوا إلى جزيرة الغنم، وفيها
من الغنم ما لا يأخذه حد ولا حصر، وهي سارحة لا راعي لها، ولا ناظر إليها. فقصدوا
الجزيرة ونزلوا بها، فوجدوا عين ماء جارية وعليها شجرة تين بري، فذبحوا من تلك
الغنم فوجدوا لحومها مرة، لا يقدر أحد على أكلها، فأخذوا من جلودها …، وساروا مع
الجنوب 12 يوما إلى أن لاحت لهم جزيرة، فنظروا فإذا فيها عمارة وحرث، فقصدوا إليها
ليروا ما فيها، فما كان غير بعيد حتى أحيط بهم في زوارق هناك، فأخذوا وحملوا في
مركبهم إلى مدينة على ضفة البحر، فأنزلوا بها في دار، فرأوا رجالا شقرا زعرا،
شعورهم سبطة، وهم طوال القدود ولنسائهم جمال عجيب. فاعتقلوا في بيت ثلاثة أيام، ثم
دخل عليهم في اليوم الرابع رجل يتكلم باللسان العربي، فسألهم عن حالهم وفيما
جاءوا، وأين بلدهم، فأخبروه بكل خبرهم، فوعدهم خيرا، وأعلمهم أنه ترجمان الملك.
فلما كان اليوم الثاني، أحضروا بين يدي الملك. فسألهم الملك، فأخبروه بما أخبروا
به الترجمان بالأمس، من أنهم اقتحموا البحر ليروا ما به من الأخبار والعجائب،
ويقفوا على نهايته، فلما علم الملك ذلك ضحك وقال للترجمان: أخبر القوم أن أبي أمر
قوما من عبيده بركوب هذا البحر، وأنهم جروا في عرضه شهرا إلى أن انقطع عنهم الضوء،
فانصرفوا من غير حاجة ولا فائدة تجدى …، ثم صرفوا إلى موضع حبسهم إلى أن بدأ جري
الريح الغربية فعمر بهم زورقا، وعصبت أعينهم وجري بهم في البحر برهة من الدهر، قال
القوم: قدرنا أنه جري بنا ثلاثة أيام بلياليها حتى جيء بنا إلى البر، فأخرجنا
وتركنا بالساحل، … وهو المرسى الذي في أقصى المغرب". ويقول المؤرخون أن "كريستوف
كولومبس" لم يكن يجهل هذه الرحلة واستنتج منها أن خلف بحر الظلمات توجد
شواطئ. ولقد اعترف أحد كبار علماء أكاديمية العلوم الروسية بموسكو سنة 1990م بما
يدعم اقتناعي العميق بأن علوم المسلمين هي التي كانت قاعدة الانطلاق للنهضة
الأوروبية، فقد قال المستشرق " أليكس جورافسكي" في كتابه: "الإسلام
والمسيحية" الذي ترجمه الدكتور خلف محمد الجراد من الروسية إلى العربية ما
يلي: " … وبشكل عام، فإنه خلافا للموقف الإسلامي الهادئ وحتى اللامبالي، كان
موقف المسيحيين الغربيين من الإسلام انفعاليا وغير متسامح روحيا. لأن الإسلام كان
في تصورهم "تحديا" تطلب ردا ومقاومة واهتماما دائما به. وإنه من أجل
إدارة الصراع بنجاح مع عقيدة هذا المنافس –الخصم- القوي و الخطير، لا بد من
دراسته. وقد ظهر الطراز الأولي من الدراسات الإسلامية الكلاسيكية كخطاب غربي حول
الإسلام وبدءا من القرون الوسطى. حتى أن "التخصص" في الإسلام أو في
"الإسلاميات" أصبح جزءا عضويا من العلم ومن الإيديولوجية وثقافة المجتمع
الأوروبي فتاريخ الإسلاميات ليس عبارة عن تتال متوارث لمدارس واتجاهات، استدعت
ظهورها بواعث اجتماعية خارجية … الحديث يدور هنا حول عملية متصلة متحدة مع
القوانين الأولية الداخلية لهذا التخصص …،
فالحياة الجميلة التي غرسها المسلمون في إسبانيا واطلاعهم المعرفي الأكثر شمولية
كل ذلك لفت اهتمام الناس في النصف الثاني من القرن العاشر للميلاد بدراسة العلوم
العربية مثل "هربرت الكاتلوني" الذي أصبح لاحقا "بابا" للكنيسة الكاثوليكية
العالمية باسم: "سلفستر الثاني" (ما بين 999م و 1003م) الذي اشتغل في الكاتالونيا بعلوم
الرياضيات والفلك عند العرب، وترجم إلى اللاتنية كتبا عربية كثيرة …، والكتاب الذي
يؤلف في الشرق الإسلامي سرعان ما يصبح في متناول العلماء والدارسين الغربيين
بواسطة المترجمين اليهود، حيث ينتظره مئات القراء في الأندلس، وفي إيطاليا، وفي
باريس، وفي مدن إقليم "بروفانس" …، والحقيقة أنه لا بد من الإشارة هنا
إلى الطابع الانتقائي للترجمات آنذاك، فمن بين أكثر من مائة مصنف مهم، ترجمت في
ذلك العصر من العربية إلى اللاتينية، فإن الأكثرية المطلقة شملت مؤلفات علمية
وفلسفية وضعها مؤلفون مسلمون. وقد حظيت بتقدير عال بالدرجة الأولى مؤلفات
الخوارزمي، والبتاتي، والفرغاني، والرازي، والكندي، والفرابي، وابن سينا، وابن
رشد، والغزالي…. وظهرت في إسبانيا ترجمات منظمة ودورية من العربية بدءا من النصف
