شياطين الفكر والمادة
الفصل
ب: شياطين الفكر والمادة
قال الله عز
وجل: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله، ليشتروا
به ثمنا قليلا، فويل لهم مما كتبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون".
"البقرة:
79".
وقال سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم: " … ومن كذب عني متعمدا، فليتبوأ مقعده من
النار" "رواه البخاري
رحمه الله"
وعن عبد الله
بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض
العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم،
فضلوا وأضلوا". رواه الشيخان رحمهما الله تعالى.
وقال العزيز
الحكيم سبحانه وتعالى: "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد
ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا
وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم"
"البقرة:
159-160"
وقال العظيم
الجبار سبحانه وتعالى: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به
ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار و لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا
يزكيهم ولهم عذاب أليم. أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، فما
أصبرهم على النار. ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق، وأنّ الذين اختلفوا في الكتاب
لفي شقاق بعيد ".
"البقرة: 174-176".
بينت في ما
تقدم من هذا الكتاب ما بذله رجال العلم والمعرفة من جهد لفهم طبيعة الكون وتشريح
الذات البشرية للكشف عن الأسرار الغامضة والألغاز المستعصية، فكانوا بذلك أهلا
للتكريم والتفضيل الواردين في سورة الإسراء من التنزيل الحكيم: "ولقد كرمنا
بني آدم وجعلناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا
تفضيلا".
أما في هذا
الزمان فقد مسخ مرتزقة الفلسفة والعلوم والفنون والآداب وطوعوا مداركهم لإشباع
غرائزهم الحيوانية، فأفتوا بغير علم وهاجموا كل المقدسات ورتبوا للوحوش والجبابرة
مناهج التضليل وقوانين الاستبداد والتجبر، فساد على كوكب الأرض ظلم شنيع وجبروت
فظيع. وباع شياطين الفكر إلى شياطين الحكم والمادة والدعارة مبادئهم وعقائدهم و
علومهم وأرواحهم وأقلامهم وأدمغتهم بثمن بخس: الحياة الدنيا. كما عبثوا بكرامة
الأبرار، فأفسدوا بذلك مسيرة الفكر البشري النقي الطاهر. وصدق ابن خلدون رحمه الله
تعالى عندما قال في مقدمته: " … فالنفوس مولعة بحب الثناء، والناس متطلعون إلى
الدنيا وأسبابها من جاه وثروة، وليسوا في الأكثر، براغبين في الفضائل ولا متنافسين
في أهلها …" وعن أنس وكعب بن مالك، رضي الله عنهما، أن رسول الله –صلى الله
عليه وسلم- قال: "من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يكابر به العلماء أو
يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار". "من كتاب: خزينة الأسرار:
النازلي".
وقال الدكتور
أحمد قديدي في كتابه:"
Islam-occident ":
« …Les pires despotes avaient
toujours trouvé des ulémas pour justifier leurs crimes, et rencontré de rares
autres ulémas pour les dénoncer et les défier.
La dynamique du pouvoir, au lieu d’être
politique était souvent métaphysique … et l’est encore dans les sociétés arabes
d’une façon ou d’une autre … »
« Docteur
Ahmed Kedidi »
و أترجم هذا
القول كالآتي: إن المستبدين قد وجدوا دائما علماء سوء، ليحلوا لهم جرائمهم ويزكوها
لهم، ومن النادر أن يتصدى لسياستهم المشتغلون بالفكر والقلم. إن ديناميكية الحكم –
عوضا أن تكون سياسية- كانت دائما غيبية- ومازالت هذه حالها إلى الآن- في المجتمعات
العربية بطريقة أو بأخرى". ورحم الله الشيخ إسماعيل بن كثير عندما قال:
" يا علماء السوء، جلستم على أبواب الجنة، فلا تدخلونها ولا تدعون المساكين
يدخلونها. إن شر الدواب عند الله: عالم يطلب الدنيا بعلمه."
"من كتابه قصص الأنبياء".
فهؤلاء خبراء
المجتمعات (les sociologues ) يشوشون العقول بافتراضات وهمية ويكرسون بها الهيمنة
الإمبريالية والرأسمالية والإقطاعية فزعموا أن في شهر أوت من عام 1988م قد بلغ عدد
مواليد البشرية –منذ القرد "الدارويني الأول": ثمانين مليارا كما زعموا
أن عدد الأحياء منهم قد بلغ في ذلك التاريخ خمس مليارات نسمة، وبلغ عدد الأموات
خمسا وسبعين مليارا… وزعموا أن قرد "دارون" عاش منذ حوالي مائتي ألف
سنة، ثم بدأ يتطور، فتعامل مع النار واستفاد منها في طهي أطعمته، ثم صنع بعض
الأجهزة، فقفزت إثر ذلك التطور-
السلالة الدارونية إلى عدد خمسمائة ألف نسمة. و أستغرب
من هذه المزاعم الكاذبة، إذ أننا لم نسمع عن القردة الموجودة بأدغال إفريقيا أنها
تقوم بنشاط صناعي أو فكري، أو تطبخ ما تحتاج إليه من الأغذية، بل هي تأكل الفواكه
والأثمار رغم مرور آلاف السنين من وجودها. ثم زعم خبراء التضليل أن الإنسان ظهر
على شكله الحالي منذ حوالي أربعين ألف سنة، فبدأت الكثافة السكانية تظهر جليا من
حوالي عشرة آلاف سنة، وحسب قولهم: ما كان يمكن بلوغ العدد الضخم الذي وصلت إليه هذه
الكثافة لولا علوم الأوروبيين ولولا نهضتهم الصناعية التي وقعت في القرن الثامن
عشر. لكنهم اعترفوا أن بعد نهضتهم المزعومة قد زاد عدد الأموات عن عدد المواليد
وجحدوا أسباب ذلك التراجع. غير أنّي أؤكد و أبيّن أن ذلك النقصان قد نتج في حقيقة الأمر
عن اغتصاب النصارى لأوطان الشعوب الإفريقية والآسيوية والأمريكية ابتداء من سنة 1600م، وعن فتكهم
بملايين المسلمين في حملاتهم الصليبية والاستعمارية والاقتصادية والتخريبية، مما
ألحق أضرارا فظيعة بشعوب الأرض. و زعموا أيضا أن أوضاع الحياة لما تحسنت في
أوروبا، نتج عنها نمو جديد في عدد البشر، لما وفره النصارى من العيش الرغيد
والرعاية الطبية! وأجيب عن هذا الزعم الكاذب بما يلي: إن الشعوب التي تتمركز في
المراتب الأولى من حيث كثافة السكان هي جغرافيا في المشارق وليست في المغارب: فهي
الصين والهند، و أندونيسيا
و الباكستان، واليابان، ولقد تكاثرت تلك الأمم لأنها كانت في مأمن من وحشية
النصارى عندما كانت وسائل الاتصال الجماعية مفقودة، فلما وجد المحرك البخاري
والمحرك النفطي والمحرك النووي طالت جيوش البطش والتجبر كل مكان من كوكب الأرض،
وفرضت قوانين القوة والعنف والقسوة على المستضعفين في الأرض. ودليلي على كل ذلك
الإشارة السريعة إلى معاناة شعوب الفيتنام وكوريا والصين والفيليبين و اللاوس
وكمبوديا من حملات استعمارية عنيفة أشعلت نيرانها فرنسا و أنقلترا وهولندا ثم
أمريكا. وكذلك ماذا تساوي مدة حياتنا اليوم في سنة 1999م مقارنة بمدة الحياة التي
كانت تعيشها أجيال آدم ونوح وإبراهيم عليهم السلام، فقد تراوحت بين 1000 سنة في
جيل آدم وبين 200 سنة في جيل إبراهيم حسب ما دونه علماء بني إسرائيل، وما نقله
عنهم علماء الإسلام. ثم بعد ذلك بدأت مدة الحياة البشرية تتقلص وتتناقص شيئا فشيئا
حتى صارت إلى ما هي عليه الآن من الهشاشة و الميوعة والضعف، وما كان ذلك التدهور
بالإمكان لولا الحروب والفواجع والجراثيم والتلوث وسوء التغذية التي سلطها شياطين
الكون للبطش بأمم كوكب الأرض والقسوة على معشر الإنس. ولقد ربطت أمريكا وأوروبا بين
مساعداتها الاقتصادية للدول الضعيفة وبين برمجة الإجهاض الإجباري في إفريقيا
وآسيا، فقدمت أمريكا 620 مليون دولار لبرامج التنظيم العائلي في العالم، ونتج عن
هذه المساعدة خمسون مليون إجهاض ووفاة مائتي ألف امرأة كل سنة حسب تقارير خبراء
الديمغرافيا الذين تجمعوا في ندوة القاهرة في سبتمبر من سنة 1994م، سعيا ملحا من
أمريكا وأوروبا في إبقاء خزائن الأرض على ذمتها وإفناء لتلك الشعوب رويدا رويدا
خوفا من نفاد ونضوب خيرات إفريقيا وآسيا. هم بطبيعة تفكيرهم يعتقدون أن الكون
موجود بدون صانع أو مدبر يدبر شؤون الكائنات، ولقد بحثنا أفكارهم وكشفنا عنها في البحث
الأول من هذا الكتاب. غير أني سأبين بالاستشهاد بآيات من التنزيل الحكيم أن كل تلك
الأوهام هي باطلة وفاسدة ببطلان تفكيرهم وفساد عقولهم. قال الله عز وجل:
"وإن
ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب
مبين."
"النمل: 72-75"
وقال الله عز
وجل: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما
تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب
مبين وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار، ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل
مسمى، ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون. وهو القاهر فوق عباده، ويرسل
عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا
يفرطون" الأنعام59-61. وقال سبحانه: "يا أيها
الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض، ولا تيمموا الخبيث
منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه، واعلموا أن الله غني حميد، الشيطان
يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا، والله واسع عليم،
يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، وما يذكر إلا أولوا
الألباب".
"البقرة:
267-269".
وقال
سبحانه: "إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، إنه كان بعباده خبيرا بصيرا.
ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، نحن نرزقهم وإياكم، إن قتلهم كان خطئا كبيرا".
"الإسراء:
31".
