شياطين الانس
1-2-2-شياطين الانس
"استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان، الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون".
"استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان، الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون".
التكوين البشري 1-2-2-1
يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك، فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك "
بعد أن عصى آدم ربه وأكل من الشجرة المحرمة قضى الله عز وجل ما قدره في اللوح المحفوظ بشأن الإنس والجان،وأخرجهما من فردوس النعيم: "قال: اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين". ولقد أحصيت من ذلك "الحين" الذي مضى منذ نزول آدم إلى كوكب الأرض أكثر من ثمانية آلاف سنة، راجع جدول عبد الله محمد عبد الهادي بن جمعه البربري الغمراسني المفصل في البحث الأول من" البداية والنهاية". قال الله تعالى
*يا بني آدم: لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما، إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون، وإذا فعلوا فاحشة قالوا: وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، قل: إن الله لا يأمر بالفحشاء، أتقولون على الله ما لا تعلمون ؟ قل: أمر ربي بالقسط، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين، كما بدأكم تعودون، فريقا هدى و فريقا حق عليهم الضلالة، إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، ويحسبون أنهم مهتدون.
*يا بني آدم: خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. قل: من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ؟ قل: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون. قل: إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن، و الإثم، والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون. ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
*يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى و أصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كذبوا بآياتنا و استنكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته؟ أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا: أين ما كنتم تدعون من دون الله ؟ قالوا: ضلوا عنا. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين" "الأعراف: 24-37".
وصلنا المحطة المركزية من الكتاب، فبسم الله مجرانا و بسم الله مرسانا، قال الله تعالى: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم: ربنا أبصرنا وسمعنا فأرجعنا نعمل صالحا، إنا موقنون". "السجدة: 12"
فيقين المجرمين بحقائق الخلق والبعث قد تأخر كثيرا عن الزمن الذي كان من المفروض شرعا و عقلا أن يحصل فيه: فالتوبة إلى الله تعالى لا تقبل يوم القيامة لأنه يوم جزاء وليس بيوم ابتلاء، قال الله تعالى :
" انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، فاولئك يتوب الله عليهم و كان الله عليما حكيما ۰
و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الان و لا اللذين يموتون وهم كفار اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما " " النساء:17 - 18 "
و التوبة لا تنفع الانسان عندما يعاين المحتضر رسل الموت. ولو أرجع الله تعالى الكافرين مرة ثانية إلى الحياة لعادوا حتما لما جبلوا عليه من الكفر والظلم والمكر والفساد، فطاغية العصور الغابرة "فرعون" جاءه موسى عليه السلام بتسع آيات بينات كل واحدة منهن أكبر من أختها التي قبلها، ومع ذلك فقد استكبر وعاند وراوغ وادعى الربوبية وحمل قومه على تقديسه وتأليهه من دون الله الملك الحق تبارك وتعالى، مما حمل جبرائيل عليه الصلاة والسلام على كرهه أشد ما يكون الكره و لما أشرف فرعون على الهلاك فزع من الموت وادعى الإيمان كذبا وبهتانا طمعا في النجاة من الهلاك المحتوم كما كان يراوغ ويعاند في الآيات التسعة السابقة، قال الله تعالى: "هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى: اذهب إلى فرعون إنه طغى، فقل: هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى، فأراه الآية الكبرى، فكذب وعصى ثم أدبر يسعى، فحشر فنادى، فقال: أنا ربكم
الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى". " النازعات: 15 − 26 "
و سنتوسع في الحديث عن جبروت فرعون –إن شاء الله تعالى- في أبواب لاحقة من هذا الكتاب عندما سنتحدث عن اليهود ورمسيس وموسى عليه السلام. وكي نفهم بدقة وعمق الكائن البشري، أقتبس من كتاب الدكتور السوري " خالص حلبي": "الطب محراب الإيمان" الحقائق العلمية التالية:
* إن القلب يضخ مقدارا هائلا من الدم وينبض في العام: 40 مليون مرة بدون كلل أو تعب .
* في الدم حوالي 520 مليون مليون كرية حمراء [52.1013 globules rouges ] تفرش مساحة مقدارها 3450 مترا مربعا، فإذا صفّت كلها بجانب بعضها البعض فإن مجموع أقطارها ينشئ طولا يغلف كوكب الأرض سبع مرات، وتقطع الكرية الحمراء الواحدة في رحلتها عبر شرايين الجسم البشري مسافة 1150 كيلومترا من أجل نقل "الأكسيجان".
*في الدم 25 مليار كرية بيضاء [ 25.109 globules blancs] تقاوم الجراثيم وتحافظ على مناعة الجسم.
*يحتوي الجسم البشري على أكثر من 600 عضلة وعلى أكثر من 200 عظم، وتحتوي العضلة المتوسطة الحجم على 10 ملايين ليف عضلي (un muscle moyen est constitué de 107 fibres musculaires) .
*في كل يوم يتنفس الإنسان 25000 مرة، يستنشق فيها 180 مترا مكعبا من الهواء، تفرز منها معامل تصفية الهواء (الرئتان) 6.5 م3 من الأكسيجان الضروري لحياة الإنسان.
*في الدماغ 13 مليار خلية عصبية (13.109 cellules nerveuses) و100 مليار خلية أخرى تشكل القوات المدرعة لحراسة الخلايا العصبية من الإفرازات المضرة والسكر هو الغذاء المفضل للدماغ البشري.
*في العين الواحدة حوالي 140 مليون مستقبل للضوء.
*أما شبكية الأذن فهي تحتوي على 30.000 خلية سمعية لنقل كافة أنواع الأصوات وتحليلها وفهمها.
*في مبيض المرأة بويضات جاهزة تصلح كل واحدة منها أن تكون نصف إنسان، يبلغ عددها في المبيض الواحد 400.000 بويضة (400.000 ovules) ولا يفرز من هذه البويضات في كل دورة قمرية سوى بويضة واحدة.
*أما خصية الرجل فهي مصنع إنتاج النطف (usine de fabrication des spermatozoïdes) حيث تجتمع أنابيب مجوفة بأطوال تصل إلى بضع الكيلومترات لتصنع النطف. وكل نطفة تحمل إمكانية خلق نصف إنسان إذا قضى الله تبارك وتعالى بذلك. وهذا هو المستقر المذهل لبذور البشرية، فدفقة المني الواحدة من صلب الرجل قد تحتوي على 400 مليون نطفة، غير أن الإنسان لا يتخلق إلا من نطفة واحدة فقط، ولكل طفل أب واحد، أما عدد الأنابيب المنوية في خصية الرجل فهو حوالي 4000 أنبوبا. في هذا الموضوع ألخص حادثة وقعت منذ سنوات في مملكة النرفيج (LA Norvège) وهي من البلدان المتطورة صناعيا وصحيا في زماننا هذا: أراد زوجان الإنجاب عن طريق طفل الأنبوب، فولدت الزوجة توأمان ذكران، أحدهما أشقر كأبيه والآخر أسمر، فتعجب الزوجان من سمرة الطفل وبحثا في الشجرة العائلية هل وجد لهم أصل من أصحاب البشرة السوداء، لكنهم لم يعثروا عنه، خصوصا وأن النروفيج لم تكن يوما دولة استعمارية. فقاما لدى المحكمة بقضية عدلية ضد المصحة التي أنجبت فيها الزوجة، وبعد جهد كبير وقضايا شائكة اعترف الطبيب المشرف على الإنجاب أن الخطأ وقع من جراء استعمال أنبوب ماص واحد (pipette) في زرع نطفة زوجها ونطفة زوج أسمر جاء مع زوجته من إفريقيا لنفس الغرض. أي أن الأداة المستعملة في زرع نطفة الأشقر مع بويضة زوجته، هي نفس الآداة التي استعملت –دون تطهير- لزرع نطفة الأسمر مع بويضة زوجته السمراء، فلما استعملها الطبيب وحمل فيها نطفة الأشقر كانت تحمل أيضا نطفة الأسمر، فلما وضع النطفتين في الأنبوب الذي يحمل بويضات الشقراء تخلق من ذلك التخصيب توأمان: أحدهما ابن الأشقر والثاني ابن الأسمر، لكن أم التوأمين واحدة هي الشقراء، وانفجرت " القنبلة" في عالم الغرب وانتشر الخبر في شتى أنحاء العالم، وطالب الأسمر بابنه، لكن زوجته أقلقها ذلك، وتكدر الأشقر لأن له ربيب من غير صلبه، وأصرت الشقراء على الاحتفاظ بابنها الأسمر خاصة بعد أن برأت الأبحاث ساحتها من جريمة الزنى، وهذه الحادثة هي أقوى دليل على أن لكل ابن أب واحد. أواصل كلامي عن الإنسان: إن مهرجان التكوين يفرز علقة عندما تلتحم إحدى نطف الرجل ببويضة المرأة، ولن يسمح الله تعالى إلا بالتحام بضع نطف مع البويضة، رغم كثافة النطف التي جاءت تتزاحم وتتسابق على تكوين خليفة الله في الكون. وهذا المهرجان بأسره إنما يقع في مستودع حصين، في رحم المرأة في قرار مكين. فإذا ما فشل كل "الفرسان" ( (Les spermatozoïdes في إقناع العروس (l’ovule) في الالتحام، ينتهي المهرجان بإبعاد الجميع ضمن دماء المحيض، عند حلول الدورة القمرية لأنثى البشر.
"إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم"
"آل عمران:5-6".
"و هو الذي أنشأكم من نفس واحدة، فمستقر ومستودع، قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون". "الأنعام: 98".
"والله خلقكم من تراب، ثم من نطفة، ثم جعلكم أزواجا، و ما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه، وما يعمر من معمر و لا ينقص من عمره إلا في كتاب، إن ذلك على الله يسير". "فاطر:11".
قرن الله تعالى بكل إنسان ملكا يدعوه إلى الهدى والتقوى وقرن به إبليس اللعين قرناء سوء من الشياطين ومن غواة الإنس. قال تعالى: "ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين". "الزخرف:36"
وقال تعالى: "وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين". " فصلت: 25".
كما قرن الله تعالى بكل إنسان ملكين كريمين يدونان الحسنات والسيئات
قال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". "ق: 18".
وقرن الله تعالى بكل إنسان ملائكة يحفظونه من الأخطار والأحداث، فلما يكتمل الأجل ينزل ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة لإخراج الروح، ثم بعد الدفن مباشرة ينزل إلى الميت في قبره ملكان مرعبان لا يصمد أمامهما إلا عباد الله المؤمنون الصالحون، أعاذنا الله من فتنتهما ومن عذاب القبر.
"و يوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون، وترى كل أمة جاثية، كل أمة تدعى إلى كتابها: اليوم تجزون ما كنتم تعلمون، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون". "الجاثية:27-29".
ويوم القيامة أيضا تجيء كل نفس معها سائق وشهيد فنستنتج –إذن- أن كل هؤلاء الملائكة الكرام سخرهم الله تعالى لتدوين حياة الإنسان في كتاب مبين مدة الحياة الدنيا، ومرافقته في المرقد البرزخي، والشهادة عليه في الحياة الآخرة، ونعترف مسبقا بعظمة الخالق المطلقة وقدرته المستمرة على وضع كل تلك المخابر والمصانع والأجهزة والأنابيب، والمراصد، والهوائيات في علقة تتكون من بويضة امرأة ونطفة رجل لا تكاد تظهر إلا بالاستعانة بأحدث المجاهر العصرية، والشكر والحمد لله وحده لا شريك له على كل ذلك. ولما خلق الله تعالى أبينا آدم عليه السلام، أخرج سبحانه من صلبه كل البشرية وهم مثل الذر، وأخذ عليهم العهد بأنه هو الله الذي لا إله إلا هو، وأمرهم أن لا يعبدوا غيره ولا يشركوا به أحدا. فأقروا ذلك العهد والتزموا به، قال بذلك جماعة من كبار الصحابة وأكدته الآيات الكريمة من سورة الأعراف: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون" "الأعراف: 172-173"
ففسر علماء الإسلام الأفاضل كلمة شهدنا، بأنها من قول الله تعالى والملائكة عليهم السلام،أي شهد الله والملائكة على بني آدم باعترافهم في أول الخلق بالتوحيد والإيمان بالله تعالى،فلم يبق لهم عذر في الغفلة، أو الكفر، أو الإشراك أو الضلال يوم القيامة. وبعد نزول هاتين الايتين باكثر من 1400 سنة قمرية اكتشفت مجموعة من الباحثين في مخابر الجامعات المختصة بالخلايا البشرية ان دماغ كل انسان متضمن في خلاياه العصبية للايمان بالله سبحانه وتعالى .فقد جاء في مقالة علمية نشرتها مجلة العلم والحياة بتاريخ اوت 2005م ان الانسان مؤهل-جينيا-للايمان بالله والباحثة التي اثبتت ذلك هي Jacqueline Borg,Neurologiste à l'Université Korolinska.Stokholm-Suède : La base biologique de la foi démontrée? C'est la découverte de travaux suédois:il existerait une relation entre la sérotonine,un neurotransmetteur du cerveau,et la *religiosité* des individus.De fait plus la religiosité est forte et plus la quantité de récepteurs*5HT1A* qui régulent la sérotonine,est faible فال رسول الله صلى الله عليه وسلم *ما خلق الله عز وجل خلقا اكرم عليه من العقل * رواه الترمذي. واعتبر الامام الغزالي ان الاقرار الوارد في الاية 172 من سورة الاعراف انما المراد به اقرار نفوسهم لا اقرار الالسنة فانهم انقسموا في اقرار الالسنة والاشخاص الى مقر والى جاحد .ولذلك قال تعالى *ولئن سالتهم من خلقهم ليقولن الله * *الزخرف 87*. معناه ان اعتبرت احوالهم شهدت بذلك نفوسهم وبواطنهم *فطرت الله التي فطر الناس عليها* *الروم 30* اي كل ادمي فطر على الايمان بالله عز وجل بل على معرفة الاشياء على ما هي عليه اعني انها كالمضمنة فيها لقرب استعدادها للادراك.ثم لما كان الايمان مركوزا في النفوس بالفطرة انقسم الناس الى قسمين *الى من اعرض فنسي وهم الكفار *والى من اجال خاطره فتذكر فكان كمن حمل شهادة فنسيها بغفلة ثم تذكرها . ولذلك قال عز وجل *لعلهم يتذكرون* *البقرة 221* *وليتذكر اولوا الالباب* *ص 29*.وتسمية هذا النمط تذكرا ليس ببعيد فكان التذكر ضربان احدهما ان بذكر صورة كانت حاضرة الوجود في قلبه لكن غابت بعد الوجود والاخر ان يذكر صورة كانت مضمنة فيه بالفطرة. الاحياء لعلوم الدين . وهكذا فان البشر جميعا فد ولدوا وفي خلاياهم العقلية الكفاية مما يحتاجون اليه من شهادة التوحيد فتنحصر اذن رسالة الانبياء والعلماء ورجال الدين علي التذكير بشهادة التوحيد المستوطنة قي اعماق البشر منذ الخلق الاول قال الخالق سبحانه *واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به * *المائدة 7* *ولقد بسرنا القران للذكر فهل من مدكر* *القمر 17* . وبؤبد ذلك ما رواه ابو هريرة رضي الله عنه انه كان بقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم *ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه * *رواه الشيخان* *فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله * *الروم 30* عندنا الآن من الزاد والعتاد ما نستطيع به مداهمة خبراء التضليل وزعماء الكذب ورؤساء الفساد وعلى رأسهم "دارون" الذي زعم كذبا وبهتانا أن الإنسان وجد جرثومة في أوحال الطبيعة، وبعد ملايين السنين من المرحلة الجرثومية تحركت الجرثومة وصارت من الزواحف ثم بعد ملايين السنين الأخرى صنع ذلك الزاحف لنفسه أكرعا فصار من الدواب، وبعد مرور ملايين السنين الأخرى تخلصت الدابة من بعض تلك الأكرع فلم تبق إلا رجلين ويدين وصارت قردا، ثم تطور ذلك القرد فصار شبه إنسان إفريقي صنفه "دارون" بين جنسي القردة والبشر، ثم لما تمدن ذلك الآدمي منذ حوالي 300.000 سنة، صار ذلك الآدمي إنسانا أروبيا. ويزعم أنصار هذه الاسطورة الوهمية الفاسدة من الأساس أن المحطة النهائية من محطات التطور الداروني هي محطة الألوهية عندما يبلغ الإنسان مرحلة الكمال المطلق. ومنطق نظرية "دارون" يحمل في ذاته تكذيبا قاطعا لها ولزعمائها: إذ أن الإنسان لم تبرز فيه أي تطورات جسدية تجعله يختلف عن التكوين الجسماني الذي كان عليه منذ البداية. ومعلوم لدى الناس جميعا وفي كل مكان من كوكب الأرض أن الحية لم تبض إلا حية، فلم نسمع لا عن القدامى ولا عن المعاصرين أنها باضت حمامة رغم التشابه الكبير بين بيضة الحية وبيضة الحمامة من حيث الشكل والحجم والمحتوى. ولقد أدركت بعد مدة من الزمن أن القرد "دارون" أساء فهم نظرية ابن خلدون التي وصلته عن طريق الترجمات من العربية إلى الألمانية والأنقليزية والفرنسية والروسية والتي تقول في مقدمة كتابه: "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر" ما نصه حرفيا حسب ما أملك من الطبعات العربية:
