شياطين الانس------1-2-2-6-من هم شياطين الانس

شياطين الانس-من هم شياطين الانس

أعود الآن إلى جوهر موضوع الباب الثاني و أتساءل: من هم شياطين الإنس ؟

عرفت فيما مضى من هذا البحث بأمور تهتم بالإنسان كإنسان لم يتحول بعد إلى عفريت من عفاريت الإنس. وركزت كثيرا على ما سخره الله تعالى في الكون لتكريم معشر الإنس، ثم اعتمدت على أبحاث أهل الخبرة والاختصاص وعلى علومهم فبينت حسب آخر الاكتشافات العلمية إبداع الله تعالى لجسم الإنسان وما أودع فيه من أجهزة منيعة، ومصانع متطورة، ورادارات دقيقة، عجز البشر عن صنع قطع غيار لها، فكان الإنسان آية من آيات الله الكبرى.

 ونعرف الآن بشياطين الإنس، وبما جادت به قرائح خبراء التضليل والبطش والنهب والدعارة. فهؤلاء الوحوش من البشر، هم الذين أعنيهم بتسمية: شياطين الإنس في فصول هذا الكتاب.

 وشياطين الإنس يتواجدون بكثافة خصوصا في ميادين الفكر والمادة والحكم والمتعة. ولقد استوعبوا جميع أساليب التضليل ووسائل النهب وقوانين البطش ومناهج المتعة، فأنهكوا قوى البشر بالفساد والكفر والظلم والرذائل. وأستطيع تصنيفهم على النحو التالي:

أ ) شياطين الفكر :

و اختصاصهم إفتراء الأكاذيب وتوهم النظريات الفاسدة وتحريف شرائع الله عز وجل ومحاربة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومساعدة إبليس اللعين على تغيير خلق الله تعالى. وعليهم يقع الوزر الأكبر من جرائم شياطين الكون، و هم الذين يخدرون الشعوب بما يتناسب مع سياسات شياطين الحكم ومطامع شياطين المادة ورذائل شياطين المتعة، من أجل الجاه والمال واللذة.

ب ) شياطين المادة:

 واختصاصهم نهب خزائن الأرض وامتصاص دماء البشرية والتكالب على تكديس الذهب والمعادن النادرة باستعمال كل الأساليب المشروعة والمحرمة، لا يعبدون إلا " الدولار". اتخذوا معابدهم في أفنية أسواق الربى والإحتكار والمضاربات والغش والاحتيال، ثم كنزوا كل ما جمعوه في حصون وأبراج مصارف "سويسرى" و"أمركا".

ج ) شياطين الحكم:

 واختصاصهم سفك الدماء والبطش العنيف بمعشر الإنس وتعطيل شرائع الله عز وجل وتعويضها بمذاهب شياطين الفكر، وتدمير الهمم والنفوس، وإشاعة الفساد بتدعيم و استثمارا من شياطين المادة.

د ) شياطين اللذة :

واختصاصهم التهافت اللامحدود على أسباب المتعة، وتدنيس أخلاق المجتمعات البشرية، وتخدير العقول، وهدم القيم الخالدة التي توارثتها أمم الإنس منذ الخلق الأول، وشياطين المتعة هم أقرب إلى جنس القردة، ولعل أخلاق القردة هي أرقى وأرفع من أخلاق شياطين اللذة، فلو طفت بجميع الأدغال التي تعيش فيها القردة، لما وجدت ذكرا منها ينكح ذكرا آخر مثل ما تفشى بين اللواطيين في أروبا وغيرها وبتزكية من شياطين الحكم والفكر.

 فكل صنف من هذه الأصناف الأربعة هو حليف وشريك ومستشار لبقية الأصناف حسب عقود مقدسة بينهم، أوثقهم إليها شياطين الجن منذ أكثر من ثمانية آلاف سنة.

 ترى، من هم شياطين الإنس ؟ وماذا يفعلون ؟

هم :"الذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادا".

