شياطين الانس------------1-2-2-2-الحياة الدنيا
شياطين الانس-الحياة الدنيا
"اعلموا
أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل
غيث أعجب الكفار بناته ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما، وفي الآخرة عذاب شديد
ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور سابقوا إلى مغفرة من
ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله. ذلك فضل الله يؤتيه
من يشاء والله ذو الفضل العظيم"
"الحديد: 20-21"
كما قال العزيز
الكريم تبارك وتعالى: "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم
أعمالهم فيها، وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط
ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا
يعملون".
"هود عليه السلام: 15-16"
وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر
سبيل وعد نفسك من أهل القبور". إغاثة اللهفان".
وقال عليه
الصلاة والسلام: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة أو جناح طير ما سقى
كافرا منها شربة ماء".
"درة
الناصحين".
فالدنيا عند
العارفين كنهها – هي زهرة فانية ونعمة زائلة، يغتر بها من يعتقد أنه لا دار سواها
ولا معاد وراءها. وهي سجن المؤمن وجنة الكافر. وقد ورد في الحديث الشريف أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم- قال: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى
جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ؟ ! ".
فقال أصحابه:
"فما تأمرنا يا رسول الله ؟
"
قال عليه
الصلاة والسلام: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا".
"الإمام أحمد رحمه الله تعالى".
و قال عليه
الصلاة والسلام: "موضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها. إقرأوا:
"وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور". "ابن جرير رحمه الله تعالى".
وقالت أم
المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "إنا كنا آل محمد نمكث شهرا وما نستوقد نارا:
إلا التمر والماء".
وقال الشيخ ابن
القيم الجوزية رحمه الله تعالى: " … إن الله سبحانه لم يخلق خلقه سدى هملا،
بل جعلهم موردا للتكليف ومحلا للأمر والنهي، وألزمهم ما أرشدهم إليه مجملا ومفصلا،
وقسمهم إلى شقي وسعيد، وجعل لكل واحد من الفريقين منزلا، وأعطاهم مواد العلم
والعمل، من القلب والسمع والبصر والجوارح، نعمة منه وتفضيلا. فمن استعمل ذلك في
طاعته وسلك به طريق معرفته على ما أرشد إليه ولم يبغ عنه عدولا، فقد قام بشكر ما
أوتيه من ذلك، وسلك به إلى مرضاة الله سبيلا، ومن استعمله في إرادته وشهواته ولم
يرع حق خالقه فيه يخسر إذا سئل عن ذلك، ويحزن حزنا طويلا، فإنه لا بد من الحساب
على حق هذه الأعضاء لقوله تعالى:
"إن السمع
والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه
مسؤولا".
"الإسراء:
36"
أما الغاية
الجوهرية من وجود البشر في هذا الكون فقد أشار إليها بكل وضوح قول الله
تعالى: " وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء
ليبلوكم أيكم أحسن عملا …".
"هود عليه السلام: 7"
وقوله عز وجل:
"وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم،
إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم".
"الأنعام:165".
وقوله
–سبحانه-: "كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا
ترجعون".
"الأنبياء عليهم السلام: 35"
فهذه الآيات
البينات من الذكر الحكيم وغيرها تبرهن أن الحياة الدنيا ما هي إلا مرحلة اختبار
وابتلاء وامتحان للكائن البشري في أفعاله وأعماله وأفكاره ونواياه وتصوراته لتعمير
ملكوت السماوات والأرض،
قال الله
تعالى: "اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون
بصير".
"فصلت:
40"
وقال عز وجل:
"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله، فيغفر لمن يشاء ويعذب من
يشاء، والله على كل شيء قدير".
"البقرة:284"
وقال تعالى:
"من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد".
"
فصلت:46"
إذن نستنتج من
كل ما سبق أن الإنسان في حياته الدنيا مراقب بدقة كبيرة كما تؤكده أيضا الآية
الكريمة:
"ولقد خلقنا
الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقى
المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"
"
ق: 17-18".
والدنيا –مهما
طاب العيش فيها- هي دار ابتلاء وكروب وغرور لا يرجى فيها راحة.
المرء يصاب
مصائب لا
تنقضـي
حتى يوارى جسمه في رمسـه
فمؤجل يلقى
الردى في
غــيره
ومعجل يلقى الردى في نفسـه
تبدأ الحياة
بدخول الروح في جسم الجنين في رحم الأم وتنتهي عندما تخرج تلك الروح منه عند
اكتمال الأجل المسمى. ولما يخرج الإنسان "الصغير" من الرحم يعصره
الشيطان الذي يقرنه به إبليس اللعين عصرة فيستهل الحياة باكيا و حياتنا تبدأ بآلام
المخاض والخروج من ضيق الرحم وتنتهي بسكرات الموت والدخول في ضيق القبر:
ولدتك أمك
باكـيا مستصــرخا
والناس حولك يضحكون سـرورا
فاحرص لنفسك أن
تكون إذا بكـوا
في يوم
موتك ضاحكا مســرورا
وقال الله
تبارك وتعالى: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله، كتابا مؤجلا، ومن يرد
ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها، وسنجزي الشاكرين".
"آل عمران: 145"
والدليل على
وجود قرين السوء والتضليل ما أخبر به الله تعالى عن أهل الجنة في قوله: "قال
قائل منهم إني كان لي قرين يقول: أئنك لمن المصدقين ؟ أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما
أئنا لمدينون ؟ قال: هل أنتم مطلعون ؟ فأطلع فرآه في سواء الجحيم".
"الصافات:
51-55"
أما التناسل من
أجل استمرار البشر إلى يوم القيامة فهو ليس بجناية كما يفهم من وصية فيلسوف
الشعراء أبي العلاء المعري التي طلب فيها أن يكتب على قبره:
هذا ما
جنـاه أبــي علـي
وما جنـيـت علــى أحـد
وتقترب من ذلك
خيبة أمل أبي القاسم الشابي في الحياة عندما قال:
ناولتني
الـحياة كأسا
دهاقـا
بالأماني فـما تناولت كأســي
إن في روضـة
الحياة
لأشـوا
كا بها مــزقت زنابـق نفسـي
ونجيبه في
قصيدة "أيها الليل":
صاح إن
الحياة أنشـودة الحز
ن فرتـل على
الحيـاة نحيــبي
ليس في الدهـر
طائـر
يتغـــنى
في ضـفاف الحيـاة غـير كئيب
فنحن نتناسل
ونحزن ونفرح ونطيع الله وننتظر الموت في غير شوق رغم قسوة الناس علينا، ونحن نعمل
في الحياة كل ما نستطيعه من الصالحات ونرجو من الله تعالى العفو والمغفرة عن كل ما
اقترفناه من السيئات، ونؤمن بالقدر خيره وشره، ونحاول قدر ما نستطيع اتباع الطريق
المستقيم، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين
وأملنا كبير في شفاعته الكبرى وفي رضوان الله تعالى ونحمد الله ونشكره.
بلينا ومـا
تبلـى النجــوم
الطوالــع
وتبقـى الديـار بعـدنا والمصانــع
وما الـمرء إلا
كالشـهاب وضوئــه
يحور رمادا
بعد إذ هـو ساطـــع
وما الـمال و
الأهـلون إلا
ودائـــع
ولا بد يومـا أن
تـرد الودائـــع