نستنتج إذن من
هذا القرآن الكريم أن البرمجة كاملة منذ الخلق الأول وشاملة لكل ما هو كائن من
الأزل وإلى الأبد. فالمجاعات التي تصيب أجزاء كثيرة من كوكب الأرض لم تنتج عن نضوب
خزائن الأرض من المياه والمعادن، بل نتجت –بكل تأكيد- عن سوء التصرف فيها
وتبذيرها. ولقد أصاب المهندس السوري:
محمد شحرور في قوله: "… والأرض بما فيها من أنظمة
حياتية معقدة هي مكان إقامة الإنسان ونشاطه الواعي ومصدر حياته، وقد أعطانا الله
هذه الأرض أمانة بأيدينا لكي نعمرها ونستفيد منها: قال تعالى: "هو أنشأكم من
الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب".
"هود عليه السلام: 61"
وقد خلق الله
الأرض وأنظمتها بشكل أنها قادرة على أن ترمم نفسها وتحافظ على صحتها، والمشكلة هي
الإنسان ذو النشاط الغير واعي و الغير المسؤول، والذي من جراء نشاطه
هذا قد يؤدي إلى افساد الأرض. فعلى كل البرامج الاقتصادية في التنمية والاستثمار
أن تأخذ هذه الناحية بعين الاعتبار لأن فسادها من جراء عبث الإنسان فيها سيؤدي إلى
دمار الإنسان نفسه …" المهندس محمد شحرور: الكتاب والقرآن"
وقال الله
سبحانه:
"الله
يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار، عالم
الغيب والشهادة الكبير المتعال"
"الرعد
8-9"
وقال العليم
القدير سبحانه:
"إن
كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا، لقد أحصاهم وعدهم عدا و كلهم آتيه
يوم القيامة فردا".
"مريم:
93-95".
إن الله
العظيم القدير، عالم الغيب والشهادة، ملك ملكوت السماوات والأرض قد خلق لمعشر
الإنس جميعا من آدم إلى آخر مولود من البشر أرزاقهم ومكاسبهم وأنعامهم وأمتعتهم
وكل ما يحتاجون إليه من أنواع الكائنات الأخرى الفضائية والبحرية والبرية في مراحل
وجودهم الثلاثة: الدنيا والبرزخ والآخرة فخلق –سبحانه- السماوات والأرض وسخر فيها
ما يعجز اللسان عن ذكرها كلها ويقصر العقل عن الإحاطة بها جميعا. وخلق العزيز
الجبار تبارك وتعالى الجنة والنار والحور الأبكار وزبانية التعذيب للآخرة،
وخلق –سبحانه- التراب والدود- لمرحلة القبور. "يسأله من في السماوات و
الأرض، كل يوم هو في شأن، فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟ سنفرغ لكم أيه الثقلان"
"الرحمان:29-31"
وقال تعالى:
"وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في
كتاب مبين".
"هود عليه السلام: 6"
وقال سبحانه:
"وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا
يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في
كتاب مبين".
"سبأ:3".
إذن فمن العبث
والخبث والغباء أن نخشى من فراغ خزائن رحمة الكريم الوهاب –سبحانه- لأن فراغها تصديق للكافرين
والمشركين والمضللين في دعواهم الباطلة التي تزعم أن الله قد انتحر وترك الكون في
الفوضى يموج بعضه في بعض. و لولا جبروت الجبابرة ونهم المتوحشين وجشع الإقطاعيين
ولولا الأرباح الخرافية التي تجنيها ألف شركة عالمية احتكارية، تنهب لوحدها أكثر
من خمسين بالمائة من الإنتاج العالمي في شتى الميادين الحياتية لما انتشر البؤس وتفاقم
الفقر وتسلط على الناس الجوع والحرمان واليأس. عن أنس وابن عباس وابن الزبير رضي
الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لو كان لأبن آدم واد من مال
لابتغى إليه ثانيا ولو كان له واديان لابتغى لهما ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا
التراب، ويتوب الله على من تاب". رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي".
وكما قال عميد
الأدب العربي الدكتور طه حسين عن المعذبين في الأرض: " … فالله لم ينشر ضوء الشمس
ليستمتع به فريق من الناس دون فريق، والله لم يرسل النسيم لتتنفسه طائفة من الناس
دون طائفة، والله لم يجر الأنهار ولم يفجر الينابيع لتشرب منها جماعات من
الناس و تضمأ إليها جماعات أخرى، والله كذلك لم يخرج النبات من الأرض ليشبع منه
قوم ويجوع آخرون. وإنما أسبغ الله نعمته ليستمتع بها الناس جميعا، تتفاوت حظوظهم
من هذا الاستمتاع، ولكن لا ينبغي أن يفرض الحرمان على أحد منهم، مهما يكن شخصه
ومهما تكن طبقته، ومهما تكن منزلته بين مواطنيه"." طه حسين: المعذبون في
الأرض".
إن الله –تبارك
وتعالى- هو الحي القيوم، دائم الوجود، وهو العزيز الجبار، دائم العزة والجبروت،
وهو الكريم المبدع، دائم العطاء والإبداع، وهو العليم الحكيم، دائم العلم والحكمة،
وهو الحسيب الرقيب، دائم الحسبان والمراقبة، وهو العلي الجليل، دائم العلو والجلال.