الأول للقرن الميلادي الثاني عشر. وقد قام بهذه المبادرة مطران طليطلة
"رايموند" وفي طليطلة أيضا اشتغل مترجمون مهرة، مثل "دومنقوجنديسالين"
وابن داود (وهو يهودي تنصر واعتنق المسيحية)، وجيراردوا داكريمونا، وألفريد
الإنقليزي، ويوحنا الطليطلي. وضمن هذا الاهتمام ترجم يوحنا الطليطلي مؤلفات ابن
سينا في المنطق، وفي الفيزيقا، وفي الميتافيزيقا، وفي مسائل الروح. وقام
"دمنقو جنديسالين" بالاشتراك مع يوحنا الطليطلي وسليمان اليهودي بترجمة
مؤلفات الغزالي وابن جبريل. أما "جيرارد الكريموني" فقد ترجم مؤلفات
الكندي والفرابي حول "العقل" … والحقيقة الموضوعية تستوجب القول: إن
نفوذ" أرسطو" المتعاظم بدءا من النصف الثاني من القرن الثالث عشر
للميلاد في علم الكلام المسيحي الأروبي، إنما جاء بفضل الشعبية الهائلة لمؤلفات
الفيلسوف العربي القرطبي ابن رشد. وفي سنة 1949م أصدر المستشرق الإيطالي
"إينريكو تشيرولي" كتابا بعنوان:" المعراج ومسألة المصادر العربية-
الإسبانية للكوميديا الإلهية" وتدعيما لرأيه في هذا المجال ضمّن "
تشيرولي" كتابه هذا: الترجمة اللاتينية والفرنسية القديمة لأحد نماذج المعراج
الإسلامي، الذي قام بترجمته في سنة 1264م من العربية إلى القشتالية الطبيب اليهودي
"إبراهيم الحكيم" وبذلك أيد "تشيرولي" فكرة" بلاثيوس"
عضو الأكاديمية الملكية الإسبانية في احتمال نقل " بروتينو لاتيني" لـ:
"دانتي" معلومات تفصيلية من قصة الإسراء والمعراج". وحسب رأي "البروفيسور
أليكسي جورا فسكي" فإن أسباب التصدي العنيف للإسلام من طرف اليهود والنصارى
–منذ فجر القرن السابع مسيحي وإلى يومنا هذا، ترجع إلى أن الإسلام من وجهة نظر
المسيحية الغربية يتسم بخلفية إشكالية لا هوتية عميقة، حيث ظهر في أوائل القرن
السابع ميلادي في محيط تميز بتأثره الروحي بالتقاليد اليهودية – المسيحية، مؤكدا
من ناحية، وعبر التوحيدية الإبراهيمية صلته المبدئية بتلك التقاليد الشرقية
(اليهودية- المسيحية)، لكنه وضع نفسه من
ناحية أخرى في خندق مضاد متعارض تماما مع التقاليد الدينية المذكورة، وذلك من خلال
تعميم مطلق غير محدود لهذا التوحيد، ألغى في حقيقة الأمر أي إمكان لتجسيد الطبيعة
الإلهية، مع نفي تام لفكرة الثالوث المسيحية. وبذلك التوجه العقائدي حطم الإسلام
النظام البنيوي اللاهوتي الذي كان مهيمنا في التصورات المسيحية حول التكوين الإلهي
للتاريخ، وحول التقديس، وتجسيد الإله ذاته، ولهذا كان ظهور الإسلام بالنسبة
للديانتين اليهودية والمسيحية نوعا من التحدي الديني- التاريخي …"
"المستشرق الروسي: أليكسي جورا فسكي من أكاديمية العلوم الروسية بموسكو عن كتابه:
"الإسلام والمسيحية" الذي ترجمه إلى العربية الدكتور خلف محمد الجراد".
ولقد زادت
كراهية المسيحيين للمسلمين في عصرنا هذا أضعافا مضاعفة بسبب ضعف وتشتت وخمول
الأمة الإسلامية فلقد صرح أحد القادة العسكريين الفرنسيين لما احثل دمشق وهو
واضع رجله فوق قبر صلاح الدين الأيوبي "ها نحن قد عدنا يا صلاح
الدين" ، وبسبب ميوعة وفساد ملوكها ورؤسائها. وفي ما يلي مقتطفات بغيضة
تبرهن عن شدة حقد النصارى على المسلمين: " ورد في المجلة الفرنسية الأسبوعية "Présent " في عددها 1837 بتاريخ 7 جوان 1998 في تعليقها عن جنازة الإمام الخميني
رحمه الله تحت عنوان:
« Il faut le savoir l’Islam rend fou »:
« …l’Islam rend fou. Il ne s’agit
pas d’une religion avec un rituel destiné à mettre dans le recueillement et la
sérénité, l’âme humaine en rapport avec Dieu et le surnaturel, mais d’une
espèce de culte primitif idolâtre et hallucinogène, conçu comme un opium du
peuple, incitateur de haine, dont le côté démoniaque éclatait ces derniers
jours autour de la dépouille de ce vieillard qui fut de son vivant le prophète
de la barbarie islamique. »
يقول عبد
الصليب، خادم إبليس اللعين في مجلة
"Présent ": إن الإسلام يقود صاحبه إلى
الجنون، فهو ليس دين له شعائر تلحق الروح البشرية –في طمأنينة وهدوء- بخالقها، بل
هو نوع من الطقوس البدائية، الوثنية، الخرافية استنبطت كمخدر للشعب، يغذي الحقد.
انفجرت جوانبه الجنونية –هذه الأيام-عند تشييع جثمان ذلك العجوز، الذي كان في
حياته رسول الوحشية الإسلامية
…"
« L’hebdomadaire : présent n°
1837 daté du 7-6-1989-Paris ».
ولا يسعني
هاهنا إلا أن أقول: سامح الله ابن رشد والبيروني وابن سينا والفرابي والخوارزمي
والإدريسي والكندي وابن طفيل وغيرهم من كبار العلماء الذين أناروا الطريق أمام
الأوروبيين، فلولاهم لما اكتشف المسيحيون أمريكا، ولولاهم لما فتك بمئات الملايين
من الهنود الحمر والأفارقة والعرب و الملونين في كل قارة من قارات كوكب الأرض.
ولولا علوم المسلمين لبقي المسيحيون أسرى الجهل و التخلف مكبلين بتضليل الكنائس و
طقوس التثليث وقيود الطبقات الإقطاعية إلى قيام الساعة. وينطبق على زوال الحضارة
الإسلامية من الأندلس قول الشاعر أبي تمام:
ثم انقضت تلك
السنون وأهلها
كأنـهـا وكأنـهم أحـــلام
وفي نظري فقد
زالت الأندلس بسبب تقاطع المسلمين من أهلها ودسائس الملوك والأمراء بعضهم لبعض حتى
بلغ من أمرهم أن الأمير يبطش بأبيه الملك من أجل إفتكاك كرسي الملك، ثم تهافت
المسلمين على العيش الرغيد وتخليهم عن الجهاد في سبيل الله ونصرة الحق والعدل،
وتشتت المشرق والمغرب والأندلس إلى ملوك طوائف وإمارات ودويلات لا يهمها أمر من
أمور الإسلام، ثم دسائس النصارى وبث جواسيسهم داخل قصور الدعارة واللذة والفساد
واستمالة أمراء العرب ورؤسائهم بحسان الجواري وكواعب الأتراب في المضاجع والسهرات
الخمرية الراقصة حتى مطلع الفجر، ثم طول نفس النصارى في ترتيب أمورهم وجمع شملهم
تحت قيادة السلطة البابوية العليا، ثم إعطاء الأولوية المطلقة لمن يتحمل جهود
الحرب ضد المسلمين وتسخير المسيحيين جميعا لخدمة الصليب الملعون والقضاء المبرم
على المسلمين، ثم الإمدادات المستمرة طوال قرون من العتاد والجيوش والأموال والمؤن
لميادين المعارك الطاحنة، وفي مقابل ذلك نجد انكماشا لدى سلاطين الإسلام بالمشرق
والمغرب قانعين بالذل وعيشة الصّعاليك الخونة، ناصبين مجالس الغناء والخمر
والدعارة، ثم تباغض الأبطال المسلمين وتناحرهم على الزعامة، فلا يهب قائد هذا
الحصن إلى نصرة قائد ذاك الحصن، فحاربهم "فردينوند و"إيزبيلا"
واحدا تلو الآخر، منفردين، مستضعفين في العدد والعدة، بينما كان جيش النصارى يجمع
كبار أساقفة أوروبا وأمرائها وفرسانها، بجميع ما يملكونه من قوة وبطش وعدة وعتاد
وكيد ومكيدة، ثم سوء التدبير عند الملوك والأمراء المسلمين، فهم لا يحيطون أنفسهم
إلا بأقاربهم فلا يستعينون بأصحاب الخبرة والاختصاص، لأنهم لا يثقون إلا في
الأصهار والأنساب وأزواج بناتهم وإخوان أزواجهم ومن ترضى عنه خليلاتهم ومن يشتريهم
بأمواله وأنعامه، ثم هم لا يقبلون الرأي المخالف ويرتجلون الأمور ارتجالا، ومازال
حالهم هكذا إلى عصرنا هذا، فهم لا يبرمجون الأحداث مسبقا وإنما يتصرفون حسب
نزواتهم وأهوائهم، ثم هم يميلون دائما لمن يطريهم ويتزلف إليهم وينافقهم ولا يتصف
إلا بالغدر وسقوط الهمة وفقدان القيم والشخصية. مما حكم على أمة الإسلام بالهوان
المستمر منذ أكثر من خمسة قرون متتالية، ولا يلوح لنا مخرج من هذا الذل القاتل،
فبينما تتسابق أمم النصارى على غزو الكواكب والنجوم يتبارى ملوك الإسلام ورؤساؤهم
على اقتناء أفخر القصور والخمور وتشريد علماء الأمة أو تعذيبهم في دهاليز السجون و
باذلالهم في سبيل التفتيش عن رغيف الخبز. وعندما باعت ملكة "قشتالة"