هم:" الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق".

هم: "الذين يصدون عن سبيل الله و يبغونها عوجا".

هم:" الذين جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد".

هم: "الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيئين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس".

هم:"الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار، جهنم يصلونها وبئس القرار، وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله".

هم: وحوش مفترسة على صور آدميين يتسلطون على المستضعفين في الأرض، تتغذى جوارحهم الحيوانية بالجرائم والرذائل والخبائث.

هم: زعماء البطش وجبابرة الظلم والطغيان متعاقبون لم يخل منهم زمن، متشابهون في المكر والغدر والخبث والقسوة، مشاريعهم الشيطانية في الحياة الأولى تضمن لهم كل أنواع الغبن والحسرة في الحياة الوسطى وتحجز لهم مقاما لا يحسدون عليه في دار البوار عندما يحل زمان الحياة الآخرة.

هم: أحزاب إبليس اللعين من جنس آدمي، أشار إليهم قول الله تعالى من سورة الإسراء: "واستفزز من استطعت منهم بصوتك، وأجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال والأولاد، وعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، وكفى بربك وكيلا".                                                                                  "الإسراء:64-65".

و قوله تعالى: "استحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب ا لشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون".                                                                                                              "المجادلة:19".

و علاقة شياطين الجن بشياطين الإنس مثبتة في كتاب الله رب العالمين:"يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس، وقال أولياؤهم من الإنس: ربنا استمتع بعضنا ببعض".                                                                          "الأنعام: 128".

كما قال تعالى:  "شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"                           "الأنعام:112".

وقال تعالى:  "إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، ويحسبون أنهم مهتدون".                                "الأعراف:30".

"ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون، وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم، ما تسبق من أمة أجلها وما يستئخرون"                                                                                                          "الحجر: 3-5".

وأتبرأ من كل الشياطين بقول الله تبارك و تعالى: "إنا برءاؤ منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم، وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده".                                                                                   " الممتحنة:4".

قال عثمان الخوبري –رحمه الله- في "درة الناصحين": " … لا بد لكل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعلم أنه يسأل يوم القيامة ويناقش في الحساب، ويطالب بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات. وأنه تعالى لا ينجيه من هذه الأخطار إلا بلزومه محاسبة النفس في تجارتها لآخرتها، … فإن  من حاسب نفسه قبل أن يحاسب، يخفف عليه يوم القيامة حسابه، ويحضره عند السؤال جوابه، ويحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسبها تدوم حسراته، وتطول في عرصات القيامة وقفاته، وتقوده إلى الخزي والمقت سيئاته.  فإذن لا بد للمؤمن أن لا يغفل في تجارته لآخرته عن مراقبة نفسه في حركاتها وسكناتها ولحظاتها و خطراتها، لأن هذه التجارة ربحها الفردوس الأعلى … مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين …".          " درة الناصحين: الخوبري"

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال:

-        عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن علمه ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه. صدق رسول الله في كل ما قاله.

"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم، إنما تجزون ما كنتم تعملون. يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا، عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار".                             "التحريم:6-8".

"فإذا النجوم طمست، وإذا السماء فرجت وإذا الجبال نسفت، وإذا الرسل أقتت، لأي يوم أجلت، ليوم الفصل، وما أدراك ما يوم الفصل، ويل يومئذ للمكذبين. ألم نهلك الأولين، ثم نتبعهم الآخرين، كذلك نفعل بالمجرمين، ويل يومئذ للمكذبين، ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم، فقدرنا فنعم القادرون، ويل يومئذ للمكذبين".                 "المرسلات:8-24".

" هذا يوم لا ينطقون، ولا يؤذن لهم فيعتذرون، ويل يومئذ للمكذبين. هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين، فإن كان لكم كيد فكيدون، ويل يومئذ للمكذبين".                                                                             " المرسلات:35-40".

وأغلق باب "شياطين الإنس" بملخص لأهم المعتقدات الفاسدة التي أوحاها إبليس اللعين إلى أحزابه من معشر الإنس:

*فبعد أن تسبب في هبوط آدم من الجنة، وسوس إلى رجل من بني "قابيل" أن ينحت لقومه أصناما يعبدونها من دون الله تعالى، كي تقبل منهم القرابين كما تقبل قربان عمهم المقتول:"هابيل" فنحتوا خمسة أصنام على صور رجال كانوا يحبونهم: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر

*وأغوى إبليس اللعين الهنود فعبدوا النار وحرموا أكل اللحوم إلا ما كان منها مقرب إلى النار، وأباحوا الزنى، وعظموا البقر، كما بنى أقوام آخرون بيوتا يعبدون فيها النار.

*وزين لآخرين تقديس الملائكة وأوهمهم أنها بنات الله- تعالى عما أشركوا وتوهموا علوا كبيرا-.

*ونفخ إبليس اللعين في أذهان أقوام من الإنس أن الكائنات وجدت بلا صانع ونفث في صدور آخرين أنها من صنع الطبيعة، وقال لآخرين أن للكائنات صانعين: النور والظلام، ثم نصحهم بتسمية مخلوقات النور: ملائكة ومخلوقات الظلام: شياطين.

*وأوحى إلى كوكبة من شياطين الفكر أن صانع الكون انتحر بعد أن أتم شغله، فسادت بعده قوانين الصدفة والاتفاق، فنتج عن ذلك الظلم والفساد.

*ثم أمر اللعين قوما من الجهلة ببناء هياكل ومعابد وزوايا، ونحت أصنام للكواكب التي كانوا يعتقدون أنها أرباب لهذا الكون، فزعموا أن: زحل، والمشتري، والمريخ، والشمس، والزهرة، وعطارد، والقمر هي مدبرات شؤون العالم، هم لم يكتشفوا بعد بقية كواكب المجرة الشمسية، وإلا لعبدوها كزميلاتها. فجعلوا لزحل صنما ضخما أعمى من الرصاص يتقربون إليه بثور، ويتقربون إلى المشتري بصبي ابن ثمانية أيام، ويتقربون إلى المريخ برجل أشقر يضعونه في حوض من الزيت والعقاقير حتى يموت، ويتقربون إلى الشمس بأم الصبي الذي قدموه قربانا للمشتري، ويتقربون إلى الزهرة بعجوز شمطاء ماجنة فيحرقونها أمام هيكلها، ويتقربون إلى عطارد بشاب يقتلونه ويقسمونه إلى أربعة أقسام، ثم يضرمون فيها النار ويضعون الرماد في وجه صنم كوكب عطارد، ويقربون إلى هيكل القمر رجلا كبير الوجه.

*ثم ساهم العرب بقسطهم في الكفر والتضليل فأوحى لهم اللعين ببدع متنوعة منها النسيء وهو التلاعب بحرمة الشهور حسب ما تقتضيه مصالحهم فعبثوا بالزمان كيف ما شاءوا.ومنها حرمان الأنثى من الميراث، و وءد البنات خوفا من العار. ومنها البحيرة وهي الناقة تلد خمسة أبطن فإن كان الخامس أنثى، شقوا أذنها وحرموا أكلها على النساء. ومنها السائبة من الأنعام: كانوا يسيبونها ولا يركبون لها ظهرا، ولا يحلبون لها لبنا. ومنها الوصيلة وهي الشاة التي تلد سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرا أو أنثى وصلت أخاها، فلا تذبح، وتكون منافعها للرجال دون النساء، فإذا ماتت إشترك في أكلها الرجال والنساء. ومنها الحام وهو الفحل من الإبل، ينتج عن ظهره عشرة أبطن، فيقولون: قد حمى ظهره، فيسيبونه لأصنامهم ولا يحمل عليه عند الرحيل. فرد الله تبارك وتعالى عن ضلالهم بقوله:" ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام، ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب".                                                                                                      "المائدة:103".

ّوقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم، وأنعام حرمت ظهورها، وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه، سيجزيهم بما كانوا يفترون. وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء، سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم. قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله، قد ضلوا وما كانوا مهتدين"                                                                                    "الأنعام: 138-140".

*و أوحى اللعين إلى اليهود أن عزير بن الله، ثم تكلموا بقبح ووقاحة فقالوا: "إن الله فقير ونحن أغنياء" وقالوا: "يد الله مغلولة". وقالوا:"لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" وهي حسب زعمهم: الأيام التي عبدوا فيها العجل، الذي صنعه لهم السامري، فرد الله تعالى قولهم في الرسالة الخاتمة: "قل اتخذتم عند الله عهدا، فلن يخلف عهده، أم تقولون على الله ما لا تعلمون، بلى من كسب سيئة، وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار، هم فيها خالدون".                                          "البقرة: 80-81".

ثم جحدوا ما كان في التوراة من صفة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فكادت له يهود يثرب وألبت عليه قبائل العرب. وقبل ذلك اتهموا أم المسيح عيسى بالزنى.

*وبعد أن تأكد إبليس اللعين من غضب الله على اليهود، تفرغ إلى النصارى فأضلهم ضلالا بعيدا عندما أوهمهم أن المسيح هو الله، وأوهم آخرين منهم أن المسيح هو ابن الله، ثم وسوس لهم بتقديس الصلبان والأصنام والصور، فحرفوا أقوال نبيهم عيسى ونسبوا إليه أكثر من مائتي إنجيل حسب ما أكده علماؤهم النزهاء، أخفيت كلها في دهاليز كنيسة "روما" ولم يتداولوا إلا أربعة أناجيل كتبها مرقس، وماتي، ولوكا، ويوحنا، ألفت كلها بعد وفاة عيسى بأكثر من سبعين سنة. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

و انصح شياطين الانس بالعودة الى الطريق المستقيم و بالرجوع الى الله عز و جل كما فعل نبي الخمر ׃ ابو نواس ، الذي كان رمزا للمجون و الاستهتار ،و اهدر حياته في الملذات و الغزل ثم ادرك في اخر عمره انه كان على باطل، فنظم ابياتا ﻠﺠأ فيها الى الله تعالى بقوله׃

ايا من ليس لي منه مجير     بعفوك من عذابك استجير

انا العبد المقر بكل ذنب       و انت السيد المولى الغفور

ﻓﺇن عذبتني فبسوء فعلي       و ﺇن تغفر ﻓأنت به جدير

أفر ﺇليك منك …وأين ﺇلا   ﺇليك يفر منك المستجير

 فلما شعر ابو نواس بقرب المنية و بدنو ساعته قال׃

يا رب ﺇن عظمت ذنوبي كثرة       فلقد علمت بان عفوك اعظم

ﺇن كان لا يرجوك الا محسن         فبمن يلوذ و يستجير المجرم

ادعوك رب كما امرت تضرعا       ﻓﺇذا رددت يدي فمن ذا يرحم

ما لي اليك وسيلة الا الرجا          و جميل عفوك ثم اني مسلم

« نبي الخمر و الغزل ابو نواس»

« ان الانسان خلق هلوعا اذا مسه الشر جزوعا و اذا مسه الخير منوعا الا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون و الذين في اموالهم حق معلوم للسائل و المحروم و الذين يصدقون بيوم الدين و الذين هم من عذاب ربهم مشفقون ﺇن عذاب ربهم غير مامون و الذين لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولائك هم العادون و الذين هم لاماناتهم و عهدهم راعون و الذين هم بشهادتهم قائمون و الذين هم على صلاتهم يحافظون اولائك في جنات مكرمون »                                                                                     « المعارج׃ 19 −35 »

أتممت بعون الله تعالى البحث الثاني من المقصد الأول في  19 جوان 1998 م  والحمد لله على ذلك حمدا كثيرا.

Haut du formulaire

1