وهو العظيم المجيد، دائم العظمة والمجد، وهو السميع البصير، دائم السمع والإبصار،
وهو الشهيد الودود، دائم المشاهدة واللطف، وهو التواب الرحيم، دائم التوبة
والرحمة، على من تاب وآمن وعمل الصالحات، وهو القوي المتين، دائم البطش والقوة،
وهو الله الذي لا إله إلا هو، لا شريك له في ملكوته، دائم الوحدانية، وهو مالك الملك
ذو الجلال والإكرام، الذي لا تزول من أسمائه الحسنى أية صفة من صفاته العلى
المتضمنة كلها للكمال والجلال والعظمة والقوة والقدرة والعلم والحكمة والخبرة
والخلق والإبداع. فسبحان الله وتعالى علوا كبيرا عن جهل البشر وظلمهم
وبغيهم وفسقهم ومكرهم ونفاقهم وشركهم. قال الحق تبارك وتعالى: " وإن من شيء
إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم، وأرسلنا الرياح لواقح، فأنزلنا من
السماء ماء فأسقيناكموه، وما أنتم له بخازنين"
"الحجر:21-22".
وقال
سبحانه : "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين".
"سبأ:
39".
ولقد سخر الله
–سبحانه – للإنسان أينما وجد على البسيطة الخيرات تلو الخيرات وبصفة مسترسلة،
وكلما أوشك نوع منها على عدم تناغمه وتناسبه مع أناس عصر من العصور، إلا وهدى
الحكيم العليم الخبير البصير –سبحانه- مصابيح كوكب الأرض وألهمهم –إلهام النحل لا
إلهام الوحي- إلى الكشف عن بديل له و مثالي على ذلك: الطاقة: فقد بدأ الإنسان
باستعمال الحطب ثم الفحم الحجري، ثم الكهرباء، ثم النفط و الغازات، ثم الطاقة
النووية، ثم الطاقة الشمسية، والبقية ستأتي لا محالة. مع أن كل هذه المصادر
المولدة للطاقة مازالت موفورة وموجودة إلى الآن، ولم يندثر أي نوع منها.ومثالي
الثاني على ذلك أيضا: الذهب. فرغم تناحر وتهافت ونهب خزائن الذهب من طرف شياطين
المادة وعبيدها من أجل إرضاء رغبات عرائس الإنس لم تنضب ولم تندثر بمرور العصور. قال الله سبحانه:
"ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض، ولكن ينزل بقدر ما يشاء، إنه
بعباده خبير بصير". كما أشار الله –عز وجل- إلى العلاقة العضوية بين شكر
العباد لخالقهم وبين الرزق ووفرته في قوله تعالى من سورة الأعراف: "ولو أن
أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا،
وأخذناهم بما كانوا يكسبون""الأعراف: 96".
إن تبذير
شياطين الحكم ونهم شياطين المادة وخبث شياطين الفكر هو السبب الرئيسي في الفقر
والبؤس والحرمان والخصاصة والجوع والجهل. وبرهاني على ذلك: الوفاق المبرم بين
واشنطن وموسكو الذي نص على تدمير الصواريخ العابرة للقارات وتفكيك خمسين ألف
دبابة، وثلاثين ألف قذيفة نووية، وأربعين ألف مروحية وآليات أخرى خزنتها ترسانات
الرعب والبطش والظلم والفتك. والضرر يكمن في التكاليف الخرافية التي ابتلعتها
أبحاث شياطين الفكر وصناعات شياطين المادة ونزوات شياطين الحكم في إيجاد تلك
الأسلحة الفتاكة ثم الاتفاق على تدميرها أو تجريبها في بلاد المغفلين والمتخلفين
عن عصرهم من العربان والأحباش والملونين. بينما كان من المفروض من الناحية
الإنسانية ومن زوايا المنطق السليم صرف تلك الاعتمادات الضخمة في ما ينفع أمم الإنس،
إذ أن ثمن صاروخ واحد يكفي لإقامة خمس مستشفيات من نوع مستشفيات باريس الأنيقة.
أما الكيميائيون والصيادلة والأطباء فقد باعوا ضمائرهم كليا لجبابرة الأرض من أجل
تكديس المال والعيش الرغيد وزخرفة القصور فوفروا لهم وسائل الدمار الشامل من غازات
وزيوت وجراثيم وأخلاط فظيعة تفقد الإنسان عقله وصحته وسعادته. ولقد أخبر أطباء
مسلمون –كانوا يسعفون ضحايا الحملة الصليبية التي استهدفت إفناء مسلمي
"البوسنة والهرسك" بأوروبا أنهم أجهضوا ما زرعه خبراء التوليد "الصرب"
في أرحام المسلمات –غصبا- من أجنة مأخوذة من مني الكلاب –كرم الله وجهك أيها
القارئ. ولا أشك لحظة من أن هؤلاء "الأورتودكس" الكلاب هم الذين عناهم إبليس الرجيم عليه
وعليهم لعنة الله الكاملة الدائمة التامة المسترسلة إلى يوم القيامة في ما أخبر
عنه القرآن الكريم:
"لأتخذن
من عبادك نصيبا مفروضا، ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام،
ولآمرنهم فليغيرن خلق الله".
"النساء:119".
لكن الله
–سبحانه- أعظم وأبطش وأقوى من جميع الشياطين: "فمهل الكافرين أمهلهم
رويدا".