"إزابيلا" حليها الفاخرة وآنيتها الذهبية وحريرها فأمّنت بثمنها
العدة والعتاد لملك "أرغون فردينا ند" لتضييق الخناق على مسلمي الأندلس،
نجد ملكات الأمة الإسلامية وحظيات رؤسائها قد عبثن في البلاد وعثن فسادا. فلما
قصدهم الإفرنج في "بلنسيّة"
خرج للقائهم أهلها بثياب الزينة، فكانت وقعة
"بطرنة" التي قال عنها الشاعر لقومه:
لبسوا الحديد إلى الوغى
ولبستم
حلل الحرير عليكم ألوانــا
ما كان أقبحهم وأحسنكم
بهـا
لو لم يكن ببطرنة ما كانا
وذكر ابن حيّان
فظائع القتل والسبي والاستباحة التي تقتر لها القلوب دما وتنبو العيون عن مطالعتها
في التواريخ فقال: "من جملة تعقل أهل الأندلس أن العدو أضل عليهم يجوس خلال
الديار، ويكتسح البسائط، ويقطع كل يوم طرفا، ويبيد أمة والباقون منهم صموت عن ذكر
إخوانهم، لهاة عن بثهم، ما يسمع بمسجد من مساجدهم مذكر لهم أو داع، فضلا عن نافر
إليهم أو ماش". و استغاث الشعراء بملوك تونس، وأنشد أبو عبد الله بن الأبار
القضاعي سلطان تونس: أبا زكريا بن أبي حفص من دولة الموحدين قصيدته السينية أذكر
منها:
أدرك بخيلك
خيــل الله أندلســـا
إن الطريق إلى
منجاتها درســـا
وهب لها من
عزيز النصر ما
التمست
فلم يزل منك عز النصر ملتمســا
…..
……
……
تقاسم الروم لا
نــــــالت مقاسمهـم
إلا عقائلها المحجــوبة الأنســا
وفي بلنسة
منــــــها
وقرطبـــة
ما يذهب النفس أو ما ينزف النفسا
مدائن حلها
الاشـــــراك
مبتسمــا
جذلان وارتحــل الإيمان مبتئسـا
يا للمساجد
عادت للعـــــدى بيعـا
وللنداء يــرى أثناءها جرســـا
لهفي عليها إلى
استرجــــاع
فائتهـا
مدارسا للمثاني أصبحت درســــا
……
……
……
يا أيهـــا
الملك المنصور أنت
لهــا
علياء توسع أعداء الهدى تعســــا
وقد تواترت
الأنبــــــاء إنك من
يحيي بقتل
ملوك الصفر أندلســــا
فأوطئ الفيلق الجــرار
أرضهــم
حتى يطأطئ رأسا كل من رأســـا.
وكان من الملوك
المسلمين الأشداء على أعداء الأسلام من الصليبيين و غيرهم.فقد كانت تونس ومازالت
قاعدة للتحرير و مأوى للمقاومة ضد الظلم و الاستبداد, و نصرة لكل الشعوب المضطهدة
, فقد استضفنا و بكل فخر الثورة الليبية ضد شياطين الطلبان بقيادة عمر المخثار
ونصرنا الثورة الليبية في عهد القذافي لما حاصرته أمريكا من كل جانب وأوصدت
من حوله البر و البحر و الجو, فصارت طرقاتنا و و مشافينا و مراسينا و مطاراتنا و
سلعنا و مدن
استغاث الشعراء
بملوك تونس، وأنشد أبو عبد الله بن الأبار القضاعي سلطان تونس: أبا زكريا بن أبي
حفص من دولة الموحدين قصيدته السينية أذكر منها:
أدرك بخيلك
خيــل الله أندلســـا
إن الطريق إلى
منجاتها درســـا
وهب لها من
عزيز النصر ما
التمست
فلم يزل منك عز النصر ملتمســا
…..
……
……
تقاسم الروم لا
نــــــالت
مقاسمهـم
إلا عقائلها المحجــوبة الأنســا
وفي بلنسة
منــــــها
وقرطبـــة
ما يذهب النفس أو ما ينزف النفسا
مدائن حلها
الاشـــــراك
مبتسمــا
جذلان وارتحــل الإيمان مبتئسـا
يا للمساجد
عادت للعـــــدى
بيعـا
وللنداء يــرى أثناءها جرســـا
لهفي عليها إلى
استرجــــاع
فائتهـا
مدارسا للمثاني أصبحت درســــا
……
……
……
يا أيهـــا
الملك المنصور أنت
لهــا
علياء توسع أعداء الهدى تعســــا
وقد تواترت
الأنبــــــاء إنك من
يحيي بقتل
ملوك الصفر أندلســــا
فأوطئ الفيلق الجــرار
أرضهــم
حتى يطأطئ رأسا كل من رأســـا.
وكان من الملوك
المسلمين الأشداء على أعداء الأسلام من الصليبيين و غيرهم.فقد كانت تونس ومازالت
قاعدة للتحرير و مأوى للمقاومة ضد الظلم و الاستبداد, و نصرة لكل الشعوب المضطهدة
, فقد استضفنا و بكل فخر الثورة الليبية ضد شياطين الطلبان بقيادة عمر المخثار
ونصرنا الثورة الليبية في عهد القذافي لما حاصرته أمريكا من كل جانب وأوصدت
من حوله البر و البحر و الجو, فصارت طرقاتنا و و مشافينا و مراسينا و مطاراتنا و
سلعنا و مدننا هي المتنفس الوحيد لليبيين.
كما استظفنا
الثورة الجزائرية و بكل فخر ضد الافرنج فأعطيناهم السلاح و أويناهم و أطعمناهم و
زودناهم بكل ما نملك رغم جبروت فرنسا و بطشها بنا في الساقية و رمادة و
بنزرت و رغم ضغوطها علينا في كل ميادين الحياة. واستضفنا الثورة الفلسطينية و الجامعة
العربية و بكل فخر ضد اليهود و أعوان الاستسلام في المشرق العربي رغم هجوم الأعداء
علينا في حمام الشاطئ و رغم جرائم الاغتيال في سيدي بوسعيد, وستضفنا الثوراث
السمراء و بكل فخر ضد الميز العنصري و البرتغال و اسبانيا و شاركنا بالبعثات
العسكرية و العلمية و الطبية لرفع مستوى الأفارقة و اخراجهم من ظلمات
الجهل و براثن التخلف و الجراثيم الفتاكة . وساعدنا شعوب الخليج و بكل اقتدار
بالبعثات التعليمية و علماء الشريعة و خبراء الرياضة و البعثات الطبية و التقنية و
الحضارية , وأراضينا هي التي فر اليها الفرنسيون عندما هزمهم أدولف هتلر و فيها
استرجع الجنرال ديقول قواه و أنفاسه قبل أن تهزم ألمانيا. و مؤرخوهم و عساكرهم
يشهدون بأن أبائنا هم الذين زعزعوا الألمان في خط مارث و في مضيق الدردانيل
و في جبال و شعاب غمراسن التي أرهقتها حروب المسلمين و أفقرتها الهجرة الى أوروبا.
وبنزرت هي التي اوت الاسطول القيصري الروسي فلجأ الينا ما يزيد عن خمسة الاف روسي
و روسية لما و قعت الثورة الشيوعية في أوائل القرن العشرين و استوطنوا عندنا
و لم يجدوا الا حسن الضيافة و الاكرام وقد بنوا الكنائس الاريودكسية ومارسوا
ديانتهم بكل حرية . و هذا الكلام سمعته مباشرة من القناة الروسية الناطقة بالعربية
,على لسان سيدة روسية رفضت الرجوع الى روسيا لأنها وجدث ما يسعدها في بلادنا
. ولم ثشعر بالحاجة للرجوع الى روسيا.
قال المتنبي
"ان أنت أكرمت الكريم ملكته وان أنت أكرمت اللئيم تمرد " فسرعان ما يتنكر لنصرنا واحساننا
ومساعداتنا من اويناهم و أطعمناهم و نصرناهم و رفعنا عنهم الجهل و الضلم و
التخلف . ولا نجد منهم في أوقات رخائهم الا الصدود و الحقد و الكراهية و لا يسعني
الا أن أردد "اتقي شر من أ حسنت اليه."
و قبل كل ذلك
بألف سنة أسسنا القاهرة وجامع الأزهر الذي ثخرج منه ألاف العلماء المسلمين و صار
منارة كبرى من مناراث الاسلام . كما هاجر الينا الملايين من مصر و اليمن و الحجاز
لما أقفرث أراضيهم في عهد المعز بن بديس البربري.
أطعمنا الاف
الايطاليين الذين استوطنوا في بلادنا في أوائل القرن التاسع عشر لما أقفرت أراضيهم
فاستغلوا عندنا في الفلاحة و العمارة و الصناعة.
وعن كتاب
الأمير شكيب أرسلان من المجمع العلمي العربي "خلاصة تاريخ الأندلس" في
سياق كلامه عن الأحداث المأساوية التي أصابت المسلمين في غروب العهد الأندلسي،
كانت الأمور تسير على النحو التالي: "كانت دولتا قشتالة وأرغون تتسابقان في
تعذيب المسلمين الخاضعين لحكومة الإسبانيول، وملوك الدولتين يتبارون في الانتقام
منهم والنكال بهم استزادة للمثوبة واستعلاء في درجات الآخرة. ففي قشتالة كان
"هنري" قد جعل للمسلمين والإسرائليين علامة فارقة، وأمر بمنع اختلاطهم
وأخذهم وعطائهم مع الإسبانيول، وأن لا يقبل أحد منهم في خدمة الدولة. وفي أيام
"جان الأول" ملك قشتالة صدرت الأوامر بأن كل مسيحي يربى في بيته مسلما
أو إسرائيليا فله الحق كل الحق أن يؤدبه بالسياط، وأنه لا يجوز لمسلم و لا يهودي
أن يستخدم عنده مسيحيا، وأن من خالف ذلك يضرب وتضبط أملاكه، كما أنه لا يجوز دخول
مسلم ولا يهودي بيت أحد من الإسبانيول إلا إذا كان طبيبا وثبت لزومه. وفي سنة 811
هجرية جدد "جان الثاني" أمر سلفه في رفض المسلمين واليهود في خدمة
الدولة، وضم إليه أن جزاء المخالفة دفع ثلاث آلاف مراويد، وأن كل من يسافر من
المسلمين أو اليهود مع أحد الإسبانيول أو يؤاكله أو يستخدمه في عمل له، يجلد مائة،
وإذا تكرر الفعل يؤخذ منه ألف مراويد، ويكون ثلثاها للمخبر وإذا وجد أحد من هؤلاء
في وليمة إسبانيولي، يغرم بدفع ثلاثة آلاف، وإن عاد صاحبا له من الإسبانيول أثناء
مرض يدفع ثلاثمائة، وإن تعامل معهم بأخذ أو عطاء فيدفع الثلاثمائة، ويضرب ويعزر.
وإذا فر مسلم إلى غرناطة ووقع أثناء فراره في قبضة المسيحيين عد أسير حرب، وضبطت
جميع أمواله وصار ملكا لمن يمسكه. وفي سنة 826 هجرية أضيف إلى ذلك أن من منع من
المسلمين إبنه من التنصر عذب شديدا، ومن أسر من مسلمي غرناطة أحدا كان له ملكا
خالصا. وفي سنة 830 هجرية صدرت الأوامر بعدم اعتبار إمضاء الإسبانيول فيما عليهم
للمسلمين واليهود واعتبار إمضاء هؤلاء للإسبانيول. ثم منع المسلمون من الجهر
بالشهادتين، وجوزي من يجاهر بذلك بالقتل، ثم يستنتج الأمير أرسلان من كل هذه
الفظائع الحقيقة الجوهرية التالية:"… ولا عجب، فلولا هذه الغرائب ولولا
الإمعان في الظلم إلى هذه الدرجة لما تأخرت إسبانيا إلى الحد الذي وصلت إليه بعد
أن كان لها من مركزها في أوروبا وافتتاح أمريكا على يدها وانبساط أيديها في مستعمرات
الخافقين ما يضمن لها المقام الأول بين الدول …" وقال الأمير أرسلان في كتابه
"خلاصة تاريخ الأندلس": ومازالت الأندلس تستجيش بالمغرب أوان الضعف،
وملوك بني الأحمر يستصرخون بني مرين من وراء البحر إلى المائة التاسعة هجرية، حيث
صار السائل لا يجد مجيبا، والصارخ لا يسمع ملبيا، وتخاذل المسلمون عن النصرة، … فصارت
ترد عليهم الأخبار وهم ساهون، … [تماما كما ترد علينا في سنة 2001م أخبار مذابح
فلسطين و الشاشان و ليس لنا الحق حتّى في إبداء آرائنا، فضلا عن المشاركة في
المجهود من أجل الصمود].
وإذا ثار
بأحدهم ثائر الجهاد لم يجد علما ينضوي إليه، ولا سندا يعول عليه، ولا جماعة ينتظم
فيها. ذلك بما أصاب المغرب من إفتراق الكلمة وانحطاط الدول وتحول الأحوال الأول.
فلما سقطت الأندلس كانت أختها العدوة (المغرب) ناظرة إليها وهي تنشد:
ألا رب يوم لو رمتني
رميتها
ولكن عهدي بالنضال قديم
وأما النصارى،
ففي بداية صراعهم مع المسلمين في شبه الجزيرة الأندلسية كانوا يستنجدون إخوانهم
وراء جبال
« Pyrénées » فتخف إلى صريخهم أمم الإفرنج
والألمان والإنقليز، وأمم أخرى من جميع أقطار النصرانية، ولولا نجدات « Albert le grand » لأهل إسبانيا لتحولت الجزيرة بأسرها إلى الإسلام، وكان الفاصل
بين الفريقين جبال "البيرانه"، وكانت دول أوروبا لا تضن على هذه البلاد
بدم ولا مال في مدافعة المسلمين … وكان أهل إسبانية أنفسهم أهل شدة ومراس على
الحرب، وأعانهم البابا "إسكندر الثالث" على إنشاء جيوش الصليب … وكان
يوجد في جيوش فرديناند الجرارة كثير من المتطوعين الفرنسيين وفيهم من المشاهير مثل
"غاسطون اليوني" ومن غزاة الإنقليز وفيهم "اللورد سكالس" وكان معه آلات
ومدافع تفوق الإحصاء بإدارة جند ألمانيين بادروا لإجابة داعي الحرب المقدس من
أقاصي بلادهم، وكان غزاة الإنقليز يقاتلون بالفؤوس على عادة بلادهم، ولم يكن ذلك
معهودا عند المغاربة الأندلسيين، فذعروا من ذلك. ومن أشد المعارك التي وقعت بين
المسلمين والنصارى في الأندلس معارك: "لوشة" و "طريف"
و"المالقة" و" لشانة"و "رندة" و "الصخرة"
و" الحامة " و"أيلورة" و "حصن قبيل" و "قلعة
زالعة" و "بلش" و"بسطة" وحصن "رومة"
وحصن"همدان" ومن سيوف الإسلام الذين اعترفت لهم كتب النصارى بشدة البأس
وقوة المراس وعمق عداوتهم للنصارى: حامد الزغبي قائد موقع المنارة البحرية ومعه من
بني غمارة طائفة من الفرسان كلهم على شاكلته في الشجاعة وشدة البأس وصعوبة المراس.
و منهم أيضا: محمد بن حسن ورضوان وهما من أعاظم قادة المسلمين في
"بسطة". ومنهم علي بن الفخار قائد حصون "طبرنة" و "برشنة"
وهو الذي قال للملك "فرديناند" والملكة "إيزبيلا" عندما أرادا
مكافأته عن استسلامه: "أنا لم آت لأبيع ما ليس ملكي، بل لأسلم ما جعلته
الأقدار الإلهية ملكا لكما، وليكن يقينا عند جلالتكما، أنه لو وجد من يسعفني كما
يجب، لكان الموت هو ثمن هذه الحصون بدلا من الذهب الذي يعرض علي". ومنهم
رحمهم الله رحمة الشهداء الأمير موسى بن أبي غسان روح الجهاد الذي اتفقت تواريخ
الإفرنج على أنه كان من أعظم أبطال الجهاد ضد النصارى في الأندلس وهو من فرسان
غرناطة. ومنهم أيضا ذلك الفارس المفتول السواعد العظيم البطش طرفة الذي استشهد في
مبارزة مشهودة في ميدان الجهاد. وقال المؤرخ الإنقليزي "واشنطن أرفن" عن
حرب المسلمين الأخيرة في الأندلس: "إن هذه الحرب حقبة عظيمة الشأن في تاريخ
الدهر، بما تخللها من باهر الثبات والإصرار، فإن النكبات توالت فيها على المغاربة
مدة عشر سنوات بدون انقطاع، فأخذت مدائنهم الواحدة بعد الأخرى وفنيت رجالاتهم قتلا
وأسرا، وقاتلوا عن كل مدينة وبلدة وحصن وبرج، بل عن كل صخرة كأنهم ينتظرون الفتح،
ولم يجدوا مكانا تثبت فيه أقدامهم، ولا جدارا يمكنهم رمي السهام من ورائه إلا
اعتصموا به، ينازعون العدو وطنهم المحبوب حتى إذا لم يبق لهم إلا عاصمتهم مقطوعا عنها
عن كل مدد، غير طامعة في أدنى غوث، دافعوا عنها كأنهم يترقبون العون من السماء.
وقبل أن أختم الكلام عن الأندلس أثرحم على تلك الديار بقصيدة أبي البقاء الرندي:
رثاء الأندلس وهي قصيدة تدمي قلب كل مسلم
لكل شــيء إذا
مــــا تم نقصان
هــــي الأمور
كما شاهدتها دول
وهذه الــدار
لا تبقي على أحــد
أين الملوك ذوو
التيجـان من يـمـن
وأين مـا شاده
شـــداد فـي إرم
وأين مـا
حــازه قارون من ذهب
أتى على الكل
أمــر لا مـردّ لـه
وصار ما كان من
ملك ومن ملـك
دار الزمان على
دارا وقــاتـلـه
كأنما الصعب لم
يسهل لـه سببــا
فجائع الدهـر
أنــواع منوعــة
وللحـوادث
سلـوان يسهلـهـا
دهـى الجزيـرة
أمـر لا عـزاء له
أصــابها العين
فـي الإسلام فارتزأت
فاســأل بلنسية
مــا شأن مرسيـة
و أين قــرطبـة
دار العلـوم فكـم
وأيـن حـمص
ومـا تحويه من نـزه
قـواعـدكن
أركـان البلاد فـمـا
تبكـي
الحنيفيـة البيضاء من أســف
علـى ديـار من
الإسـلام خاليــة
حيث المساجد قد
أضحت كنائس مـا
حـتى الـمحاريب
تبكي وهي جامدة
يا عـاقـلا
ولـه في الدهر موعظـة
ومـاشيا مـرحـا
يلهيـه موطنـه
تلك المصيـبة
أنسـت مـا تقدمهـا
يا راكبـين
عتـاق الخـيل ضامـرة
وحــاملين
سيـوف الـهند مرهفة
وراتعـين وراء
البحــر في دعــة
أعندكم نبأ من
أهــل أنـدلــس
كم يستغيث بنا
المستضعفون وهـم
ماذا التقـاطع
فـي الإسلام بينكـم
ألا نفـوس
أبيــات لـها هـمم
يا مـن أذلــه
قـوم بعد عزهـم
بالأمس كانوا
ملوكا في منازلـهـم
فلو تراهم
حيارى لا دليل لـهــم
ولو رأيت بكاهم
عنـد بيعهـــم
يا رب أم و
طفــل حيـل بينهمـا
وطفلة مثل حسن الشمس
إذا طلعت
يقودها العلـج
للمكـروه مكـرهة
لمثل هذا يذوب
القلب مـن كمـد
فـــلا يغر
بطيب الـعيش إنســــان
مـن سـره زمـن
سـاءتـه أزمـــان
ولا يــدوم
علـى حـال لـها شــان
وأيـن منهـم
أكـاليــل وتيـجــان
وأيـن مـا
سـاسـه فـي الفرس ساسان
وأيـن عــاد
وشــداد وقـحـطـان
حتـى قضـوا
فكــأن القـوم ما كانوا
كمــا حكى عن
خيـال الطيـف وسنان
وأمـا
كســرى فمـا آواه إيـــوان
يومــا ولا
مــلك الــدنيا سليمـان
وللــزمـان
مســرات وأحـــزان
ومـا لـما حــل
بالإســـلام سلوان
هــوى لـه
أحــد وانـهد نـهـلان
حتــى خلت منه
أقطـار و بلـدان
وأيــن
شـاطبــة أم جيـــان
مــن عالـم قد
سـمـا فيها شان
ونـهرهـا
العـذب فيـاض ومـلآن
عسـى البقــاء
إذا لم تبــق أركان
كما بكـى
لفــراق الألـف هيمان
قـد أقفـرت
ولـهـا بالكفر عمران
فيهـن إلا
نواقـيس وصلبــــان
حتـى الـمنابر
تـرثي وهـي عيدان
إن كنت فـي
سنـة فالدهـر يقظان
أبعــد حـمص
تغـر المرء أوطان
ومـا لـها مـع
طول الدهر نسيـان
كأنـهـا في
مـجال السبق عقبـان
كأنـها في
ظــلام النقـع نيـران
لـهـم
بأوطانـهم عـز وسلطـان
فقـد سـرى
بـحديث القوم ركبان
قـتلى وأسرى
فمـا يهتـز إنسـان
وأنتــم يـا
عبـاد الله إخــوان
أمـا علـى
الخير أنصـار وأعـوان
أحــال حالـهم
جـور وطغيـان
واليـوم هـم في
بلاد الكفر عبـدان
عليهم مـن
ثيــاب الـذل ألـوان
لـهالك الأمـر
واستهوتـك أحزان
كمـا تفـرق
أرواح وأبــــدان
كأنـها هـي
يـاقوت ومرجــان
والعـين
بــاكية والقلب حيــران
إن كـان في
القلب إسـلام و إيـمان
"أبو
البقاء الرّندي"
وختاما أتعزى
بما قاله الكاتب: عبد الكريم الخطيب في نهاية حديثه عن الحروب العنيفة التي وقعت
بين المسلمين بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، لما تناحروا في معارك
"الجمل" و "صفين" والنهروان" تحت قيادة علي بن أبي طالب
رضي الله عنه وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير رضي الله عنهما
ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، في كتابه: "علي بن أبي طالب: بقية
النبوة وخاتم الخلافة":
" … وليس
بمنكور في هذه الحياة أن يهزم الحقّ في بعض معاركه مع الباطل، فالحق والباطل في
صراع متصل متلاحم، ينتصر هذا مرة، وينتصر ذاك أخرى. ولو كان النصر لأحدهما، ضربة
لازب ، لانتهى هذا الصراع القائم في الوجود منذ الجولة الأولى، ولسكن ريح الحياة،
ولخمدت جذوة الكفاح التي تدفع مواكب الناس في ازدحام متلاحم. إن الحياة على هذا
الكوكب الأرضي محكومة بهذا الصراع الأبدي بين قوى الخير والشر في ميزان تتراجح
كفتاه، وتضطربان، هكذا أبدا، صعودا وهبوطا …، وهزيمة الحق في أروع مظاهره وأكملها
ليست بالتي تنقص من قدره أو تقلل من خطره، وإنما ذلك دليل على أنه قد بلغ الغاية
في دورته، وأنه استكمل كل مظاهر وجوده، وأنه كما أخذ طريقه صعودا، سيأخذ نفس
الطريق نزولا حتى تتم دورة كاملة من دورات الزمان، ثم ليبدأ دورة جديدة، وهكذا …، إنها أشبه بدورة الليل والنهار، يتعاقبان !
…، ولكن مع هذا، فإن ما يقوم على الحق، باق لا يزول، وإن زال أهله وذهب القائمون
عليه، وذلك فيما يخلف وراءه من مثل كريمة في الاستعلاء على نزعات النفس والغلبة
على أهوائها، ولهذا يظل أصحاب هذه المثل أحياء في هذه الحياة، يذكرهم الناس أبدا،
ويجدون في ذكراهم أنسا من كل وحشة، وعزا عند كل مصاب.". قال الحق تبارك
وتعالى: " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر
لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون". وقال سبحانه: "ولو يشاء الله لانتصر
منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ".
وقال عز وجل عن اليهود والنصارى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح
ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلاها واحدا، لا إله إلا هو سبحانه، عما يشركون.
يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره
الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون".
"التوبة:
31-33".
وهناك من أهل
الكتاب من يخشى الله ويحترم البشر، قال تعالى: "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن
بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم، خاشعين لله، لا يشترون بآيات الله ثمنا
قليلا، أولئك لهم أجرهم عند ربهم، إن الله سريع الحساب"
"آل عمران: 199".
وقال تعالى:
"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون،
لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لا تبديل لكلمات الله، ذلك هو الفوز
العظيم، ولا يحزنك قولهم، إن العزة لله جميعا هو السميع العليم، ألا إن لله من في
السماوات ومن في الأرض، وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء، إن يتبعون إلا
الظن، وإن هم إلا يخرصون".
"يونس
عليه السلام: 62-66".
و لا حول و لا
قوة إلا بالله العلي العظيم، ذي العز و الجبروت، و ذي الملك و الملكوت، تبارك و
تعالى.