"… إعلم أرشدنا الله وإياك، أنا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة من الترتيب والإحكام وربط الأسباب بالمسببات واتصال الأكوان بالأكوان واستحالة بعض الموجودات إلى بعض، لا تنقضي عجائبه في ذلك ولا تنتهي غاياته. وأبدأ من ذلك بالعالم المحسوس الجثماني وأولا عالم العناصر المشاهدة كيف تتدرج صاعدا من الأرض إلى الماء ثم إلى الهواء ثم إلى النار متصلا بعضها ببعض، وكل واحد منها مستعد إلى أن يستحيل إلى ما يليه صاعدا وهابطا، ويستحيل بعض الأوقات إلى ما قبله. والصاعد منها ألطف مما قبله إلى أن ينتهي إلى عالم الأفلاك وهو ألطف من الكل على طبقات اتصل بعضها ببعض على هيئة لا يدرك الحس منها إلا الحركات فقط. وبها يهتدي بعضهم إلى معرفة مقاديرها وأوضاعها وما بعد ذلك من وجود الذوات التي لها هذه الآثار فيها. ثم أنظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدريج. آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش وما لا بذر له، وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس فقط. ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد الغريب لأن يصير أول أفق الذي بعده. واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه وانتهى في تدريج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والروية ترتفع إليه من عالم القدرة الذي اجتمع فيه الحس والإدراك ولم ينته إلى الروية والفكر بالفعل، وكان ذلك أول أفق من الإنسان بعده، وهذا غاية شهودنا. ثم إنا نجد في العوالم على اختلافها آثارا متنوعة:
ففي عالم الحس آثار من حركات الأفلاك والعناصر، وفي عالم التكوين آثار من حركة النمو والإدراك تشهد كلها بأن لها مؤثرا مباينا للأجسام، فهو روحاني ويتصل بالمكونات لوجود اتصال هذا العالم في وجودها، ولذلك هو النفس المدركة والمحركة ولا بد فوقها من وجود آخر يعطيها قوى الإدراك والحركة ويتصل بها أيضا ويكون ذاته إدراكا صرفا وتعقلا محضا، وهو عالم الملائكة، فوجب من ذلك أن يكون للنفس استعداد للانسلاخ من البشرية إلى الملكية، ليصير بالفعل من جنس الملائكة وقتا من الأوقات في لمحة من اللمحات، وذلك بعد أن تكمل ذاتها الروحانية بالفعل…، ويكون لها اتصال بالأفق الذي بعدها شأن الموجودات المرتبة كما قدمناه، فلها في الاتصال جهتا العلو والسفل، وهي متصلة بالبدن من أسفل منها، وتكتسب به المدارك الحسية التي تستعد بها للحصول على التعقل بالفعل، ومتصلة من جهة الأعلى منها بأفق الملائكة ومكتسبة به المدارك العلمية والغيبية… " ا هـ. فابن خلدون لم يزعم أن النخل صار حلزونا ولم يقل أن القرد صار إنسانا ولم يدع أن الإنسان صار ملكا كريما، وإنما قام بعملية ترتيب وتصنيف لمنازل الكائنات، وابن خلدون- رغم اقتناعه ببعض النظريات الفاسدة الذائعة في عصره مثل تأثير النجوم سعودا أو نحوسا على البشر-، فلم يلمح أبدا إلى ما أشار إليه أتباع "دارون" من أن المنزلة النهائية للكائن البشري هي الربوبية، نعوذ بالله تعالى من كفرهم وضلالهم. والفرق شاسع وكبير جدا بين نظرية التصنيف والترتيب التي صاغها ابن خلدون رحمه الله تعالى وبين نظرية النشوء والارتقاء التي أسسها "دارون". وفوق كل النظريات وأصدق من كل المذاهب خطبة إمام المرسلين رسول الله، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم بعد أن فتح مكة المكرمة في رمضان عام ثمانية من الهجرة الشريفة عندما قال عليه الصلاة والسلام: "يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم، وآدم من تراب. يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى…" فلم يقل أبدا –عليه الصلاة والسلام- أن أب البشر كان قردا. وهلموا نستمع إلى قصة الخلق الحق من البداية إلى النهاية حسب النظرية الإلهية المفصلة بكل دقة ووضوح في سور عديدة من القرآن الكريم مثل قوله تعالى:*" ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين". وهذا الخلق كان واحدا لا ثاني له: فهو خلق أول الإنس، آدم عليه السلام.
*" ثم جعلناه نطفة في قرار مكين". وهذا عندما يطأ الرجل زوجته فيضع في رحمها دفقات من المني، الواحدة منها تحتوي على 400 مليون نطفة
* لا يتخلق الإنسان إلا من نطفة واحدة منها، فتكون بهذا الشكل ومازال يتكون الناس جميعا بعد آدم، باستثناء حواء وعيسى عليه السلام.
* "ثم خلقنا النطفة علقة". ويكون ذلك عندما تلتحم نطفة الرجل ببويضة المرأة وتعلق بها.
*" فخلقنا العلقة مضغة". وهي مرحلة من التكوين البشري تصير فيها العلقة كاللحم الممصوغ.
* " فخلقنا المضغة عظاما". وهي المرحلة التي يصنع فيها الخالق –سبحانه وتعالى- الهيكلة العظميّة.
*" فكسونا العظام لحما'. وهي المرحلة التي يصنع فيها الخالق –سبحانه وتعالى- العضلات والأجهزة والأفئدة والأوعية.
*" ثم أنشأناه خلقا آخر". ومثل قوله تعالى من سورة السجدة: "ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون". " السجدة: 9".
و هذه المرحلة الحاسمة من التكوين البشري هي التي ينفخ فيها الله تعالى في جسم الإنسان مكمل الجسد: الروح وفي هذه المرحلة بالذات
يقف الناس جميعا مذهولين حائرين من أسرار الروح وكيفية انتشارها في جسم الجنين، فلم يتمكن خبراء الأجنة –لا في أمركا ولا في أروبا ولا في أي مكان آخر من معرفة كيفية دخولها في جسم الجنين أثناء مدة الحمل، وكذلك لم يتمكن أساتذة الطب من معرفة كيفية خروج الروح من جسم الإنسان عند إشرافه على الموت. ولم يفلحوا إلا في معاينة بدء الحياة وتقرير نهايتها عند حركة القلب أو توقفه عن الحركة، واستأثر الله تعالى بأمر الروح من البداية إلى النهاية، قال الحق تبارك وتعالى: "يسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا". "الإسراء:85".
"ثم إنكم بعد ذلك لميتون". وهذه هي مرحلة المرقد البرزخي.
"ثم إنكم يوم القيامة تبعثون". وهذه هي المرحلة النهائية من الوجود وهي مرحلة البعث والحساب. من سورة : "المؤمنين:12-16".
ويتكامل خلق الجنين في رحم أمه لمدة ستة أشهر يمر أثناءها بستة أطوار هي:
النطفة، فالعلقة، فالمضغة، فالهيكلة العظمية، فاللحم، فالروح. و رغم ذلك فإن الجنين يكمل عادة التسعة أشهر في أحشاء أمه. بعدها يبدأ حياته الدنيا أين يستقبله شياطين الكون من الإنس والجن بمبادئ التضليل ومناهج الكفر وأساليب الفساد ووسائل الإغراء وقوانين التسلط ونظريات الكذب. ولقد اعترف البروفسور Keith. Moore –وهو أحد أعمدة علم الأجنة ورئيس قسم التشريح بكلية الطب بجامعة" طورنتو" بكندا –بصحة ودقة الإشارات العلمية القرآنية في شأن تكوين الأجنة واستعان بالدكتور المصري عزيز عبد العليم أستاذ جراحة الأطفال بكلية الطب بطنطا بمصر في دراسة الآيات القرآنية التي تتحدث عن خلق الإنسان. وبعد التعمق فيها أعاد العالم الكندي طبع مرجعه العلمي في علم الأجنة بإضافات إسلامية، استشهد فيها بكل آيات القرآن العظيم التي تناولت خلق الإنسان ومنها الآية الكريمة: "يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة، ثم من مضغة مخلقة و غير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى" "الحج:5"
فيقول عالم الأجنة الكندي: بالفعل إذا حللنا جسم الإنسان فإنه يتكون من عناصر التربة مثل الحديد والنحاس و غيرهما ويلاحظ أنه تبدأ قمة الإشارة العلمية القرآنية في علم الأجنة بقوله تعالى: " ثم من نطفة" وهي خليط من ماء الذكر والأنثى وهي النموذج والبرنامج الذي سيكون عليه شكل الإنسان، ثم يلاحظ أن قول الله تعالى: " ثم من علقة" وهو وصف دقيق للغاية فالمخلوق في تلك المرحلة بالذات يشبه تماما دودة العلق، ويصف العالم الكندي المضغة بأنها قطعة اللحم الممضوغ. والإعجاز العلمي يتجلى أيضا حسب رأيه في المضغة المخلقة وغير المخلقة، فيقول: المضغة المخلقة تتخلق إلى أنسجة وخلايا تكون فيما بعد أعضاء الجسم المختلفة. أما غير المخلقة فهي الخلايا التي تبقى كما هي في مرحلة المضغة وهي بمثابة إحتياطي إستراتيجي لتعويض الجسم عما يفقده من الخلايا والأنسجة المختلفة على مدى عمر الإنسان. وعجز العالم الكندي عن ترجمة قول الله تعالى من سورة المؤمنين: "ثم جعلناه نطفة في قرار مكين" إلى اللغة الأنقليزية، إذ أنه اعتبرها مفهوما علميا كاملا فوضعها كما هي "قرار مكين" لأن هذا التعبير يعني وجود الرحم في مكان أمين ولأن التعبير القرآني يحمل أمكانية الشمولية لأي إضافات قد تظهر في المستقبل لما تعنيه كلمة " قرار مكين". “The developing Human clinically oriented embryology Keith L.Moore
With Islamic addition (third edition).
وقبل الإطلاع على تفسير قوله تعالى: "ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة" من طرف العالم الكندي فإني لم أعثر على تفسير جيد يشفي العليل ويروي الغليل لا في تفاسير علماء الإسلام ولا في مؤلفات المعاصرين، ولقد أصاب العالم الفرنسي: « Maurice Bucaille » عين الحقيقة عندما قال في كتابه : « La Bible, Le Coran et la science » :
« … Pendant des siècles des commentateurs du Coran ont immanquablement commis des erreurs dans l ’interprétation de certains versets dont ils ne pouvaient pas saisir le sens précis….
Cela implique que pour comprendre ces versets coraniques, des connaissances linguistiques approfondies ne sont pas seules suffisantes. Il faut posséder par ailleurs des connaissances scientifiques très diverses.
ولقد استفدنا من العلوم العصرية – إلى حد الآن – في هذا الكتاب مرتين الأولى في خصوص مذنب شوماخر ليفي وارتطامه بالمشتري وما تأولناه من الجوار الكنس والثانية في خصوص " المضغة المخلقة وغير المخلقة" وما تأوله العالم الكندي في الأسطر السابقة والذي لم يسبقه عليه أحد من علماء الإسلام الأفاضل. أعود إلى الكلام عن أطوار الوجود البشري: فبعد الحياة يرحل الإنسان في موكب جنائزي إلى المرقد البرزخي، وهو الفاصل بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة وأطلقت عليه- أيضا- اسم الحياة الوسطى لوجوده بين الأولى والآخرة. وبعد ذلك سيأتي – وبدون أي أدنى شك- يوم البعث الذي أخبر عنه كل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فيبدأ الإنسان حينذاك الحياة الدائمة في دار القرار: فإما دار السلام إن شاء الله تعالى، وإما دار البوار والعياذ بالله منها. نستطيع -إذن- تلخيص جميع المراحل الوجودية التي يمر منها حتما كل إنسان على النحو التالي:
ا* الحياة الدنيا، تبدأ بنفخ الروح وتنتهي بالموت.
ب* الحياة الوسطى، تبدأ بالوفاة وتنتهي بالبعث.
ج* الحياة الآخرة، تبدأ بالبعث وليست لها نهاية.
وفيما يلي بحث في كل طور من تلك الأطوار الثلاثة بمزيد من العمق والدقة: 1-2-2-2- * الحياة الدنيا :
"اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار بناته ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما، وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" "الحديد: 20-21"
كما قال العزيز الكريم تبارك وتعالى: "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها، وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون". "هود عليه السلام: 15-16"
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور". إغاثة اللهفان".
وقال عليه الصلاة والسلام: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة أو جناح طير ما سقى كافرا منها شربة ماء".
"درة الناصحين".
فالدنيا عند العارفين كنهها – هي زهرة فانية ونعمة زائلة، يغتر بها من يعتقد أنه لا دار سواها ولا معاد وراءها. وهي سجن المؤمن وجنة الكافر. وقد ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ؟ ".
فقال أصحابه: "فما تأمرنا يا رسول الله ؟ "
قال عليه الصلاة والسلام: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا". "الإمام أحمد رحمه الله تعالى".
و قال عليه الصلاة والسلام: "موضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها. إقرأوا: "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور".
"ابن جرير رحمه الله تعالى".
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "إنا كنا آل محمد نمكث شهرا وما نستوقد نارا: إلا التمر والماء".
وقال الشيخ ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: " … إن الله سبحانه لم يخلق خلقه سدى هملا، بل جعلهم موردا للتكليف ومحلا للأمر والنهي، وألزمهم ما أرشدهم إليه مجملا ومفصلا، وقسمهم إلى شقي وسعيد، وجعل لكل واحد من الفريقين منزلا، وأعطاهم مواد العلم والعمل، من القلب والسمع والبصر والجوارح، نعمة منه وتفضيلا. فمن استعمل ذلك في طاعته وسلك به طريق معرفته على ما أرشد إليه ولم يبغ عنه عدولا، فقد قام بشكر ما أوتيه من ذلك، وسلك به إلى مرضاة الله سبيلا، ومن استعمله في إرادته وشهواته ولم يرع حق خالقه فيه يخسر إذا سئل عن ذلك، ويحزن حزنا طويلا، فإنه لا بد من الحساب على حق هذه الأعضاء لقوله تعالى:
"إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا". "الإسراء: 36"
أما الغاية الجوهرية من وجود البشر في هذا الكون فقد أشار إليها بكل وضوح قول الله تعالى: " وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا …". "هود : 7"
وقوله عز وجل: "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم، إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم". "الأنعام:165".
وقوله –سبحانه-: "كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون". "الأنبياء عليهم السلام: 35"
فهذه الآيات البينات من الذكر الحكيم وغيرها تبرهن أن الحياة الدنيا ما هي إلا مرحلة اختبار وابتلاء وامتحان للكائن البشري في أفعاله وأعماله وأفكاره ونواياه وتصوراته لتعمير ملكوت السماوات والأرض،
قال الله تعالى: "اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير". "فصلت: 40"
وقال عز وجل: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، والله على كل شيء قدير".
"البقرة:284"
وقال تعالى: "من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد". " فصلت:46"
إذن نستنتج من كل ما سبق أن الإنسان في حياته الدنيا مراقب بدقة كبيرة كما تؤكده أيضا الآية الكريمة:
"ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" " ق: 17-18".
والدنيا –مهما طاب العيش فيها- هي دار ابتلاء وكروب وغرور لا يرجى فيها راحة.
المرء يصاب مصائب لا تنقضـي حتى يوارى جسمه في رمسـه
فمؤجل يلقى الردى في غــيره ومعجل يلقى الردى في نفسـه
تبدأ الحياة بدخول الروح في جسم الجنين في رحم الأم وتنتهي عندما تخرج تلك الروح منه عند اكتمال الأجل المسمى. ولما يخرج الإنسان "الصغير" من الرحم يعصره الشيطان الذي يقرنه به إبليس اللعين عصرة فيستهل الحياة باكيا و حياتنا تبدأ بآلام المخاض والخروج من ضيق الرحم وتنتهي بسكرات الموت والدخول في ضيق القبر:
ولدتك أمك باكـيا مستصــرخا والناس حولك يضحكون سـرورا
فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكـوا في يوم موتك ضاحكا مســرورا
وقال الله تبارك وتعالى: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله، كتابا مؤجلا، ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها، وسنجزي الشاكرين". "آل عمران: 145"
والدليل على وجود قرين السوء والتضليل ما أخبر به الله تعالى عن أهل الجنة في قوله: "قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول: أئنك لمن المصدقين ؟ أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ؟ قال: هل أنتم مطلعون ؟ فأطلع فرآه في سواء الجحيم".
"الصافات: 51-55"
أما التناسل من أجل استمرار البشر إلى يوم القيامة فهو ليس بجناية كما يفهم من وصية فيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري التي طلب فيها أن يكتب على قبره:
هذا ما جنـاه أبــي علـي وما جنـيـت علــى أحـد
وتقترب من ذلك خيبة أمل أبي القاسم الشابي في الحياة عندما قال:
ناولتني الـحياة كأسا دهاقـا بالأماني فـما تناولت كأســي
إن في روضـة الحياة لأشـوا كا بها مــزقت زنابـق نفسـي
ونجيبه في قصيدة "أيها الليل":
صاح إن الحياة أنشـودة الحزن فرتـل على الحيـاة نحيــبي
ليس في الدهـر طائـر يتغـــنى في ضـفاف الحيـاة غـير كئيب
فنحن نتناسل ونحزن ونفرح ونطيع الله وننتظر الموت في غير شوق رغم قسوة الناس علينا، ونحن نعمل في الحياة كل ما نستطيعه من الصالحات ونرجو من الله تعالى العفو والمغفرة عن كل ما اقترفناه من السيئات، ونؤمن بالقدر خيره وشره، ونحاول قدر ما نستطيع اتباع الطريق المستقيم، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وأملنا كبير في شفاعته الكبرى وفي رضوان الله تعالى ونحمد الله ونشكره.
بلينا ومـا تبلـى النجــوم الطوالــع وتبقـى الديـار بعـدنا والمصانــع
وما الـمرء إلا كالشـهاب وضوئــه يحور رمادا بعد إذ هـو ساطـــع
وما الـمال و الأهـلون إلا ودائـــع ولا بد يومـا أن تـرد الودائـــع
اتجزع مما احدث الدهر للفتى و أي كريم لم تصبه القوارع
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى و لا زاجرات الطير ما الله صانع
"لبيد بن ربيعة"
1-2-2-2- الحياة الوسطى-
تزود إلى يــوم المـمــات فإنــه وإن كـرهته النفس آخـر موعـد
"زهير بن أبي سلمى"
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما احتضر خليفة المؤمنين أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
لعمـرك ما يغنـي الثـراء عن الفـتى إذا حشرجـت يومـا وضاق ب
يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك، فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك "
بعد أن عصى آدم ربه وأكل من الشجرة المحرمة قضى الله عز وجل ما قدره في اللوح المحفوظ بشأن الإنس والجان،وأخرجهما من فردوس النعيم: "قال: اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين". ولقد أحصيت من ذلك "الحين" الذي مضى منذ نزول آدم إلى كوكب الأرض أكثر من ثمانية آلاف سنة، راجع جدول عبد الله محمد عبد الهادي بن جمعه البربري الغمراسني المفصل في البحث الأول من" البداية والنهاية". قال الله تعالى
*يا بني آدم: لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما، إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون، وإذا فعلوا فاحشة قالوا: وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، قل: إن الله لا يأمر بالفحشاء، أتقولون على الله ما لا تعلمون ؟ قل: أمر ربي بالقسط، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين، كما بدأكم تعودون، فريقا هدى و فريقا حق عليهم الضلالة، إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، ويحسبون أنهم مهتدون.
*يا بني آدم: خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. قل: من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ؟ قل: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون. قل: إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن، و الإثم، والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون. ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
*يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى و أصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كذبوا بآياتنا و استنكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته؟ أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا: أين ما كنتم تدعون من دون الله ؟ قالوا: ضلوا عنا. وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين" "الأعراف: 24-37".
وصلنا المحطة المركزية من الكتاب، فبسم الله مجرانا و بسم الله مرسانا، قال الله تعالى: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم: ربنا أبصرنا وسمعنا فأرجعنا نعمل صالحا، إنا موقنون". "السجدة: 12"
فيقين المجرمين بحقائق الخلق والبعث قد تأخر كثيرا عن الزمن الذي كان من المفروض شرعا و عقلا أن يحصل فيه: فالتوبة إلى الله تعالى لا تقبل يوم القيامة لأنه يوم جزاء وليس بيوم ابتلاء، قال الله تعالى :
" انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، فاولئك يتوب الله عليهم و كان الله عليما حكيما ۰
و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الان و لا اللذين يموتون وهم كفار اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما " " النساء:17 - 18 "
و التوبة لا تنفع الانسان عندما يعاين المحتضر رسل الموت. ولو أرجع الله تعالى الكافرين مرة ثانية إلى الحياة لعادوا حتما لما جبلوا عليه من الكفر والظلم والمكر والفساد، فطاغية العصور الغابرة "فرعون" جاءه موسى عليه السلام بتسع آيات بينات كل واحدة منهن أكبر من أختها التي قبلها، ومع ذلك فقد استكبر وعاند وراوغ وادعى الربوبية وحمل قومه على تقديسه وتأليهه من دون الله الملك الحق تبارك وتعالى، مما حمل جبرائيل عليه الصلاة والسلام على كرهه أشد ما يكون الكره و لما أشرف فرعون على الهلاك فزع من الموت وادعى الإيمان كذبا وبهتانا طمعا في النجاة من الهلاك المحتوم كما كان يراوغ ويعاند في الآيات التسعة السابقة، قال الله تعالى: "هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى: اذهب إلى فرعون إنه طغى، فقل: هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى، فأراه الآية الكبرى، فكذب وعصى ثم أدبر يسعى، فحشر فنادى، فقال: أنا ربكم
الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى". " النازعات: 15 − 26 "
و سنتوسع في الحديث عن جبروت فرعون –إن شاء الله تعالى- في أبواب لاحقة من هذا الكتاب عندما سنتحدث عن اليهود ورمسيس وموسى عليه السلام. وكي نفهم بدقة وعمق الكائن البشري، أقتبس من كتاب الدكتور السوري " خالص حلبي": "الطب محراب الإيمان" الحقائق العلمية التالية:
* إن القلب يضخ مقدارا هائلا من الدم وينبض في العام: 40 مليون مرة بدون كلل أو تعب .
* في الدم حوالي 520 مليون مليون كرية حمراء [52.1013 globules rouges ] تفرش مساحة مقدارها 3450 مترا مربعا، فإذا صفّت كلها بجانب بعضها البعض فإن مجموع أقطارها ينشئ طولا يغلف كوكب الأرض سبع مرات، وتقطع الكرية الحمراء الواحدة في رحلتها عبر شرايين الجسم البشري مسافة 1150 كيلومترا من أجل نقل "الأكسيجان".
*في الدم 25 مليار كرية بيضاء [ 25.109 globules blancs] تقاوم الجراثيم وتحافظ على مناعة الجسم.
*يحتوي الجسم البشري على أكثر من 600 عضلة وعلى أكثر من 200 عظم، وتحتوي العضلة المتوسطة الحجم على 10 ملايين ليف عضلي (un muscle moyen est constitué de 107 fibres musculaires) .
*في كل يوم يتنفس الإنسان 25000 مرة، يستنشق فيها 180 مترا مكعبا من الهواء، تفرز منها معامل تصفية الهواء (الرئتان) 6.5 م3 من الأكسيجان الضروري لحياة الإنسان.
*في الدماغ 13 مليار خلية عصبية (13.109 cellules nerveuses) و100 مليار خلية أخرى تشكل القوات المدرعة لحراسة الخلايا العصبية من الإفرازات المضرة والسكر هو الغذاء المفضل للدماغ البشري.
*في العين الواحدة حوالي 140 مليون مستقبل للضوء.
*أما شبكية الأذن فهي تحتوي على 30.000 خلية سمعية لنقل كافة أنواع الأصوات وتحليلها وفهمها.
*في مبيض المرأة بويضات جاهزة تصلح كل واحدة منها أن تكون نصف إنسان، يبلغ عددها في المبيض الواحد 400.000 بويضة (400.000 ovules) ولا يفرز من هذه البويضات في كل دورة قمرية سوى بويضة واحدة.
*أما خصية الرجل فهي مصنع إنتاج النطف (usine de fabrication des spermatozoïdes) حيث تجتمع أنابيب مجوفة بأطوال تصل إلى بضع الكيلومترات لتصنع النطف. وكل نطفة تحمل إمكانية خلق نصف إنسان إذا قضى الله تبارك وتعالى بذلك. وهذا هو المستقر المذهل لبذور البشرية، فدفقة المني الواحدة من صلب الرجل قد تحتوي على 400 مليون نطفة، غير أن الإنسان لا يتخلق إلا من نطفة واحدة فقط، ولكل طفل أب واحد، أما عدد الأنابيب المنوية في خصية الرجل فهو حوالي 4000 أنبوبا. في هذا الموضوع ألخص حادثة وقعت منذ سنوات في مملكة النرفيج (LA Norvège) وهي من البلدان المتطورة صناعيا وصحيا في زماننا هذا: أراد زوجان الإنجاب عن طريق طفل الأنبوب، فولدت الزوجة توأمان ذكران، أحدهما أشقر كأبيه والآخر أسمر، فتعجب الزوجان من سمرة الطفل وبحثا في الشجرة العائلية هل وجد لهم أصل من أصحاب البشرة السوداء، لكنهم لم يعثروا عنه، خصوصا وأن النروفيج لم تكن يوما دولة استعمارية. فقاما لدى المحكمة بقضية عدلية ضد المصحة التي أنجبت فيها الزوجة، وبعد جهد كبير وقضايا شائكة اعترف الطبيب المشرف على الإنجاب أن الخطأ وقع من جراء استعمال أنبوب ماص واحد (pipette) في زرع نطفة زوجها ونطفة زوج أسمر جاء مع زوجته من إفريقيا لنفس الغرض. أي أن الأداة المستعملة في زرع نطفة الأشقر مع بويضة زوجته، هي نفس الآداة التي استعملت –دون تطهير- لزرع نطفة الأسمر مع بويضة زوجته السمراء، فلما استعملها الطبيب وحمل فيها نطفة الأشقر كانت تحمل أيضا نطفة الأسمر، فلما وضع النطفتين في الأنبوب الذي يحمل بويضات الشقراء تخلق من ذلك التخصيب توأمان: أحدهما ابن الأشقر والثاني ابن الأسمر، لكن أم التوأمين واحدة هي الشقراء، وانفجرت " القنبلة" في عالم الغرب وانتشر الخبر في شتى أنحاء العالم، وطالب الأسمر بابنه، لكن زوجته أقلقها ذلك، وتكدر الأشقر لأن له ربيب من غير صلبه، وأصرت الشقراء على الاحتفاظ بابنها الأسمر خاصة بعد أن برأت الأبحاث ساحتها من جريمة الزنى، وهذه الحادثة هي أقوى دليل على أن لكل ابن أب واحد. أواصل كلامي عن الإنسان: إن مهرجان التكوين يفرز علقة عندما تلتحم إحدى نطف الرجل ببويضة المرأة، ولن يسمح الله تعالى إلا بالتحام بضع نطف مع البويضة، رغم كثافة النطف التي جاءت تتزاحم وتتسابق على تكوين خليفة الله في الكون. وهذا المهرجان بأسره إنما يقع في مستودع حصين، في رحم المرأة في قرار مكين. فإذا ما فشل كل "الفرسان" ( (Les spermatozoïdes في إقناع العروس (l’ovule) في الالتحام، ينتهي المهرجان بإبعاد الجميع ضمن دماء المحيض، عند حلول الدورة القمرية لأنثى البشر.
"إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم"
"آل عمران:5-6".
"و هو الذي أنشأكم من نفس واحدة، فمستقر ومستودع، قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون". "الأنعام: 98".
"والله خلقكم من تراب، ثم من نطفة، ثم جعلكم أزواجا، و ما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه، وما يعمر من معمر و لا ينقص من عمره إلا في كتاب، إن ذلك على الله يسير". "فاطر:11".
قرن الله تعالى بكل إنسان ملكا يدعوه إلى الهدى والتقوى وقرن به إبليس اللعين قرناء سوء من الشياطين ومن غواة الإنس. قال تعالى: "ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين". "الزخرف:36"
وقال تعالى: "وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين". " فصلت: 25".
كما قرن الله تعالى بكل إنسان ملكين كريمين يدونان الحسنات والسيئات
قال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". "ق: 18".
وقرن الله تعالى بكل إنسان ملائكة يحفظونه من الأخطار والأحداث، فلما يكتمل الأجل ينزل ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة لإخراج الروح، ثم بعد الدفن مباشرة ينزل إلى الميت في قبره ملكان مرعبان لا يصمد أمامهما إلا عباد الله المؤمنون الصالحون، أعاذنا الله من فتنتهما ومن عذاب القبر.
"و يوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون، وترى كل أمة جاثية، كل أمة تدعى إلى كتابها: اليوم تجزون ما كنتم تعلمون، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون". "الجاثية:27-29".
ويوم القيامة أيضا تجيء كل نفس معها سائق وشهيد فنستنتج –إذن- أن كل هؤلاء الملائكة الكرام سخرهم الله تعالى لتدوين حياة الإنسان في كتاب مبين مدة الحياة الدنيا، ومرافقته في المرقد البرزخي، والشهادة عليه في الحياة الآخرة، ونعترف مسبقا بعظمة الخالق المطلقة وقدرته المستمرة على وضع كل تلك المخابر والمصانع والأجهزة والأنابيب، والمراصد، والهوائيات في علقة تتكون من بويضة امرأة ونطفة رجل لا تكاد تظهر إلا بالاستعانة بأحدث المجاهر العصرية، والشكر والحمد لله وحده لا شريك له على كل ذلك. ولما خلق الله تعالى أبينا آدم عليه السلام، أخرج سبحانه من صلبه كل البشرية وهم مثل الذر، وأخذ عليهم العهد بأنه هو الله الذي لا إله إلا هو، وأمرهم أن لا يعبدوا غيره ولا يشركوا به أحدا. فأقروا ذلك العهد والتزموا به، قال بذلك جماعة من كبار الصحابة وأكدته الآيات الكريمة من سورة الأعراف: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون" "الأعراف: 172-173"
ففسر علماء الإسلام الأفاضل كلمة شهدنا، بأنها من قول الله تعالى والملائكة عليهم السلام،أي شهد الله والملائكة على بني آدم باعترافهم في أول الخلق بالتوحيد والإيمان بالله تعالى،فلم يبق لهم عذر في الغفلة، أو الكفر، أو الإشراك أو الضلال يوم القيامة. وبعد نزول هاتين الايتين باكثر من 1400 سنة قمرية اكتشفت مجموعة من الباحثين في مخابر الجامعات المختصة بالخلايا البشرية ان دماغ كل انسان متضمن في خلاياه العصبية للايمان بالله سبحانه وتعالى .فقد جاء في مقالة علمية نشرتها مجلة العلم والحياة بتاريخ اوت 2005م ان الانسان مؤهل-جينيا-للايمان بالله والباحثة التي اثبتت ذلك هي Jacqueline Borg,Neurologiste à l'Université Korolinska.Stokholm-Suède : La base biologique de la foi démontrée? C'est la découverte de travaux suédois:il existerait une relation entre la sérotonine,un neurotransmetteur du cerveau,et la *religiosité* des individus.De fait plus la religiosité est forte et plus la quantité de récepteurs*5HT1A* qui régulent la sérotonine,est faible فال رسول الله صلى الله عليه وسلم *ما خلق الله عز وجل خلقا اكرم عليه من العقل * رواه الترمذي. واعتبر الامام الغزالي ان الاقرار الوارد في الاية 172 من سورة الاعراف انما المراد به اقرار نفوسهم لا اقرار الالسنة فانهم انقسموا في اقرار الالسنة والاشخاص الى مقر والى جاحد .ولذلك قال تعالى *ولئن سالتهم من خلقهم ليقولن الله * *الزخرف 87*. معناه ان اعتبرت احوالهم شهدت بذلك نفوسهم وبواطنهم *فطرت الله التي فطر الناس عليها* *الروم 30* اي كل ادمي فطر على الايمان بالله عز وجل بل على معرفة الاشياء على ما هي عليه اعني انها كالمضمنة فيها لقرب استعدادها للادراك.ثم لما كان الايمان مركوزا في النفوس بالفطرة انقسم الناس الى قسمين *الى من اعرض فنسي وهم الكفار *والى من اجال خاطره فتذكر فكان كمن حمل شهادة فنسيها بغفلة ثم تذكرها . ولذلك قال عز وجل *لعلهم يتذكرون* *البقرة 221* *وليتذكر اولوا الالباب* *ص 29*.وتسمية هذا النمط تذكرا ليس ببعيد فكان التذكر ضربان احدهما ان بذكر صورة كانت حاضرة الوجود في قلبه لكن غابت بعد الوجود والاخر ان يذكر صورة كانت مضمنة فيه بالفطرة. الاحياء لعلوم الدين . وهكذا فان البشر جميعا فد ولدوا وفي خلاياهم العقلية الكفاية مما يحتاجون اليه من شهادة التوحيد فتنحصر اذن رسالة الانبياء والعلماء ورجال الدين علي التذكير بشهادة التوحيد المستوطنة قي اعماق البشر منذ الخلق الاول قال الخالق سبحانه *واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به * *المائدة 7* *ولقد بسرنا القران للذكر فهل من مدكر* *القمر 17* . وبؤبد ذلك ما رواه ابو هريرة رضي الله عنه انه كان بقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم *ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه * *رواه الشيخان* *فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله * *الروم 30* عندنا الآن من الزاد والعتاد ما نستطيع به مداهمة خبراء التضليل وزعماء الكذب ورؤساء الفساد وعلى رأسهم "دارون" الذي زعم كذبا وبهتانا أن الإنسان وجد جرثومة في أوحال الطبيعة، وبعد ملايين السنين من المرحلة الجرثومية تحركت الجرثومة وصارت من الزواحف ثم بعد ملايين السنين الأخرى صنع ذلك الزاحف لنفسه أكرعا فصار من الدواب، وبعد مرور ملايين السنين الأخرى تخلصت الدابة من بعض تلك الأكرع فلم تبق إلا رجلين ويدين وصارت قردا، ثم تطور ذلك القرد فصار شبه إنسان إفريقي صنفه "دارون" بين جنسي القردة والبشر، ثم لما تمدن ذلك الآدمي منذ حوالي 300.000 سنة، صار ذلك الآدمي إنسانا أروبيا. ويزعم أنصار هذه الاسطورة الوهمية الفاسدة من الأساس أن المحطة النهائية من محطات التطور الداروني هي محطة الألوهية عندما يبلغ الإنسان مرحلة الكمال المطلق. ومنطق نظرية "دارون" يحمل في ذاته تكذيبا قاطعا لها ولزعمائها: إذ أن الإنسان لم تبرز فيه أي تطورات جسدية تجعله يختلف عن التكوين الجسماني الذي كان عليه منذ البداية. ومعلوم لدى الناس جميعا وفي كل مكان من كوكب الأرض أن الحية لم تبض إلا حية، فلم نسمع لا عن القدامى ولا عن المعاصرين أنها باضت حمامة رغم التشابه الكبير بين بيضة الحية وبيضة الحمامة من حيث الشكل والحجم والمحتوى. ولقد أدركت بعد مدة من الزمن أن القرد "دارون" أساء فهم نظرية ابن خلدون التي وصلته عن طريق الترجمات من العربية إلى الألمانية والأنقليزية والفرنسية والروسية والتي تقول في مقدمة كتابه: "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر" ما نصه حرفيا حسب ما أملك من الطبعات العربية:
"… إعلم أرشدنا الله وإياك، أنا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة من الترتيب والإحكام وربط الأسباب بالمسببات واتصال الأكوان بالأكوان واستحالة بعض الموجودات إلى بعض، لا تنقضي عجائبه في ذلك ولا تنتهي غاياته. وأبدأ من ذلك بالعالم المحسوس الجثماني وأولا عالم العناصر المشاهدة كيف تتدرج صاعدا من الأرض إلى الماء ثم إلى الهواء ثم إلى النار متصلا بعضها ببعض، وكل واحد منها مستعد إلى أن يستحيل إلى ما يليه صاعدا وهابطا، ويستحيل بعض الأوقات إلى ما قبله. والصاعد منها ألطف مما قبله إلى أن ينتهي إلى عالم الأفلاك وهو ألطف من الكل على طبقات اتصل بعضها ببعض على هيئة لا يدرك الحس منها إلا الحركات فقط. وبها يهتدي بعضهم إلى معرفة مقاديرها وأوضاعها وما بعد ذلك من وجود الذوات التي لها هذه الآثار فيها. ثم أنظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدريج. آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش وما لا بذر له، وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس فقط. ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد الغريب لأن يصير أول أفق الذي بعده. واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه وانتهى في تدريج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والروية ترتفع إليه من عالم القدرة الذي اجتمع فيه الحس والإدراك ولم ينته إلى الروية والفكر بالفعل، وكان ذلك أول أفق من الإنسان بعده، وهذا غاية شهودنا. ثم إنا نجد في العوالم على اختلافها آثارا متنوعة:
ففي عالم الحس آثار من حركات الأفلاك والعناصر، وفي عالم التكوين آثار من حركة النمو والإدراك تشهد كلها بأن لها مؤثرا مباينا للأجسام، فهو روحاني ويتصل بالمكونات لوجود اتصال هذا العالم في وجودها، ولذلك هو النفس المدركة والمحركة ولا بد فوقها من وجود آخر يعطيها قوى الإدراك والحركة ويتصل بها أيضا ويكون ذاته إدراكا صرفا وتعقلا محضا، وهو عالم الملائكة، فوجب من ذلك أن يكون للنفس استعداد للانسلاخ من البشرية إلى الملكية، ليصير بالفعل من جنس الملائكة وقتا من الأوقات في لمحة من اللمحات، وذلك بعد أن تكمل ذاتها الروحانية بالفعل…، ويكون لها اتصال بالأفق الذي بعدها شأن الموجودات المرتبة كما قدمناه، فلها في الاتصال جهتا العلو والسفل، وهي متصلة بالبدن من أسفل منها، وتكتسب به المدارك الحسية التي تستعد بها للحصول على التعقل بالفعل، ومتصلة من جهة الأعلى منها بأفق الملائكة ومكتسبة به المدارك العلمية والغيبية… " ا هـ. فابن خلدون لم يزعم أن النخل صار حلزونا ولم يقل أن القرد صار إنسانا ولم يدع أن الإنسان صار ملكا كريما، وإنما قام بعملية ترتيب وتصنيف لمنازل الكائنات، وابن خلدون- رغم اقتناعه ببعض النظريات الفاسدة الذائعة في عصره مثل تأثير النجوم سعودا أو نحوسا على البشر-، فلم يلمح أبدا إلى ما أشار إليه أتباع "دارون" من أن المنزلة النهائية للكائن البشري هي الربوبية، نعوذ بالله تعالى من كفرهم وضلالهم. والفرق شاسع وكبير جدا بين نظرية التصنيف والترتيب التي صاغها ابن خلدون رحمه الله تعالى وبين نظرية النشوء والارتقاء التي أسسها "دارون". وفوق كل النظريات وأصدق من كل المذاهب خطبة إمام المرسلين رسول الله، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم بعد أن فتح مكة المكرمة في رمضان عام ثمانية من الهجرة الشريفة عندما قال عليه الصلاة والسلام: "يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم، وآدم من تراب. يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى…" فلم يقل أبدا –عليه الصلاة والسلام- أن أب البشر كان قردا. وهلموا نستمع إلى قصة الخلق الحق من البداية إلى النهاية حسب النظرية الإلهية المفصلة بكل دقة ووضوح في سور عديدة من القرآن الكريم مثل قوله تعالى:*" ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين". وهذا الخلق كان واحدا لا ثاني له: فهو خلق أول الإنس، آدم عليه السلام.
*" ثم جعلناه نطفة في قرار مكين". وهذا عندما يطأ الرجل زوجته فيضع في رحمها دفقات من المني، الواحدة منها تحتوي على 400 مليون نطفة
* لا يتخلق الإنسان إلا من نطفة واحدة منها، فتكون بهذا الشكل ومازال يتكون الناس جميعا بعد آدم، باستثناء حواء وعيسى عليه السلام.
* "ثم خلقنا النطفة علقة". ويكون ذلك عندما تلتحم نطفة الرجل ببويضة المرأة وتعلق بها.
*" فخلقنا العلقة مضغة". وهي مرحلة من التكوين البشري تصير فيها العلقة كاللحم الممصوغ.
* " فخلقنا المضغة عظاما". وهي المرحلة التي يصنع فيها الخالق –سبحانه وتعالى- الهيكلة العظميّة.
*" فكسونا العظام لحما'. وهي المرحلة التي يصنع فيها الخالق –سبحانه وتعالى- العضلات والأجهزة والأفئدة والأوعية.
*" ثم أنشأناه خلقا آخر". ومثل قوله تعالى من سورة السجدة: "ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون". " السجدة: 9".
و هذه المرحلة الحاسمة من التكوين البشري هي التي ينفخ فيها الله تعالى في جسم الإنسان مكمل الجسد: الروح وفي هذه المرحلة بالذات
يقف الناس جميعا مذهولين حائرين من أسرار الروح وكيفية انتشارها في جسم الجنين، فلم يتمكن خبراء الأجنة –لا في أمركا ولا في أروبا ولا في أي مكان آخر من معرفة كيفية دخولها في جسم الجنين أثناء مدة الحمل، وكذلك لم يتمكن أساتذة الطب من معرفة كيفية خروج الروح من جسم الإنسان عند إشرافه على الموت. ولم يفلحوا إلا في معاينة بدء الحياة وتقرير نهايتها عند حركة القلب أو توقفه عن الحركة، واستأثر الله تعالى بأمر الروح من البداية إلى النهاية، قال الحق تبارك وتعالى: "يسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا". "الإسراء:85".
"ثم إنكم بعد ذلك لميتون". وهذه هي مرحلة المرقد البرزخي.
"ثم إنكم يوم القيامة تبعثون". وهذه هي المرحلة النهائية من الوجود وهي مرحلة البعث والحساب. من سورة : "المؤمنين:12-16".
ويتكامل خلق الجنين في رحم أمه لمدة ستة أشهر يمر أثناءها بستة أطوار هي:
النطفة، فالعلقة، فالمضغة، فالهيكلة العظمية، فاللحم، فالروح. و رغم ذلك فإن الجنين يكمل عادة التسعة أشهر في أحشاء أمه. بعدها يبدأ حياته الدنيا أين يستقبله شياطين الكون من الإنس والجن بمبادئ التضليل ومناهج الكفر وأساليب الفساد ووسائل الإغراء وقوانين التسلط ونظريات الكذب. ولقد اعترف البروفسور Keith. Moore –وهو أحد أعمدة علم الأجنة ورئيس قسم التشريح بكلية الطب بجامعة" طورنتو" بكندا –بصحة ودقة الإشارات العلمية القرآنية في شأن تكوين الأجنة واستعان بالدكتور المصري عزيز عبد العليم أستاذ جراحة الأطفال بكلية الطب بطنطا بمصر في دراسة الآيات القرآنية التي تتحدث عن خلق الإنسان. وبعد التعمق فيها أعاد العالم الكندي طبع مرجعه العلمي في علم الأجنة بإضافات إسلامية، استشهد فيها بكل آيات القرآن العظيم التي تناولت خلق الإنسان ومنها الآية الكريمة: "يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة، ثم من مضغة مخلقة و غير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى" "الحج:5"
فيقول عالم الأجنة الكندي: بالفعل إذا حللنا جسم الإنسان فإنه يتكون من عناصر التربة مثل الحديد والنحاس و غيرهما ويلاحظ أنه تبدأ قمة الإشارة العلمية القرآنية في علم الأجنة بقوله تعالى: " ثم من نطفة" وهي خليط من ماء الذكر والأنثى وهي النموذج والبرنامج الذي سيكون عليه شكل الإنسان، ثم يلاحظ أن قول الله تعالى: " ثم من علقة" وهو وصف دقيق للغاية فالمخلوق في تلك المرحلة بالذات يشبه تماما دودة العلق، ويصف العالم الكندي المضغة بأنها قطعة اللحم الممضوغ. والإعجاز العلمي يتجلى أيضا حسب رأيه في المضغة المخلقة وغير المخلقة، فيقول: المضغة المخلقة تتخلق إلى أنسجة وخلايا تكون فيما بعد أعضاء الجسم المختلفة. أما غير المخلقة فهي الخلايا التي تبقى كما هي في مرحلة المضغة وهي بمثابة إحتياطي إستراتيجي لتعويض الجسم عما يفقده من الخلايا والأنسجة المختلفة على مدى عمر الإنسان. وعجز العالم الكندي عن ترجمة قول الله تعالى من سورة المؤمنين: "ثم جعلناه نطفة في قرار مكين" إلى اللغة الأنقليزية، إذ أنه اعتبرها مفهوما علميا كاملا فوضعها كما هي "قرار مكين" لأن هذا التعبير يعني وجود الرحم في مكان أمين ولأن التعبير القرآني يحمل أمكانية الشمولية لأي إضافات قد تظهر في المستقبل لما تعنيه كلمة " قرار مكين". “The developing Human clinically oriented embryology Keith L.Moore
With Islamic addition (third edition).
وقبل الإطلاع على تفسير قوله تعالى: "ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة" من طرف العالم الكندي فإني لم أعثر على تفسير جيد يشفي العليل ويروي الغليل لا في تفاسير علماء الإسلام ولا في مؤلفات المعاصرين، ولقد أصاب العالم الفرنسي: « Maurice Bucaille » عين الحقيقة عندما قال في كتابه : « La Bible, Le Coran et la science » :
« … Pendant des siècles des commentateurs du Coran ont immanquablement commis des erreurs dans l ’interprétation de certains versets dont ils ne pouvaient pas saisir le sens précis….
Cela implique que pour comprendre ces versets coraniques, des connaissances linguistiques approfondies ne sont pas seules suffisantes. Il faut posséder par ailleurs des connaissances scientifiques très diverses.
ولقد استفدنا من العلوم العصرية – إلى حد الآن – في هذا الكتاب مرتين الأولى في خصوص مذنب شوماخر ليفي وارتطامه بالمشتري وما تأولناه من الجوار الكنس والثانية في خصوص " المضغة المخلقة وغير المخلقة" وما تأوله العالم الكندي في الأسطر السابقة والذي لم يسبقه عليه أحد من علماء الإسلام الأفاضل. أعود إلى الكلام عن أطوار الوجود البشري: فبعد الحياة يرحل الإنسان في موكب جنائزي إلى المرقد البرزخي، وهو الفاصل بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة وأطلقت عليه- أيضا- اسم الحياة الوسطى لوجوده بين الأولى والآخرة. وبعد ذلك سيأتي – وبدون أي أدنى شك- يوم البعث الذي أخبر عنه كل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فيبدأ الإنسان حينذاك الحياة الدائمة في دار القرار: فإما دار السلام إن شاء الله تعالى، وإما دار البوار والعياذ بالله منها. نستطيع -إذن- تلخيص جميع المراحل الوجودية التي يمر منها حتما كل إنسان على النحو التالي:
ا* الحياة الدنيا، تبدأ بنفخ الروح وتنتهي بالموت.
ب* الحياة الوسطى، تبدأ بالوفاة وتنتهي بالبعث.
ج* الحياة الآخرة، تبدأ بالبعث وليست لها نهاية.
وفيما يلي بحث في كل طور من تلك الأطوار الثلاثة بمزيد من العمق والدقة: 1-2-2-2- * الحياة الدنيا :
"اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار بناته ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما، وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" "الحديد: 20-21"
كما قال العزيز الكريم تبارك وتعالى: "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها، وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون". "هود عليه السلام: 15-16"
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور". إغاثة اللهفان".
وقال عليه الصلاة والسلام: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة أو جناح طير ما سقى كافرا منها شربة ماء".
"درة الناصحين".
فالدنيا عند العارفين كنهها – هي زهرة فانية ونعمة زائلة، يغتر بها من يعتقد أنه لا دار سواها ولا معاد وراءها. وهي سجن المؤمن وجنة الكافر. وقد ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ؟ ".
فقال أصحابه: "فما تأمرنا يا رسول الله ؟ "
قال عليه الصلاة والسلام: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا". "الإمام أحمد رحمه الله تعالى".
و قال عليه الصلاة والسلام: "موضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها. إقرأوا: "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور".
"ابن جرير رحمه الله تعالى".
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "إنا كنا آل محمد نمكث شهرا وما نستوقد نارا: إلا التمر والماء".
وقال الشيخ ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: " … إن الله سبحانه لم يخلق خلقه سدى هملا، بل جعلهم موردا للتكليف ومحلا للأمر والنهي، وألزمهم ما أرشدهم إليه مجملا ومفصلا، وقسمهم إلى شقي وسعيد، وجعل لكل واحد من الفريقين منزلا، وأعطاهم مواد العلم والعمل، من القلب والسمع والبصر والجوارح، نعمة منه وتفضيلا. فمن استعمل ذلك في طاعته وسلك به طريق معرفته على ما أرشد إليه ولم يبغ عنه عدولا، فقد قام بشكر ما أوتيه من ذلك، وسلك به إلى مرضاة الله سبيلا، ومن استعمله في إرادته وشهواته ولم يرع حق خالقه فيه يخسر إذا سئل عن ذلك، ويحزن حزنا طويلا، فإنه لا بد من الحساب على حق هذه الأعضاء لقوله تعالى:
"إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا". "الإسراء: 36"
أما الغاية الجوهرية من وجود البشر في هذا الكون فقد أشار إليها بكل وضوح قول الله تعالى: " وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا …". "هود : 7"
وقوله عز وجل: "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم، إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم". "الأنعام:165".
وقوله –سبحانه-: "كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون". "الأنبياء عليهم السلام: 35"
فهذه الآيات البينات من الذكر الحكيم وغيرها تبرهن أن الحياة الدنيا ما هي إلا مرحلة اختبار وابتلاء وامتحان للكائن البشري في أفعاله وأعماله وأفكاره ونواياه وتصوراته لتعمير ملكوت السماوات والأرض،
قال الله تعالى: "اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير". "فصلت: 40"
وقال عز وجل: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، والله على كل شيء قدير".
"البقرة:284"
وقال تعالى: "من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد". " فصلت:46"
إذن نستنتج من كل ما سبق أن الإنسان في حياته الدنيا مراقب بدقة كبيرة كما تؤكده أيضا الآية الكريمة:
"ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" " ق: 17-18".
والدنيا –مهما طاب العيش فيها- هي دار ابتلاء وكروب وغرور لا يرجى فيها راحة.
المرء يصاب مصائب لا تنقضـي حتى يوارى جسمه في رمسـه
فمؤجل يلقى الردى في غــيره ومعجل يلقى الردى في نفسـه
تبدأ الحياة بدخول الروح في جسم الجنين في رحم الأم وتنتهي عندما تخرج تلك الروح منه عند اكتمال الأجل المسمى. ولما يخرج الإنسان "الصغير" من الرحم يعصره الشيطان الذي يقرنه به إبليس اللعين عصرة فيستهل الحياة باكيا و حياتنا تبدأ بآلام المخاض والخروج من ضيق الرحم وتنتهي بسكرات الموت والدخول في ضيق القبر:
ولدتك أمك باكـيا مستصــرخا والناس حولك يضحكون سـرورا
فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكـوا في يوم موتك ضاحكا مســرورا
وقال الله تبارك وتعالى: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله، كتابا مؤجلا، ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها، وسنجزي الشاكرين". "آل عمران: 145"
والدليل على وجود قرين السوء والتضليل ما أخبر به الله تعالى عن أهل الجنة في قوله: "قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول: أئنك لمن المصدقين ؟ أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ؟ قال: هل أنتم مطلعون ؟ فأطلع فرآه في سواء الجحيم".
"الصافات: 51-55"
أما التناسل من أجل استمرار البشر إلى يوم القيامة فهو ليس بجناية كما يفهم من وصية فيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري التي طلب فيها أن يكتب على قبره:
هذا ما جنـاه أبــي علـي وما جنـيـت علــى أحـد
وتقترب من ذلك خيبة أمل أبي القاسم الشابي في الحياة عندما قال:
ناولتني الـحياة كأسا دهاقـا بالأماني فـما تناولت كأســي
إن في روضـة الحياة لأشـوا كا بها مــزقت زنابـق نفسـي
ونجيبه في قصيدة "أيها الليل":
صاح إن الحياة أنشـودة الحزن فرتـل على الحيـاة نحيــبي
ليس في الدهـر طائـر يتغـــنى في ضـفاف الحيـاة غـير كئيب
فنحن نتناسل ونحزن ونفرح ونطيع الله وننتظر الموت في غير شوق رغم قسوة الناس علينا، ونحن نعمل في الحياة كل ما نستطيعه من الصالحات ونرجو من الله تعالى العفو والمغفرة عن كل ما اقترفناه من السيئات، ونؤمن بالقدر خيره وشره، ونحاول قدر ما نستطيع اتباع الطريق المستقيم، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وأملنا كبير في شفاعته الكبرى وفي رضوان الله تعالى ونحمد الله ونشكره.
بلينا ومـا تبلـى النجــوم الطوالــع وتبقـى الديـار بعـدنا والمصانــع
وما الـمرء إلا كالشـهاب وضوئــه يحور رمادا بعد إذ هـو ساطـــع
وما الـمال و الأهـلون إلا ودائـــع ولا بد يومـا أن تـرد الودائـــع
اتجزع مما احدث الدهر للفتى و أي كريم لم تصبه القوارع
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى و لا زاجرات الطير ما الله صانع
"لبيد بن ربيعة"
1-2-2-2- الحياة الوسطى-
تزود إلى يــوم المـمــات فإنــه وإن كـرهته النفس آخـر موعـد
"زهير بن أبي سلمى"
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما احتضر خليفة المؤمنين أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
لعمـرك ما يغنـي الثـراء عن الفـتى إذا حشرجـت يومـا وضاق ب
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire