إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور
البداية : البحث الاول 1
الباب الاول : بداية البداية 1-1
تمهيد 1-1-1
" الحمد لله رب العالمين " .
عن الطبراني وابن ماجه وأحمد – رحمهم الله تعالى – قالوا: قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: " ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من العذاب, من ذكر الله تعالى " وسأذكر الله سبحانه جل شأنه كثيرا في هذا الكتاب – إن شاء الله تعالى وبعونه - بالمفاهيم الصحيحة والموازين المستقيمة والمقادير الضخمة.
وأفتتحه على بركة الله تعالى بذكر أعظم شهادة في المنقول والمعقول والمشروع ، ألا وهي قوله ذي االجلال و الإكرام عز شأنه وجل جلاله وعظم سلطانه وتبارك اسمه: " شهد الله أنه: لا إله إلا هو، والملائكة، وأولوا العلم، قائما بالقسط، لا إله إلا هو، العزيز الحكيم. إن الدين عند الله الإسلام". "آل عمران: 18-19"
و الحمد والشكر لله الحي القيوم الذي شرح صدري للإسلام و أشهد أن:
لا إله إلا الله البصير، القدير، الكبير، القهار، وحده لا شريك له قبل الوجود وفي الوجود وفي ما بعد الوجود: " بديع السماوات والأرض، أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة، وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم". "الأنعام: 101 ".
فأتقرب بهذه الشهادة من شفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين: " يوم يقوم الروح والملائكة صفا، لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا، ذلك اليوم الحق ".
" يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان ورضي له قولا ".
و أشهد أن سيدنا محمدا عبد الله و رسوله بعثه الرؤوف اللطيف – سبحانه وتعالى- بشيرا و نذيرا ورحمة للعالمين بين يدي الساعة:
" قل: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا، الذي له ملك السماوات والأرض، لا إله إلا هو، يحيي ويميت، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته، واتبعوه لعلكم تهتدون " "الأعراف: 158 ".
فأطمح بهذه الشهادة – وبمشيئة الله تعالى – أن أكتب في عليين عند الكرام البررة ضمن المهتدين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم.. كما أؤمن بما أنزل على النبيئين من عند الله لا أفرق بين أحد منهم تصديقا بقوله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ".
الشورى: 13 ".
وإني – إن شاء الله تعالى – سأحارب بهذا الكتاب شياطين الكون متوشحا سلاح الإيمان المتين ومتدثرا بحقائق العلم الصحيح مساهمة مني متواضعة في تفكيك بروج التضليل وزعزعة حصون البطش، وهي المواقع التقليدية التي أسست فيها مذاهب الكفر وخططت فيها مشاريع الفساد وسطرت فيها أساليب التجبر وانطلقت منها أحزاب الظلم منذ فجر الوجود البشري.
ورغم قصر باعي في لغة القرآن العظيم وهي التي أصاب الشاعر في قوله عنها:
"أنا البحر في أحشائه الدر كامــن فهل سألوا الغواص عن صدفاتــي"
ورغم جهلي بقواعد النحو والصرف والبلاغة، فإن سلطان العلم الصحيح وقوة الإيمان المتين وومعرفتي أحداث الأزمنة الغابرة والحديثة ودقة رصدي لأمهات النظريات البشرية ستكون الزاد الذي سأستعين به في هذه الرحلة إلى شياطين المملكة الملعونة، قبحهم الله في الدنيا وفي الآخرة.
بعد ذلك سأتناول بالبحث- إن شاء الله تعالى- في الجزء الثاني من "البداية والنهاية" ملامحا جوهرية يمتاز بها أبرار السماء وأخيار الأرض وسأختصر معارف البشر عن عالم الغيب عندما تصل بنا دورة الزمان إلى يوم الطامة الكبرى. فـ : " البداية والنهاية " يشبه إلى حد كبير لوحة فسيفسائية نقشت عناصرها من معارف عمالقة الإنس وكنوز علمائهم الأفاضل.
وبذلت جهدا جهيدا لتعزيز إيمان أولي الأبصار من الراسخين في العلم وتدعيم عزيمة الأبطال على الجهاد في سبيل الله سبحانه جل شأنه وعظم سلطانه.
وحرصت حرصا شديدا على التصدي لإيمان العجائز الذي نادت به أحزاب التخلف فقد قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: " إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة. والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها. ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة " عن كتاب: " تلبيس إبليس: ص: 354 ".