"الطارق:
17"
و في سنة 1994
كشفت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان أن سلطات الصين الشعبية تعدم الشباب بحجة و
بغير حجة لبيع أعضائهم و أفئدتهم كقطع غيار لمن يدفع لهم ثلاثين ألف دولار للعضو
البشري الواحد كالكلية مثلا أو العين أو القلب. أما قرائح شياطين الإدارة
والاقتصاد فلا تبتكر إلا ما يزيد معشر الإنس إرهاقا وشقاء وهموما. ويجهد المنافقون
والمغضوب عليهم والضالون والمشركون أنفسهم في المتاجرة بعقائد الشعوب و أديانها،
فبذلوا كل ما أوتوا من مكر وغدر وخبث وكيد ودهاء من أجل إشاعة الفساد وتحريف كلام
الله تعالى وإشباع غرائزهم ومن أجل إرضاء الشياطين التي تسكنهم والشياطين التي
تحكمهم. قال الله تبارك وتعالى: "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم
ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم
القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب
لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب و يقولون على الله
الكذب وهم يعلمون".
"آل عمران:77-78".
وأكذب الناس
إطلاقا هم بدون أدنى شك قساوسة التدجيل الذين يبيعون صكوك الغفران ويحتجزون على حد
زعمهم غرفا في الجنة لمن يتصدق للكنيسة بأملاكه، أما الحقيقة المرعبة التي
سيكتشفونها يوم القيامة هي أنهم هم الذين سيخلدون في جهنم عقابا أليما من الله
تعالى على شركهم وضلالهم وتأليههم عيسى عليه السلام، وتقديسهم الصلبان والأصنام.
أما المنافقون من أمة الإسلام فقد اتبعوا الباطل وابتعدوا عن الحق، وداهنوا شياطين
الحكم وأفسدوا عقائدهم. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " … وأكثر ديانات الخلق
إنما هي عادات أخذوها عن آبائهم وأسلافهم، وقلدوهم فيها: في الإثبات والنفي، والحب
والبغض، والموالاة والمعاداة. والله سبحانه إنما ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه
القائمين بدينه علما وعملا، لم يضمن نصر الباطل ولو اعتقد صاحبه أنه محق. وكذلك
العزة والعلو إنما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، وهو علم
وعمل وحال.قال تعالى: "وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"
"آل عمران:139".
فللعبد
من العلو بحسب ما معه من الإيمان. قال تعالى: " ولله العزة ولرسوله
وللمؤمنين".
"المنافقون:8".
فله من العزة
بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظ من العلو والعزة، ففي مقابلة ما
فاته من حقائق الإيمان، علما وعملا، ظاهرا وباطنا. وكذلك الدفع عن العبد بحسب إيمانه، قال
تعالى: "إن الله يدافع عن الذين آمنوا". "الحج:38" فإذا ضعف
الدفع عنه فهو من نقص إيمانه". وجمع الله تعالى بين فتنة الشهوات وفتنة
الشبهات في قوله تعالى: "كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا
وأولادا، فاستمتعوا بخلافهم، فاستمتعتم بخلاقكم".
"التوبة:
69"
أي تمتعوا
بنصيبهم من الدنيا وشهواتها ( والخلاق هو النصيب المقدر)، ثم قال سبحانه:
"وخضتم كالذي خاضوا"، فهذا الخوض بالباطل، وهو الشبهات. فأشار –سبحانه- في هذه
الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق، والخوض بالباطل،
لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به، أو بالعمل بخلاف العلم
الصحيح. فالأول هو البدع وما والاها والثاني فسق الأعمال فالأول فساد من جهة
الشبهات والثاني من جهة الشهوات.
ولهذا كان الحكماء يقولون: "إحذروا فتنة العالم
الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون". وأصل كل فتنة إنما هو
من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل فالأول أصل فتنة الشبهة، والثاني أصل
فتنة الشهوة. ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر، لذلك
جعل –سبحانه-
إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال تعالى: "وجعلنا منهم أئمة يهدون
بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون". "السجدة:24". فدل
على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.وجمع بينهما أيضا في قوله تعالى: "وتواصوا
بالحق وتواصوا بالصبر". فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، والصبر الذي يكف عن
الشهوات. "ابن القيم: إغاثة اللهفان". وقال شيخ الأزهر الشريف:
محمد الشعراوي: "و إذا كنا نحن المسلمون اليوم لا نعطي الصورة الحقيقية
للإسلام … فذلك ليس عيب الإسلام … ولكنه عيب المنسوبين إلى الإسلام. وأخشى أن
أقول: إننا كنا بذلك فتنة للناس، … لأن الناس أحبوا أن يروا الإسلام فينا
فأعطيناهم معطيات غير ما يعطيه الإسلام … فزهدوا في الإسلام فكرا …، وزهدوا في
الإسلام نظرا … ولقد قال رجل أسلم: الحمد لله الذي هداني للإسلام قبل أن أعرف
المسلمين …، كلمة مرة توحي بأن المسلمين في معزل عن دينهم، أخذوه اسما ولم يأخذوه
مسمى". "الشيخ الشعراوي: كيف نفهم الإسلام".
و في عصرنا هذا
يفكر خبراء التضليل والإشراك من اللاهوتيين المسيحيين في بلاد العرب أن مشكلة بناء
لغة عربية –دينية (مسيحية) أكثر تطابقا وتوافقا وانسجاما مع الثقافة العربية-
الإسلامية، هي إحدى أكثر المسائل حيوية وأهمية. فأشاروا إلى ضرورة الدراسة المعمقة
والدقيقة للغة القرآن وطرحوا موضوعا جديدا يتمثل في إمكان الاستخدام المبدع للنصوص
الإسلامية في الصلوات المسيحية الشرقية، خاصة في مصر ولبنان موطن الكنيسة القبطية.
« M. Fitzgerald Christian Liturgy and Islamic Texts :
« Encounter : 1976 N° 30
PP.6-8.
هدفهم من ذلك:
أنهم سيقدسون الصّلبان ويؤلهون عيسى بتلاوة القرآن في صلواتهم الكنيسيّة، قبّحهم
الله في الدنيا و الآخرة.
"لكن الله
يشهد بما أنزل إليك، أنزله بعلمه، والملائكة يشهدون، وكفى بالله شهيدا. إن الذين
كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا. إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله
ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله
يسيرا. يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم، فآمنوا خيرا لكم، وإن تكفروا
فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما".
"النساء:166-170"
وأفرزت برامج
التضليل ومناهجه صنفا جديدا من شياطين الفكر: أسميتهم: "شياطين التهريج"، يتهافتون
على الكذب بدون حياء ولا همة وينفثون سمومهم عبر الفضائيات والإذاعات واليوميات،
مهرجين بكل الوسائل ومزورين لكل الحقائق وملوثين لكل الفضائل، فصاروا بذلك أركانا
وأسسا لكل مشاريع الفساد وحملات التخدير التي تستهدف أرواح وعقول الشعوب في
المشارق وفي المغارب. وكان تأثيرهم أدهى وأمر وأعنف من تأثير سحرة فرعون وزبانية
"هتلر"، وفلسفة "ماركس" ومزاعم" دارون" ووحوش "هرقل".
كان الكذب رذيلة في العصور الغابرة، فصار اليوم في سنة 2000م علما من علوم
الصحافة، يستعمل لتمرير برامج الفساد بسلام، ولامتصاص غضب الشعوب. ولن أنس –في
كشفي عن شياطين الإنس- ذكر عمليات الغش والتهريب والاحتيال والرشوة، التي تهيمن
على معظم المبادلات التجارية والصناعية و الفلاحية بين شياطين المادة. ومن أخبثها
إطلاقا: مبيعات الأدوية المتعفنة والأسلحة الفاسدة، والأغذية الملوثة ولحوم البقر المجنون
و الفضلات النووية إلى الأمم المتخلفة. إن الذي أزعج شياطين الإنس هو بقاء الفكر
الإسلامي قلعة صامدة وحيدة تتصدى للمواخير التي تعج وتفيض بشهوات الجنس ومخدرات
الفكر وشبهات العقل وحركات العبث والتضليل والكفر. ومازالت العقيدة الإسلامية –منذ
إطاحتها بصروح الباطل- تستهدف للطعن العنيف وتتعرض للمكر المتجدد، من خصومها
وأعدائها: من يهود ونصارى ومجوس ومنافقين وملحدين، علما منهم أن أسرار الحياة
المستقيمة وأسباب سعادة البشرية، إنما تكمن في العقيدة الإسلامية، فزلزلوها زلزالا
عنيفا في نفوس من يعتبرون أنفسهم من أمة الإسلام –اعتمادا على التاريخ
والجغرافيا-. ولقد أكد الشيخ الجليل عبد الرحمان بن خلدون: "أن العرب لا يحصل
لهم الملك إلا بصيغة دينية: من نبوة، أو ولاية، أو أثر عظيم من الدين على الجملة.
والسبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم، هم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض،
للغلظة والأنفة وبعد الهمة، والمنافسة في الرئاسة، فقلما تجتمع أهواؤهم. فإذا كان الدين
بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم،
فسهل انقيادهم واجتماعهم".
"ابن خلدون: المقدمة".
وإثباتا لهذا
الرأي أقول: إن جامعة الدول العربية قد فرقت بين الشعوب العربية أكثر مما جمعت،
فأيسر علي كعربي أن أطوف ببلاد الأعاجم من أن أزور بلاد العرب، كما فشلت محاولات
التوحيد التي قام بها عبد الناصر في المشرق و القذافي في المغرب، لأنها لم ترتكز
على ركائز الإسلام. ولقد فهم الأعاجم نظرية ابن خلدون فهما جيدا، ففككوا أمة العرب
وشتتوها إربا إربا. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير. قالوا: يا رسول
الله: أليس يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه
وسلم: بلى، ويصومون، ويصلون، ويحجون. قالوا: فما بالهم ؟ قال: اتخذوا المعازف
والدفوف، و القينات، فماتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير". وقال ابن
قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فالمسخ على صورة القردة والخنازير واقع في هذه الأمة
ولا بد، وهو في طائفتين:
- علماء السوء
الكاذبين على الله ورسوله، الذين قلبوا دين الله تعالى وشرعه، فقلب الله تعالى
صورهم، كما قلبوا دينه.
- والمجاهرين
المتهتكين بالفسق والمحارم. ومن لم يمسخ منهم في الدنيا مسخ في قبره أو يوم
القيامة. وقد قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:
وقد يورث الذل
إدمانـها
وخير
لنفسك عصيانـها
وأحبار سـوء
ورهبانـها
رأيت الذنوب
تميت القلوب
وترك الذنوب
حياة القلوب
وهل أفسد الدين
إلا الملوك
فالملوك
الجائرون يعترضون على الشريعة بالسياسات الظالمة ويعارضونها بها، ويقدمونها على
حكم الله ورسوله، وأحبار السوء هم العلماء الخارجون عن الشريعة بآرائهم الفاسدة
المتضمنة تحليل ما حرم الله ورسوله، وتحريم ما أباحه، واعتبار ما ألغاه وإلغاء ما
اعتبره، وإطلاق ما قيده وتقييد ما أطلقه ونحو ذلك، أما الرهبان فهم جهال المتصوفة
المعترضون على حقائق الإيمان والشرع بالأذواق والمواجيد والخيالات والكشوفات
الباطلة الشيطانية المتضمنة شرع دين لم يأذن به الله، وإبطال دينه الذي شرعه على
لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. وتعويض حقائق الإيمان بخدع الشيطان وأهواء النفس:
فقال الأولون: إذا تعارضت السياسة والشريعة، قدمنا السياسة، وقال الآخرون:
إذا تعارض العقل والنقل، قدمنا العقل. وقال أصحاب الذوق: إذا تعارض الذوق
والكشف وظاهر الشرع، قدمنا الذوق والكشف وعلى كل حال فمن تاه أو ضل أو انخدع أو فسق،
أو كفر فعليه بما رواه ابن ماجه والطبراني والبيهقي رحمهم الله تعالى، عن عبد الله
بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
التائب من
الذنب كمن لا ذنب له". ويروى في التاريخ المدون أن يزيدا بن عبد الملك، ما إن
ولي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز ملأ الدنيا مغاني وخمرا ومجونا وخلاعة طوال
أربعة أعوام، وأتى بأربعين شيخا، فشهدوا له: "ما على الخليفة حساب ولا
عذاب" بينما كان يقول من هو أشرف منه نسبا وأرقى منه علما وأصدق منه دينا
وأقرب منه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: "أي
سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم".فأما من
تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه، وقد جاء في الحديث الشريف عن أبي
هريرة رضي الله عنه: "من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من
نار". "أخرجه أبو داود والترمذي رحمهما الله تعالى". كما روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم،
فليتبوأ مقعده من النار".
"رواه ابن جرير رحمه الله تعالى".
ومن شياطين
الفكر المعاصرين لي، امتاز المفكر المصري القبطي: "فرج فوده" بعداوته الصريحة
للمسلمين، التي كشف عنها في كتابه: "الحقيقة الغائبة"، ونصح فيه أمراء المسلمين بما يلي: "إن على الحاكم –أي حاكم
أن يتعرف جيدا على ساحته، وأن يتمسك جيدا بأسلحته، وأن ينأى بنفسه وبحكمه عن
استعارة سلاح الآخرين، أو الانتقال إلى ساحتهم، أو الرقص على أنغامهم، ولو حاول
معاوية أو عبد الملك، ولو حاول مساعدوهم مثل زياد أو الحجاج، أن يحتكموا إلى القرآن،
أو ينظروا حول صحيح الإيمان، أو يفسروا قراراتهم بتعاليم الإسلام، أو يتباهوا على
المخالفين لهم والخارجين عليهم بالصلاح والتقوى ونظافة اليد ونقاء السريرة، لانتهى
حكمهم قبل أن يبدأ، ولأخلى معاوية مكانه لحجر بن عدي، ولتنازل عبد الملك عن منصبه
للحسن البصري، لكنهم احتكموا للسيف، وهو دستور عصرهم، فدانت لهم الدولة، وسهل
عليهم الحكم، وربما سعدت الرعية بالاستقرار والأمن و الأمان ولعل عصرنا لا يخلو من
سيف متحضر: هو الدستور، لا يسيل دما وإنما يحفظ استقرارا ولا يطيح برؤوس وإنما
يلزمها جادة الصواب، وليس لحاكم في عصرنا أو لنظام حكم في عالمنا المعاصر إلا أن
يستوعب درس السابقين، بأسلوب العصر، لا بأسلوبهم، وليس له أن يحاور الخارجين في ساحتهم،
أو بسلاحهم، أو أن يرقص على أنغامهم، وإنما عليه أن يلزمهم بالمحاورة في ساحته،
وليحمدوا الله إن لم يجدوا فينا يزيدا، ولم يتطرف منا وليد، ولم يتول وزارة
الداخلية المصرية حجاج، ولم يتملك منا عبد الملك …،
غاية ما في الأمر أنه يوكل إلينا حساب السياسة في أمور السياسة، … ويترك حساب
الآخرة إلى الله، وليس إلى المسلمين أو أئمة المساجد" ويبدو جليا من هذا
الكلام أن شيطان الفكر هذا [ فرج فوده] لا يختلف كثيرا عن شياطين الحكم الذين
ذكرهم، فهو وإن لم يجرؤ على التحريض على استعمال السيف التقليدي –فقد ألح على
شياطين الحكم أن يجربوا سيوفا معاصرة، أحد وأمضى وأسن وأفتك من سيوف الأمويين، لما
ينتج عنها من عجز وفقر وقهر وتدهور أخلاق، وتبذير طاقات الشعوب. فشياطين الفكر هم
الدعامة المتينة والدائمة لشياطين الحكم في كل العصور والأمصار. ولقد وضع فقهاء
الشام لعبد الملك بن مروان حديثا مضمونه: "أن من حكم المسلمين ثلاثة أيام،
رفعت عنه الذنوب" وقد قال عبد الملك ابن مروان لما أفضى إليه أمر الملك، وكان
كتاب الله في حجره: " …هذا آخر العهد بك …". ولما كان يحتضر أوصى ابنه
الوليد بما يلي:
"أدع
الناس إذا مت إلى البيعة، فمن قال برأسه هكذا، فقل بسيفك هكذا. ثم أخذته غفوة فبكى
الوليد، ثم أفاق، فقال: ما هذا ؟ أتحن حنين الأمة؟
إذا مت، فشمر
وائتزر، والبس جلد النمر، وضع سيفك على عاتقك، فمن أبدى ذات نفسه، فاضرب عنقه، ومن
سكت مات بدائه".