ولقد تمكن إبليس اللعين من أحزاب الجهل غاية التمكن فأساءوا الأدب مع الله تعالى عندما ابتدعوا لغة العشق الإلهي: شخصوا الإله – سبحانه و تعالى عن ذلك – ثم هاموا في عشقه فأفسدوا عقائدهم وتاهوا عن الطريق المستقيم الذي شرعه الله – عز وجل – لعباده المؤمنين. ولقد أصاب الشيخ الجليل ابن قيم الجوزية عندما قال في كتابه: "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان": … إن المحبة المحمودة التي أمر الله تعالى بها وخلق خلقه لأجلها هي محبته وحده لا شريك له المتضمنة لعبادته دون عبادة ما سواه فإن العبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل. ولا يصلح ذلك إلا لله عز وجل وحده. ولما كانت المحبة جنسا تحته أنواع متفاوتة في القدر والوصف كان أغلب ما يذكر فيها في حق الله تعالى: ما يختص ويليق به كالعبادة والإنابة والإخبات ولهذا لا يذكر فيها لفظ العشق والغرام والصبابة والشغف والهوى. وقد يذكر لها لفظ المحبة كاقواله تعالى "يحبهم ويحبونه ". " المائدة: 54 ". و " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " " آل عمران:31 " " والذين آمنوا أشد حبا لله " . " البقرة: 165 ".
ومدار كتب الله تعالى المنزلة من أولها إلى آخرها على الأمر بتلك المحبة ولوازمها والنهي عن محبة ما يضادها … ولهذا اتفقت دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم على عبادة الله وحده لا شريك له …" وصدق ابن خلدون رحمه الله تعالى عندما قال عن غلاة المتصوفة:
" أنهم خلطوا المشروع و المعقول بالتصوف وجعلوا الكلام واحدا فيها كلها مثل كلامهم في النبوءات والاتحاد والحلول والوحدة وغير ذلك. والمدارك في هذه الفنون الثلاثة متغايرة مختلفة وأبعدها من جنس الفنون والعلوم مدارك المتصوفة لأنهم يدعون فيها الوجدان ويفرون عن الدليل. والوجدان بعيد عن المدارك العلمية وأبحاثها وتوابعها".
أما سندي المتين في عبور هذا المسلك السليم فهو قوله تعالى من سورة المجادلة: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " وقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: " أشد الناس عذابا يوم القيامة: عالم لم ينفعه الله بعلمه " رواه الطبراني .وفي هذه البداية أذكر القارئ الكريم أن القرآن العظيم هو بصائر وهدى وبيانات ورحمة للبشر جميعا. :
قال الله تعالى: " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ". "الفرقان"
" هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يوقنون". "الجاثية:20 "
" لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ". "يوسف عليه السلام: 1
" يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ". "يونس عليه السلام: 57"
فقوله تعالى: "هذا بصائر من ربكم " عام مطلق.
وقوله تعالى: " وهدى ورحمة لقوم يوقنون " خاص بأهل اليقين. فالقرآن بصيرة و تبصرة و هدى، وشفاء و رحمة، بمعنى عام أو بمعنى خاص. ولهذا يذكر الله سبحانه هذا وهذا: فهو هدى للعالمين، وموعظة للمتقين، وهدى للمتقين، وشفاء للعالمين، وشفاء للمؤمنين، وموعظة للعالمين. فهو في نفسه: هدى، ورحمة، وشفاء، وموعظة. فالله الهادي، وكتابه الهدى الذي يهدي به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم و القرآن العظيم: هو أشرف كتاب على كوكب الأرض، أنزله – بأمر من الله تعالى من اللوح المحفوظ – أشرف الملائكة عليه ازكى السلام على أشرف الإنس نبينا الكريم عليه افضل الصلوات في أشرف زمان و بأشرف مكان بأفخر لغة وبأبلغ بيان.
أنزل الله تعالى قبل القرآن كتبا قيمة منها: صحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود و إنجيل عيسى. فطرأ عليها فساد بالنسيان والتحريف والزيادة والنقصان. بيد أن القرآن العظيم لم يزل كاملا صحيحا صامدا ثابتا كما أنزل منذ أكثر من أربعة عشر قرنا لم ينقص منه حرف ولم يزد عليه آخر. وهو الآية العظمى التي تبرهن على صدق محمد صلى الله عليه وسلم. وتدعيما لهذا القول أنقل بأمانة ما أكده مفكر فرنسي من قوم عيسى عليه السلام في كتابه: " التوراة والقرآن والعلم "
وهو يخاطب علماء اليهود والنصارى:
« … Ce qui frappe d’abord l’esprit de qui est confronté avec tel texte – القرآن - pour la première fois est l’abondance des sujets traités :
La création, l’astronomie, l’exposé de certains sujets concernant la terre, le règne animal et le règne végétal, la reproduction humaine.
Alors que l’on trouve dans la bible -التوراة - de monumentales erreurs scientifiques; ici في القران-je n’en découvrais aucune.
Ce qui m’obligeait à m’interroger:
Si un homme était l’auteur du Coran,comment aurait-il pu au 7éme siècle de l’ère chrétienne, écrire ce qui s’avère aujourd’hui conforme aux connaissances scientifiques modernes?
Or aucun doute n’était possible: le texte que nous possèdons aujourd’hui du Coran est bien le texte d’époque ….
…. Pendant des siècles des commentateurs du Coran ( المفسرون) ont immanquablement commis des erreurs dans l’interprétation de certains versets dont ils ne pouvaient pas saisir le sens précis. Ce n’est que beaucoup plus tard, à une période proche de notre époque, qu’on put les traduire et les interpréter correctement. Cela implique que pour comprendre ces versets coraniques, des connaissances linguistiques approfondies ne sont pas seules suffisantes. Il faut posséder par ailleurs, des connaissances scientifiques très diverses. Une étude comme celle-ci est pluridisciplinaire, encyclopédique On se rendra compte, au fur et à mesure de l’exposé des questions soulevées de la variété des connaissances scientifiques qui sont indispensables pour saisir le sens de certains versets du Coran ….»
« MAURICE BUCAILLE : La Bible, le Coran, et la Science واترجم كلام العالم الفرنسي الجليل كما يلي
"… إن الذي يبهر الفكر للذي تعامل مع نص القرآن للمرة الأولى، هو كثرة المواضيع المدرجة فيه: الخلق، الفلك، بيان أمور تهم الأرض، مملكة الحيوان ومملكة النبات، التكوين البشري.
فبينما نجد في التوراة ( التوراة المحرفة طبعا) هفوات جسيمة في ميدان العلم فإننا في القرآن لم نكتشف ولو هفوة واحدة. هذا الأمر أجبرني على التساؤل الآتي:
لو أن رجلا كان هو مؤلف القرآن كيف أمكن له في القرن السابع من العهد المسيحي أن يكتب ما هو مطابق ومتماشي مع المعارف العلمية الحديثة ؟ مع أنه ليس هناك أدنى شك ممكن يحوم حول صحة النص الموجود الآن من القرآن. فهو النص الذي كان في القرن السابع بدون أي تحريف أو أي تغيير بزيادة أو نقصان.
… ولعدة قرون خلت ارتكب مفسرو القرآن – بدون شك- هفوات في فهم وتأويل بعض الآيات المستعصية عن مداركهم لما تحتوي عليه من حقائق دقيقة. فلم يتسن لهم إلا في عهود قريبة من عصرنا هذا فهمها على الوجه المطلوب. إذ أن فهم الآيات القرآنية وتفسيرها وتأويلها يتطلب – علاوة عن المعارف اللغوية المعمقة – الاطلاع على المعارف العلمية المتنوعة.
فدراسة من هذا القبيل تستوجب معرفة عدة ميادين علمية فهي دراسة موسوعية متشعبة.
وبقدر ما نتوغل في دراسة القرآن نلاحظ تنوع المعارف العلمية التي تستوجبها مثل هذه الدراسة من أجل إدراك صحيح لمقاصد بعض الآيات القرآنية… " وأقر المفكر الفرنسي في مواضع أخرى من كتابه أن التوراة والإنجيل محرفتان. بعد هذه الترجمة أرجع إلى المقدمة و أذكر بتحدي الله عز وجل للإنس و الجن: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ". "الإسراء: 88".
إن الأعاصير الرهيبة والزلازل العنيفة التي روعت البشر منذ بداية الزمان هي ما احتواه هذا الكتاب ولن يفهم القارئ مقاصده إلا عندما يجتاز حدود المملكة الملعونة بسلام وثبات، حينئذ فقط سيدرك ترتيبي لشياطين الكون وكلامي عنهم. وإني معترف بالتقصير في إيفاء الكتاب حقه التام. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير.
تسبيح العباقرة
" إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ، إن الله عزيز غفور " " فاطر: 28 ".
عن نبينا الكريم: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة "ج
جاهد أبطال البشرية من اجل الحرية والحق والعدل والإيمان بالله ورسله بأرواحهم وأموالهم وأقلامهم، فأدركوا بذلك الجهاد الصادق درجات عالية من طهر النفس ونقاء الضمير وسمو العقل.
وتصادموا بكل الوسائل مع شياطين الكون، تارة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأطوارا كثيرة بأسنة السيوف، عندما يسود الاستبداد، وتطغى على كوكب الأرض المفاسد والمظالم والجرائم والقسوة.
- في عهود غابرة بعث الله- ذو الفضل العظيم- رسلا من الملائكة ومن البشر: مبشرين بالجنة ومنذرين من الجحيم. هشم بهم أصنام الوحوش البشرية وقهر بهم جبابرة التضليل والكفر والشرك. بعدهم خلق – سبحانه جل شأنه – من النطف البشرية عباقرة دوخوا الزمان بنبوغهم ومتانة علومهم، أذكر منهم على سبيل البرهنة:
أبا بكر في الإيمان، وعمرا في العدل، وخالدا في فنون الحرب ، والرازي في علم الكلام، وابن الأثير في التاريخ، وابن تيمية في الغيبيات و الفرابي في علم المنطق وابن رشد في الفلسفة، و الزمخشري في علوم التفسير، والبخاري في السنّة، وابن خلدون في الاجتماع و الغزالي في التصوف، ومالكا في العبادات، والمتنبي في الشعر، والمعري في الزهد، وابن بطوطة في السياحة، وابن الهيثم في البصريات والإدريسي في الجغرافيا، وابن منظور في العربية، والخورزمي في الرياضيات وابن حيان في الكيمياء، والبيروني في الفلك
أولئك – رحمهم الله تعالى – كانوا عباقرة كل في ميدان اختصاصه، عبروا سماء البشرية بأجنحة النبوغ والتفوق، وأضاءوا الدنيا من حولهم فبددوا ظلمات الجهل والكفر والضلال والشرك.
ثم وصل بعدهم ركب تلاميذهم من الأعاجم:
أولئك الذين كرعوا من ينابيع القيروان و قرطبة وبغداد و المدينة النبوية الشريفة.
وأولئك الذين وصلتهم ترجمات آثارهم العلمية النفيسة.
وأولئك الذين استولوا على كنوز بيوت الحكمة عقب انهيار الدول الإسلامية عامة وسقوط الأندلس خاصة.
فصهر الأعاجم معارف المسلمين وعلومهم في مخابر المادة ومصانع النهب و الاستغلال حتى تبخرت منها علوم التوحيد وشرائع الحق والعدل، ومزجوا ما تبقى منها في أفرانهم بغرائزهم الحيوانية ثم حولوا الخليط إلى مناهج الفساد المادي فبلغوا بهذا وذاك سنم الشقاء وذروة التوحش وأسفل دركات الدعارة والفساد. كما تحركت شعوب الأرض في فترات متتالية ملبية لنداء الثورة الفرنسية من أجل الحرية والمساواة والأخوة بين البشر جميعا على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وعقائدهم، لكن الثورة الفرنسية, سرعان ما تنكرت لقيمها الأساسية، فتدثرت بثياب التسلط وأنجبت مولودا جديدا: الاستغلال الرأسمالي (L’exploitation capitaliste) مدعما بالتسلط السياسي (Occupation coloniale) والجبروت الفكري Domination culturelle) ) فاغتيل الناس وهم أحياء، والشيء من مأتاه لا يستغرب:
افعال من تلد الكرام كريمة وافعال من تلد الاعاجم اعجم
ة
وكما قال المتنبي: وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا اذا لم يكن فوق الكرام كرام ا
ثم بعد ذلك بمائة وثمانية وعشرين سنة شمسية ثارت الشعوب من جديد منبهرة بمبادئ الثورة الشيوعية تدفع الجميع إرادة القضاء على البؤس والتعاسة والشقاء والتصدي للاستغلال البغيض الذي يمارسه بكل وحشية وفظاعة الإنسان المتوحش ضد الإنسان المغلوب على أمره ويكنس شبح الرعب وظل البطش وطيف الكبرياء. فانخدع المستضعفون في الأرض وانبهر الناس بالخطب الرنانة لزعماء الفلسفة الشيوعية الذين زعموا فيما زعموا: أن الدين خدعة تاريخية وأن العوامل التاريخية التي خلقت الدين هي النظام البورجوازي الاستعماري القديم، وأن هذا النظام القديم يلقى حتفه فلندع الدين أيضا يذهب معه كما أكد ذلك زعيم الثورة الشيوعية " لينين " في خطاب ألقاه في المؤتمر الثالث للشباب الشيوعي في أكتوبر من سنة 1920 وحاكي الكفر ليس بكافر:
"… إننا لا نؤمن بالإله ونحن نعرف كل المعرفة أن أرباب الكنيسة والإقطاعيين والبورجوازيين لا يخاطبوننا باسم الإله إلا استغلالا ومحافظة على مصالحهم. إننا ننكر بشدة جميع هذه الأسس الأخلاقية التي صدرت من طاقات وراء الطبيعة غير الإنسان والتي لا تتفق مع أفكارنا الطبقية. ونؤكد أن كل هذا مكر وخداع وهو ستار على عقول الفلاحين والعمال لصالح الاستعمار والإقطاع. ونعلن أن نظامنا لا يتبع إلا ثمرة النضال البروليتاري: فمبدأ جميع نظمنا الأخلاقية هو الحفاظ على الجهود الطبقية البروليتارية …" « LENIN : SELECTED WORKS ; MOSCOW,1947 vol : II , page 667. »
" أما الترجمة فهي ماخوذة من كتاب " الإسلام يتحدى" للمفكر الهندي الجليل: "وحيد الدين خان ".
وبعد مرور سبعين سنة شمسية من قيام تلك الثورة تبخرت جميع أوهام الفلسفة الشيوعية وتفككت أرجاء الإمبراطورية السوفياتية وأعلن الكاتب العام السابع للحزب الشيوعي: "ميخائيل قورباتشوف" عن خراب وفساد نظريات " ماركس" و"إنقلس" و"لينين وتكفل "بورس يلتسن" بالإجهاز عليها وبدفنها في قمامة التاريخ بعد أن تمتع الشياطين الحمر في ظل الثورة الماركسية بكل نعيم الأرض وبعد أن عبثوا بكل المقدسات البشرية وخصوصا بعد أن وزعوا الحرمان والشقاء والتعاسة بالسوية على المستضعفين في الأرض والمغفلين من معشر الإنس. فكانت تماما كما وصفها المفكر الأردني " سعد جمعة" في كتابه: " الله أو الدمار" " جماعية طاغية تدمر الإنسان ".
ورغم كل ذلك فالإرادة القوية التي تتدفق في كل حين من الزمن في نفوس أولي العزم من البشر تشجعنا باستمرار على الصمود والثبات أمام جبروت الجبابرة حتى نتحرر من أغلال الظلم وقيود التوحش وأخطبوط الاستبداد. مهما كان الثمن باهظا ومهما كان البطش عنيفا ومرعبا.
قال الله عز وجل:
" وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما، والذين يقولون: ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما، إنها ساءت مستقرا ومقاما، والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواما، والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق أثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا، إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا، فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما، ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا، و الذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما، والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا، والذين يقولون: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما، خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما".
"الفرقان: 63-76".
ويقول الفخر الرازي:
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى ان جمعنا فيه قيل وقالوا ا
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا. ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن:
أقرأ في الإثبات: " الرحمان على العرش استوى" " إليه يصعد الكلِم الطيب والعمل الصالح يرفعه" . وأقرأ في النفي: "ليس كمثله شيء ".
" ولا يحيطون به علما" ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ". " عن كتاب: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان".
وأختم هذا الفصل بقول عالم البصريات الجليل الحسن بن الهيثم رحمه الله: " … وما نحن … برآء مما هو في طبيعة الإنسان من كدر البشرية، ولكننا نجتهد بقدر ما هو لنا من القوة الإنسانية ومن الله نستمد المعونة في جميع الأمور…". اللهم اجعل هذا الكتاب خالصا لوجهك الكريم، نافعا لي ولجميع المسلمين، إنك سميع عليم.
merci bien mr hedi
RépondreSupprimerC'est moi qui dois vous remercier mon cher Abdoun pour l'ouverture de cette page
Supprimer