وشتان بين هذا
الجبار وبين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- عندما خطب الناس عن دور الرعية في صلاح
الحاكم وإصلاحه فقاطعه أعرابي قائلا: "والله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه
بسيوفنا"، فانبسطت أسارير الخليفة عمر، وتوجه إلى الله حامدا، شاكرا، وقال
كلمته المشهورة:
"الحمد
لله الذي جعل في رعية عمر، من يقومه بحد السيف إذا أخطأ". وهي نموذج رائع
لصدق الحاكم مع الرعية، وصدق الرعية مع الحاكم. وبعد هذا، وفي عام 75هـ خطب
الخليفة الأموي عبد الملك ابن مروان، على منبر الرسول صلى الله عليه وسلم بعد قتل
عبد الله بن الزبير فقال:
" …والله
لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا، إلا ضربت عنقه …"، وهو أول من نهى عن الأمر بالمعروف في تاريخ المسلمين. و رغم ذلك
كان أئمة المساجد يرددون كل جمعة دعاء حارا أن يعز الله به الدين وأن يوطد له
دعائم الحكم والتمكين وأن يديمه حاميا للإسلام وإماما للمسلمين، وافتروا كذبا وبهتانا:
"من حكم المسلمين ثلاثة أيام رفعت عنه الذنوب". و لا غرابة في كل ذلك،
إذا علمنا أن مهندس حكمه الأول هو الحجاج بن يوسف. وقبل إنهاء الحديث عن شياطين
الفكر، أوجز الكلام عن أشهرهم في الأمة الإسلامية: قال عبد القاهر البغدادي رحمه
الله تعالى: " … كان المسلمون عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على منهاج
واحد في أصول الدين وفروعه، غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا. ثم اختلف المسلمون في
أمر عثمان رضي الله عنه، لأشياء نقموها منه، حتى أقدم لأجلها ظالموه على قتله. ثم
اختلفوا بعد ذلك في شأن علي كرم الله وجهه، وفي معاوية، وفي حكم الحكمين: أبي موسى
الأشعري وعمرو بن العاص اختلافا باقيا إلى الأبد، ثم اختلفت الخوارج فيما بينها،
ثم اعتزل المعتزلة قول الأمة في دعواها: أن الفاسق من أمة الإسلام لا هو مؤمن ولا
هو كافر، وألهت فرقة عبد الله بن سبأ[ وهو يهودي إندس في الإسلام ] عليا بن أبي طالب،
ثم ظهرت دعوة الباطنية، وهي من فرق المجوس.أما أهل السنة والجماعة، كلهم متفقون
على توحيد الصانع وصفاته وعدله وحكمته، وفي أسمائه، وفي أبواب النبوة، وفي سائر
أصول الدين. يجمعها الإقرار بتوحيد الخالق، وقدمه، وقدم صفاته الأزلية، والإقرار
بكتب الله ورسله، وتأييد شريعة الإسلام، وإباحة ما أباحه القرآن، وتحريم ما حرمه
القرآن، مع قيود ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتقاد الحشر
والنشر، وسؤال الملكين في القبر والإقرار بالحوض والميزان. فمن لم يخلط إيمانه
بهذه الأمور بشيء من بدع الخوارج و الروافض والقدرية، وسائر أهل الأهواء، فهو من
جملة الفرقة الناجية، إن ختم الله له بها". "عبد القادر البغدادي: الفرق
بين الفرق".
قال الله عز
وجل: "من كان يريد العزة فلله العزة جميعا، إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل
الصالح يرفعه، والذين يمكرون السيئات، لهم عذاب شديد. ومكر أولئك هو يبور".
"غافر:
10".
وقال الله
تعالى: "يا أيها الناس: أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد. إن
يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز. ولا تزر وازرة وزر أخرى، وإن
تدع مثقلة إلى حملها، لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى. إنما تنذر الذين يخشون
ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة، ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه، وإلى الله
المصير".
"فاطر: 15-18".
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire